بقاء السلاح في يد بعض الجماعات.. يعيق عملية التأسيس للدولة المدنية الجديدة.
علينا فهم الدولة الاتحادية كبعدُ حضاري وليس كإسقاط لمفاهيم ثقافية مستوردة
حوار / أسماء حيدر البزاز
أوضح الدكتور عبدالعليم باعباد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة صنعاء ومستشار أمين العاصمة , بأن هناك قوى عديدة تلعب بالملف الأمني لضمان الوصول إلى استحقاقات المرحلة المقبلة موضحا بأن ميزة الرأي العام في اليمن رغم التضليل أنه يستطيع توجيه أصابع الاتهام للقوى التي تقف وراء هذه الأعمال التي لم تقدر شرف الانتماء للوطن, مؤكدا على ضرورة أن تخضع عملية صياغة الدستور لمعايير التخصص والمعرفة في القانون الدستوري والإداري وأن يستمد أسسه من ثقافة الشعب وهويته بعيدا عن الرغبات أو الأهواء الشخصية و الحزبية .
إلى تفاصيل الحوار:-
• بداية ,, ما هي متطلبات المرحلة الحالية ¿
– بعد تشكيل لجنة الأقاليم وإنشاء الستة الأقاليم ينبغي تشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد والاستفتاء عليه ومن هذا التاريخ تبدأ ترتيبات قيام الدولة الاتحادية وتشمل أيضا وضع جدول زمني لتنفيذ المهام وبناء القدرات في كل ولاية وإقليم وكذا سن التشريعات والقوانين اللازمة لقيام الدولة الاتحادية واستكمال الملف الحقوقي وتنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشرة المتعلقة بالقضية الجنوبية ,
إجراءات تأسيسية
• وما هي الاجراءات التي ينبغي أن تتصدر أولويات تأسيس دولة الأقاليم ¿
– في الحقيقة هناك إجراءات ملحة ينبغي أن تتصدر سلم الأولويات لتأسيس دولة الأقاليم منها : أن تستعيد الدولة هيبتها ببسط سلطانها ونفوذها على كل اليمن وأن تعمل الحكومة على استيعاب الأمن والاستقرار وتحافظ على البنية التحتية والخدمات العامة وتوفير الاحتياجات الإنسانية الضرورية للمواطنين , وتضرب على أيدي العابثين بأمن واستقرار ومقدرات الوطن وتطبق القانون . لأنه من القصور تصور تأسيس دولة الأقاليم في ظل واقع دولة ضعيفة وفي ظل حكومة غير قادرة على حل مشكلات واقع ماثل فكيف ببناء واقع جديد له متطلبات إضافية وإشكاليات جديدة غير مألوفة. لهذا لابد من تبني الحكومة وكل سلطات الدولة لمفهوم تغيير شكل الدولة من دولة بسيطة موحدة إلى دولة اتحادية موحدة كما قالها فخامة الأخ رئيس الجمهورية في كلمته بالجلسة العامة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وبما انتهت إليه مخرجات المؤتمر .
شكل الدولة
•هل ترى بأن هناك وعياٍ مجتمعياٍ حول شكل الدولة ¿
في نظري يجب أن تفرق عند الحديث عن مفهوم التوعية بين شكل الدولة وتأسيس دولة الأقاليم ـ وإن كانت النتيجة واحدةـ من حيث أسلوب الوصول إليه فمفهوم تغيير شكل الدولة يجعل ميلاد دولة الأقاليم من رحم دولة قوية تشرف على هذا التأسيس وتستمر قوتها كدولة اتحادية لها وزنها أمام الخارج ولها قدرتها على حسن حكم الداخل فتؤدي الدولة الاتحادية دورها وتؤتي ثمارها كأسلوب للحكم يحقق الشراكة في السلطة والثروة تمكن من بناء يمن جديد قادر على مجابهة التحديات الماثلة .
صعوبات مرحلية
• و ما هي المعوقات التي ترافق هذا التأسيس ¿
– معوقات هذا التأسيس هي الجماعات المسلحة التي يشكل امتلاكها للسلاح تهديدا للوضع العام الحالي وللتأسيس , وكل قوى العنف , بالإضافة إلى معوقات متمثلة في ضعف البنية التحتية والوضع الاقتصادي بشكل عام وضعف الوعي , لكننا نتفاءل – بعون الله – وبقوة الإرادة التي تملأ عقول وقلوب أبناء الشعب اليمني ورغبتهم في الحياة الحرة الكريمة الآمنة بدولة اتحادية موحدة تتوزع فيها السلطة والثروة بين جميع أبناء الشعب من دون احتكار أو استئثار من أحد , ونثق بقدرة القيادة السياسية في تجاوز هذه الصعوبات لما تمتلكه من تصميم وقوة إرادة في الوصول بالوطن إلى بر الأمان.
•كيف تقرأون البعد الحضاري للدولة الاتحادية الجديدة ¿
– الفيدرالية باعتبارها صيغة للحكم وأسلوب للإدارة السياسية للدول تجربة إنسانية عامة تخرج من مفهومها الثقافي كمنتج في دول بعينها إلى شكل من أشكال الحكم يقوم على حسن الإدارة في الدول التي تأخذ به عن طريق توزيع السلطات بين المركز وبين حكومات الأقاليم وتضمن توزيع عادل للسلطة والثروة تحقق تنمية حقيقية ومتساوية وتجنب البلدان الصراعات الناتجة عن احتكار السلطة والثروة , وعلينا أن نفهمها هكذا كبعد حضاري لا كإسقاط لمفاهيم ثقافية مصدِرة لاختلاف الباعث والوجهة بين الدول التي انشئت هذه الطريقة في الحكم وبيننا كدول مستفيدة من التجربة ,
النهضة الشاملة
•برأيك هل تحقق دولة الأقاليم التنافس والبناء لإحداث نهضة تنموية شاملة ¿
– اعتقد أن التنافس والبناء وإحداث نهضة علمية وتنموية شاملة في ربوع اليمن بدلا من الانشغال بالصراعات السياسية سيكون أبرز الأبعاد التنموية للدولة الاتحادية .
-ولكن التوزيع العادل للسلطة والثروة يمكن أن يتحقق في ظل الدولة البسيطة الموحدة إذا وجدت دولة النظام والقانون ¿
-هذا كلام صحيح ـ لكننا إذا أمعنا النظر في الأسباب والعوامل التي أجهضت تجربة قيام دولة النظام والقانون في اليمن وأحالت دون تحقيقها سنجد أن من أهمها وجود النفوذ الذي تغلغل في مفاصل الدولة وأنتج هذا التباين الواضح بين طبقات وفئات وأماكن في المجتمع. وأنا أشبه النفوذ بأنواعه كسيل عارم لا نملك صده ولكن يمكننا تصريفه بتنظيم مسالكه وطرقه وهذا ما تهدف إليه الفيدرالية فيكون القوي قويا لا مضعفا لغيره وغنيا لا على حساب غيره فالنظام الفدرالي ربما كان الحل الممكن الذي قطع الطريق أمام المشاريع الأخرى التي تذهب بعيدا.
الملف الأمني
• لكن التفجيرات وتفخيخ الوضع الأمني في هذه المرحلة الحساسة تزيد الأمور…..¿
مقاطعا .. يمثل الوضع الأمني أكبر التحديات فهو مدخل القوى المتربصة لعرقلة إبحار سفينة الوطن بأمانوهو أول الخطوات وأقدس الواجبات الذي يقع على الحكومة القيام به بل هو الغاية من وجود الدولة . صحيح أن الدول بشكل عام تخلت عن مفاهيم اجتماعية بفعل النظام الاقتصادي المتوحش لكنها لم تتخلى عن وظيفتها الأساسية وهي أمن وسكينة الشعوب. وبلادنا عانت وتعاني من هذه الآفة المتوغلة وهي التفجيرات والإرهاب وتفخيخ الوضع الأمني الذي يستهدف في تصوري الحيلولة دون استقرار الوضع واستمرار إفشال الحكومة لنزع ثقة الشعب ليس منها فحسب ولكن من الوضع الجديد والتيئيس من نتيجة التغيير
ضمان الاستحقاقات
•معنى ذلك أن تلك القوى تلعب بورقة الملف الأمني لضمان الوصول إلى استحقاقات في المرحلة القادمة ¿
– نعم , فهي تهيئ الذاكرة لتقبل أجندة القوى التي تقف وراء هذه التفجيرات وأعمال التخريب. بحسب ما يتراءى لها أو على أقل تقدير تضمن الوصول إلى استحقاقات المرحلة المقبلة والمواطن يحمل هذا الشعور الأمر الذي يمكنها من استمرار الحفاظ على مصالحها هذا في أكثر تقدير لكنها لن تستطيع إعادة الزمن للوراء بكل تأكيد.وميزة الرأي العام في اليمن رغم التضليل أنه يستطيع توجيه أصابع الاتهام للقوى التي تقف وراء هذه الأعمال التي لم تقدر شرف الانتماء للوطن وليس للوطن في وجدانها قيمة حتى تحافظ عليه لكن ميزة الحكومات باليمن أيضا أنها لا تقوم بمسؤوليتها لهذا على الحكومة أن تضرب بيد من حديد على يد العابثين وتتخلى عن الموازنة والانتظار غير المبرر إطلاقا.
عقوبات صارمة
• قرار مجلس الأمن الأخير.. إلى أي مدى سيعزز مسار الثورة السياسية ويعمل على إنجاحها
– النقطة الأهم لمعاقبة معرقلي التسوية هي قرار مجلس الأمن الذي سيتخذ تدابير ضد أي جهة تحاول وضع عوائق فيما يتعلق بتنفيذ نتائج المؤتمر و ضد من يعرقل مسار التسوية كالمنع من السفر أو تجميد الأرصدة أو منع مزاولة العمل السياسي أو رفع الغطاء عن احتمالية عقوبات داخلية ويعني ذلك أن العدالة الانتقالية ستكون بالمرصاد وهذا أقل الاحتمالات غاية ما في الأمر أن اليمن تحت متابعة مجلس الأمن ولن يكون بمقدور أي معرقل أن يفلت من العقاب وعلى أي حال لا أتوقع من الحكومة اليمنية عقوبات على من يخرب ويفجر من المتهمين المعروفين بعد القبض والمحاكمة طبعا كقضايا واضحة وسهلة وبالتالي لا يمكن أن يكون مجلس الأمن أكثر تأثرا من الحكومة اليمنية ولا أكثر اندفاعا من اليمنيين خصوصا في مسائل كهذه.
التهيئة
• التوعية والتهيئة لنظام الأقاليم كيف تقرؤون ذلك ¿
– أرى أن التوعية بنظام الأقاليم يبدأ بتوعية الناس باحترام الدولة والامتثال للنظام والقانون وهذه التوعية لن تجدي إلا باقترانها بعمل منظم يحقق بسط نفوذ الدولة واحترام النظام والقانون وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه” إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن”. وكم كنت أتمنى أن تبدأ هذه التوعية وهذا العمل عقب انتهاء مؤتمر الحوار مباشرة مترافقة مع تعديل حكومي وتغيير في أهم الأجهزة والمؤسسات التي أصبح التغيير فيها ضرورة ملحة ذلك أن محطات ومواقف يكون فيها الرأي العام محتشدا وفاعلا وحتى القوى السياسية تكون متقبلة رغبا أو رهبا. تبدأ التهيئة ومن هنا تبدأ عملية بتشكيل الأقاليم واستكمال بعض الأمور التي ترى القيادة السياسية بأنها ضرورية وهي أفهم بهذه الأمور ومخرجات مؤتمر الحوار أوضحت خطوات التهيئة لكنني هنا أعرض قراءتي الخاصة لهذه التوعية والتهيئة. في جانب التوعية هناك عدم التزام من بعض القوى في وسائل الإعلام التابعة لها إذ أنها تنتهج ازدواجية عجيبة في الموقف والإعلام: وفاق/ شقاق شراكة /شراك سلطة/ معارضة وفق قاعدة “أوريهم” التي لن تخدم حتى مصالحها ومصالح المنتسبين لها إنها تعرض انفعالات شخصية غير مفهومة ولا مقبولة حتى لكثير من قواعدها.وعلى الجانب الآخر هناك ضعف ملحوظ في الجانب الإعلامي وفي التهيئة وقد وقعت في خانة ردة الفعل بدلا من ضرورة وجودها في خانة الفعل إعلاما وتصرفا وربما لان هناك نائحات مستأجرة لم يتركن للنائحة الثكلى فرصة أو مجالا.
ضوابط الدستور
• هل هناك ضوابط ومعايير للجنة صياغة الدستور ¿
– عملية صياغة الدستور مهمة عظيمة وجليلة ودقيقة لابد وأن تخضع لمعايير التخصص والمعرفة في القانون الدستوري والإداريوالمعرفة الكاملة باللغة العربية ومعانيها ومقاصدها وفن الصياغة والدراية بالواقع السياسي والتوجه الاقتصادي العالمي وكذا الفهم بالقانون الدولي والعلاقات الدولية والأهم من ذلك الصلة الشعورية والقيمية بثقافة الشعب وهويته وانتمائه لتاريخه ولأمته ولا مجال في صياغة الدستور للرغبات والانطباعات أو الأهواء الشخصية أو الحزبية ولا مجال فيه لتأثير الثقافة الفردية الخاصة. هناك أفكار وآراء تطرح هنا وهناك من قبل بعض المهتمين في عملية صياغة الدستور من أكاديميين ومتخصصين فهناك من يطرح فكرة الدستور المدني أويجتهد بالمطالبة بدسترة حقوق المرأة والشباب أو التشديد على قكرة الحقوق والحريات…الخ والحقيقة أن كثيرا مما يتم تناوله الآن كان قد أنجز في فرق مؤتمر الحوار ولعل من أهم الانجازات الكوتا النسائية التي تهدف إلى تخصيص مانسبته 30% من المقاعد للمرأة من قبل الأحزاب السياسية في عملية الترشيح وهذا يضمن أن تكون المرأة ممثلة في البرلمان بهذه النسبة. أما فكرة الدستور المدني فترجع جذورها إلى مفاهيم أساسية نتجت عن الصراع بين مدرسة القانون الطبيعي ومدرسة القانون الوضعي حول المفاهيم الأخلاقية .
وعلى المجتهدين والمهتمين أن يعطوا آراءهم في المسائل الجديدة وأهمها التغيير في شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة الأمر الذي يوجب معرفة كيفية توزيع السلطات في الدستور الجديد بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم بصورة ناجحة .