أصوات تجوب الآفاق وتلاوات تلامس المشاعر والقلوب: المنشاوي والقريطي .. الأقصر عمراً والأكثر حضوراً في رمضان
اعدها اليوم/ عادل العصار
يعتبر شهر رمضان من أكثر شهور السنة بركة ورحمة؛ فقد اختصّه الله -عز وجل- بفضائل عظيمة؛ إذ أُنزل القرآن الكريم فيه، قال -تعالى-:}شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ{ ومع زيادة ارتباط المسلمين في مختلف البلدان الإسلامية بالقرآن الكريم خلال هذا الشهر الفضيل، فانهم يتذكرون العديد من أبرز قرّاء القرآن الكريم، الذين اجتمعت عليهم القلوب قبل الآذان.
في اليمن كغيرها من البلدان العربية والإسلامية تتضاعف الأجواء الروحانية وتتحول مؤشرات الراديو عند الكثير من الناس إلى المحطات الإذاعية للاستماع لتلاوات عطرة من القرآن الكريم لأشهر المقرئين الذين أصبح شهر رمضان يرتبط بهم بل وأصبح الاستماع لتلاواتهم المسجلة منذ عشرات السنين جزءاً من الطقوس الدينية، ويأتي في مقدمتهم الشيخ محمد صِدّيق المنشاوي والشيخ محمد حسين القريطي واللذين عاشا في فترة زمنية واحدة ويعتبران الأقصر عمراً والأكثر حضوراً اليوم في شهر رمضان، بالإضافة إلى الشيخ الحافظ محمد حسين عامر، وهم الثلاثة الذين تمس أصواتهم وتلاواتهم مشاعر وأرواح المستمعين.
الصوت الباكي والقلب الخاشع
يعتبر المقرئ الشيخ الراحل محمد صِدّيق المنشاوي (20 يناير 1920 – 20 يونيو 1969) أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة، نظراً لما يتمتع به صوته من خشوع وشجن يثيران مشاعر المستمعين.
وُلِدَ الشيخ المنشاوي بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي.
بصمة خاصة
تأثر الشيخ المنشاوي بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، والتي أصبح الكثيرين يطلقون عليها اسم (المدرسة المنشاوية)، وليس هذا وحسب بل إن الشيخ محمد صديق المنشاوي يتميز ببصمة خاصة في التلاوة وصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب بـ “الصوت الباكي”.
ذاع صيت الشيخ محمد صديق المنشاوي ولقي قبولًا حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، ما جعله على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وفي وصف للمنشاوي قال الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي».
صوت جاب الآفاق
للشيخ المنشاوي تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتلا، وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا و ليبيا، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بالإذاعة، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي، وقد زار الشيخ المنشاوي العديد من الدول الإسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والسعودية وحصل على العديد من الأوسمة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان، كما كرّمته مصر بعد وفاته في احتفالات ليلة القدر بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
رغم أن الشيخ محمد صديق المنشاوي عاش عمرا قصيرا (49 عاما) إلا إنه ترك قراءات تليق بجلال القرآن الكريم، كما بلغت شهرته الآفاق ووصلت لكل الدول الاسلامية واختير «قارئ القرآن الأول» في القرن العشرين في عدد من الدول.
وبعد اصابته المرض لم يتوقف المنشاوي وظل يقرأ القرآن حتى توفى – رحمة الله عليه – في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ، الموافق 20 يونيو 1969م.
القريطي .. عطر رمضان
التصق اسم وصوت الشيخ القارئ محمد حسين القريطي (1922م – 1962م) بشهر رمضان منذ أربعينيات القرن الماضي وحتّى الآن، ومنذ اليوم الأوّل لشهر رمضان، يصدح صوت المرحوم القريطي الشجي في أنحاء واسعة من اليمن في لحظات ما قبل الإفطار، عبر مكبّرات الصوت في المساجد، وعبر أثير الإذاعات المحلية والقنوات الفضائية، ورغم وجود المئات من حفّاظ القرآن، إلا أن القريطي ظل يتمتع بمكانة خاصة لدى جمهور واسع من اليمنيين خصوصاً كبار السن الذين ألفوا صوته منذ عقود.
وبمجرّد أن يستمع المواطن اليمني في صنعاء أو في محافظات أخرى عبر أي من وسائل الإعلام أو غيرها إلى تلاوة الشيخ القريطي المميزة يذهب ذهنه مباشرة إلى رمضان، فاليمنيون يعتبرون القريطي عطر رمضان.
ولد الشيخ القريطي وترعرع في صنعاء وتوفي أيضا فيها عن أربعين عاما، وبحسب موسوعة أعلام اليمن فالقريطي “عالم، مقرئ، حافظ، حسن التلاوة، شجي الصوت، التحق بحِلَقِ الدروس في الجامع الكبير في مدينة صنعاء، وتخرج منها على يد شيخه العلامة (حسين بن مبارك الغيثي)- شيخ شيوخ القراء في عصره، وتردد كثيرًا على مكة المكرمة في مواسم الحج، واشتهر فيها، وكان يجتمع إليه بعض الحجاج من مختلف البلدان؛ لسماع تلاوته الجميلة”.
مقرئ الاذاعة الأول
عندما افتتحت إذاعة صنعاء، لأول مرة عام 1366هـ/1947م، كان القريطي مقرئها الأول، واستمر على ذلك حتى توفي في العام 1962 ولا زالت بعض الإذاعات والقنوات الفضائية اليمنية تذيع تلاوته المسجلة.
وقد ظلت إذاعة صنعاء تنفرد بنقل تلاوات قرآنية للمقرئ القريطي قبيل تناول طعام الإفطار بشكل سنوي في رمضان منذ العام 1947م حتى وقت قريب من القرن الحالي، ما جعل من المقرئ وفق إعلاميين لصيقا بإفطار اليمنيين في رمضان.