في ما مضى كانت الدراما اليمنية مكتظة بالعبثية واللا هدف، وكان أفضل شيء فيها محاولة تسلية المشاهد، مع كثير من الهمز، والرمسسة، والخيبلة، والإغراق في التنكيت والسخرية باليمني واليمنية، وتصويرهما على أنهما ناقصان، ولديهما الكثير من العقد، والأزمات الأخلاقية والقيمية.
اليوم وقد عادت روح هذه المسيرة الجهادية إلى جسد وفكر هذا الشعب تغير كل شيء، فعاد الهزل جدا، والوطن المستلب وطنا أثيرا، وبات لكل شيء هدف سام وغاية نبيلة.
لاحظوا مسلسلات هذه الأعوام وهي تحمل الهدف النبيل، والغاية الفضلى، وتنبض بالعزة والكرامة، والسيادة، وتجري فيها دماء الهوية الإيمانية اليمانية. على سبيل المثال هذه السنة رأيت بعض حلقات مسلسلي (أبواب صنعاء) و(تكتيك)، ورأيت الأول وهو يستغل كل شيء لتأصيل الهوية اليمانية، وإبراز جمال ومفاتن صنعاء الرائعة، مع معالجة كثير من الانحرافات، وتبيين خطورة بعض الممارسات .
ومثله مسلسل (تكتيك) الذي حقق أهدافا كثيرة، وباتت الجدية تحكم كثيرا من تفاصيل المسلسل، على رغم ما يبدو واضحا أنه تم إنتاج المسلسلين في فترة قصيرة، وبدا على آخر كل منهما (اللفلفة) و(الكلفتة)، والقفز على المسافات الفنية المفترضة، وعلى رغم وجود قصور كبير في البنية التحتية للحياة الفنية برمتها في اليمن.
ولكن مع ذلك بات الكثيرون يعترفون اليوم أن هناك قفزة هائلة ونقلة نوعية في الدراما اليمنية، ليس في إمكاناتها فحسب، بل في رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، وأهم ما في ذلك أنني كأب ورب أسرة مثلا صرت أرى أن مثل هذه المسلسلات ليست فقط مأمونة الضرر، بل يمكنها أن تؤثر إيجابا في أخلاق وقيم وغايات العائلة والمجتمع، على خلاف ما هو الحال مع كثير من المسلسلات البايخة، التي لا تملك رسالة ولا هدفا ولا غاية، إن لم تكن تملك رسائل وغايات وأهدافا سلبية وقذرة.
ما الفرق بين هذه المسلسلات ومثيلتها البايخة التي تمتليء بها قنوات العدوان ومرتزقتهم من تحقير لليمني واليمنية، وعبث بالقيم والأفكار، ونجاح مخز في ضرورة ملئها بالإثارات الوسخة، والإيحاءات الجنسية الهابطة.
أما لماذا تميزت وحسنت هذه المسلسلات وساءت تلك وقبحت؟! فلأن ثقافة المنتج والداعم والمخرج وقيمهم وأهدافهم وغاياتهم ومشاريعهم هي التي تتحكم في الأعمال الفنية، وهي التي تجرها إما إلى العلياء والعزة والكرامة والوطن والهوية، أو إلى التفاهات، والسقوط، والعيب، واللا هدف، والضياع.
من يحب شعبه ووطنه تجده منحازا إلى أبنائه، وعليائهم، وعزتهم، وسعادتهم، ومن باعهم في أسواق المعتدين تراه يحقرهم، ويستفزهم، وينسب إليهم الوقاحات و(الخبالات)، وما يريد العدوان أن يرسخه فيهم.
وسؤالي الأخير للمخرج: لقد حز في نفسي وكان يؤلمني بكاء هذا الطفل الصغير في مسلسل تكتيك، وكنت أشك في أنكم كنتم تجبرونه على البكاء حقيقة، وليس تمثيلا، أم أنه كان فعلا يبكي بوعيه ومعرفته أنه يتقمص دورا؟
لقد كان بكاؤه يقطع أنياط القلوب .. واعتبروا هذه وجهة نظر.. ولكم التحية والتقدير.. والقادم أعظم إن شاء الله..
Prev Post