لأجـل المـال.. ربيــب يقتــل ربتــه


محمد العزيزي –
ضربها بالفأس بمؤخرة رأسها فخرت على الأرض مغشيا عليهاº فنادى صديقه المنتظر خارج المنزل لينجزا المهمة.. سمير البالغ من العمر 21 عاما كان ومنذ صغره يعيش في منزل خالته “نعمة” القريب من منزل والده. نعمة المغدور بها -55 عاما- تزوجت وهي في العشرينيات من عمرها لكنها لم تتفق مع زوجها في إكمال المشوار في الحياة الزوجية ولم تكمل خمس سنوات من تلك الزيجة الفاشلة لتعود إلى منزل والدها وتبدأ حياة جديدة يطغى عليها جانب الاستقلالية والاعتماد على الذات..
استهلت نعمة مشوارها العملي بشراء القات من قريتها وبيعه في سوق المديرية القريب من القرية لم يمر سوى عام واحد لتأسس منزلا مستقلا عن منزل والدها أصبحت تتنافس مع امرأتين وعدد من الرجال في تجارة القات تشتريه من القرية والقرى المجاورة وتبيعه كالعادة في السوق توسع نشاطها إلى شراء واستئجار الأرض في القرية خاصة تلك المزروعة بالقات امتلكت الأبقار والماعز والأغنام تربيتها بمساعدة نساء من القرية بمقابل مادي.
كان سائق الصالون موديل 86 ينتظر نعمة أحد زبائنه الرئيسيين صباح كل يوم وبخاصة خلال موسم الصيف والربيع حين تتزايد طلعات أغصان القات وقطفه كون القات في هذه المنطقة الجبلية يقل إنتاجه خلال الجفاف والشتاء لم يكن هذا نشاطها الوحيد بل أصبحت من تجار المنطقة فقد أسست حانوتاٍ بقالة وخصصت جزءاٍ من منزلها للحانوت القريب من الطريق الرئيس للقرية بمعنى أن الحانوت على شارع رئيسي أخت نعمة جاءت إليها معاتبة أختها من تجاهلها وأولادها لمساعدتها وعدم الاستعانة بأولادها الستة وبناتها الثلاث بدلا من الاستعانة بأبناء القرية قالت لها لا أريد منهم أحدا لأنهم مشاغبون إلا إذا كان الولد سمير فهو أهدأ إخوانه ويسمع الكلام فقالت خذيه ويبقى عندك تأنسين به.
انتقل سمير 8- سنوات- إلى منزل خالته وكان قد أتم الصف الثاني الابتدائي وساعد خالته نعمة في الحانوت وكانت توكل إليه متابعة الأغنام والماعز في بعض الأحيان أكمل سمير الإعدادية والثانوية وهو رفيق خالته في بعض أنشطتها التجارية والزراعية والعملية كان سمير يعتبر خالته بمثابة الأم والأب بالنسبة له وهي أيضا تعده بمثابة الابن الذي لم تنجبه.. فكل أبناء القرية ينادونه ابن الحجة نعمة ولذلك تحمست خالته لأن يتعلم ويأخذ شهادة عليا لا تقف عند البكالوريوس وإنما الدكتوراه فهو ابن الحجة نعمة صاحبة الجاه والصيت سلمت له وهي تودعه مائة ألف ريال مصاريف الجامعة للأشهر الأولى من العام الجامعي.
انتقل سمير ابن الحجة نعمة إلى المدينة تحقيقا لرغبة أمه أو خالته بعض الشباب من أبناء القرية يتمنون أن يكونوا أبناء الحجة نعمة التي وهبها الله نعمة العيش الرغيد.. أما البعض الآخر من الشباب فكانوا يتمنون لو هي أنجبت بناتاٍ لينالوا شرف النسب والصهر أما النساء فيغبطن الحجة نعمة للثراء والمال الذي تمتلكه فيداها وعنقها وصدرها مكسوة بالذهب غير ذلك المكنوز والفلوس والتجارة واحترام الناس لها وإن كان مبنياٍ على مكانتها المالية لا يوجد منزل ولا أسرة إلا وهي مديونة للحجة نعمة أو مقترضة منها.
سمير كان يزور القرية وخالته نهاية كل شهر ويأخذ مصروفه ويعود إلى المدينة لمواصلة الدراسة الجامعية كان يغادر القرية صباح السبت ويحمل معه كمية من القات له ولزملائهº كان يعيش مع زملائه في منزل “عزوبية” شباب لكنه محسود منهم فهو لا يلقي للمال بالاٍ لا يهم ما يسرق عداٍ كباقي الزملاء إن نفد عليه التمويل فهناك من يضخ المال.
سأله زملاؤه عن كفيله ومن يوفر له المال بكل فخر شرح ابن الحجة نعمة مصادر إدرار المال عليه قال لهم إن خالته تساوي عشرة من الرجال ولديها من الثروة الكثير التصق بعض زملائه به لأنه يعتبر بالنسبة لهم الصيد الثمين فهو يصرف عليهم جزءاٍ من المال حتى بدأت صحبة الكأس والانحراف سمير لم يعد يتعاطى القات بل والخمور أيضا وأشياء أخرى أخذته وأصدقاءه إليها وصار مدمناٍ ومولعياٍ نسي كل شيء تربطه بالأخلاق وعادات القرية وصار شخصاٍ آخر منحلاٍ الحجة نعمة شعرت بأن سمير لم يعد سمير ابن القرية ولم تعد الحجة نعمة تستطيع تغطية تكاليف مصروفه الشهري كالعادة ما الذي اختلف.. صارحته أين تذهب بالفلوس¿ تخاطبه: ما أنفقته عليك يمكن أن نعمل به مشروعاٍ تجارياٍ أو معمارياٍ في المدينة!!!!. شددت عليه وهي تعطيه المال بأنه إذا لم يحرص ويقتصد فسوف تمنع عنه المصروف وبشكل نهائي إذا ظل على هذه الحال.. ما هي إلا أيام وهو يتصل بها أنه يحتاج إلى مبلغ كبير ويجب أن ترسل به سريعا رفضت وصرخت عليه مؤكدة له أنها قررت إيقاف التمويل والدعم حتى تتأكد أين تذهب كل الفلوس التي تعطيها له.
بعد تلك المكالمة الهاتفية غاب سمير نحو شهر كامل وهو في حالة فقر مدقع لا يملك ريالاٍ واحداٍ كان يتحبط وكأن قد أصابه المس جاءت مشورة أصدقائه الذين يعلمون ثراء الخالة نعمة بأن يسطو على المال قبل أن يذهب بعيدا عنه وبالذات في حال موتها تشاوروا في الأمر وكان القرار سرقتها وأخذ ما يمكن حمله غادر سمير المدينة برفقة زميله إلى القرية التي لم يصل إليها إلا في تمام الساعة الثامنة مساء فقد مكثوا بعيدا عن القرية حتى دخل الليل وظلامه.. طرق الباب أمه وخالته تفتح له الباب وتخاطبه بلهجة قوية وتقول لقد غيرتك المدينة يا سمير لم تعد سمير قبل عامين!! ماذا جرى لك¿ ساعتان من الحوار والشد والجذب.. رغم كل ذلك قالت له أتريد عشاء¿ قال: نعم.. ذهبت لتحضر له العشاء دقائق وجاءت بالعشاء.. طرحت له سفرة العشاء وعادت إلى المطبخ لتأتي بالشاي وقبل أن تذهب الحجة نعمة لإحضار الشاي باغتها ابن أختها سمير بضربة بالفأس على مؤخرة رأسها فأرداها مغشياٍ عليها على الأرض ساكنة لا تتحرك فتح الباب ونادى صديقه.. أكمل جريمته بمساندة صديقه بذبحها والإجهاز عليها أكمل العشاء هو وصديقه ثم فتشا البيت وزواياه أخذا الذهب وكسرا الشنطة أو الحقيبة الحديدية واستوليا على المال.
لم يكتف سمير بارتكابه هذه الجريمة بل قام بتقطيع القدمين والكف والذراع وكأنة ينفذ حد الحرابة عليها وجمع أعضاء جسد الحجة نعمة في كيس “شوالة” ورمى بها في سائلة القرية مجرى السيول وأقفل المنزل. وغادر سمير وصديقه إلى المدينة سيراٍ على الأقدام متجاوزاٍ القرى والجبال والوديان حتى وصلا الطريق الإسفلت الذي يربط القرية بالمدينة.. وذلك لتنفيذ رغبتهما للاستمتاع بأموال نعمة التي جمعتها طوال حياتها..
زكية 60 عاما تعمل مع نعمة منذ حين في تربية المواشي وتساعدها في أعمال الزراعة جاءت باكرا لكن الباب مغلقا انتظرت.. بعد نصف ساعة جاء سائق الصالون كالعادة للاتجاه نحو السوق لم يجد سوى زكية هناك تنتظر.. أين نعمة¿ لا أحد يجيب.. الساعة السابعة صباحا وليس من عادة نعمة التأخر إلى هذا الوقت الباب مغلق.. أين هي¿ سألوا عنها كل أقربائها.. لا أحد يعلم الأغنام والماعز تصرخ من داخل المنزل فهي من تعلم مصير نعمة قررت أختها -أم المجرم- وأقرباء نعمة كسر الباب وإخراج الماشية والسؤال عنها لعل وعسى أن تظهر.. أخرجت الماشية وإذا بمن دخل البيت يرى الدماء تملأ صالة البيت.. تأكد الجميع أن نعمة جرى لها شيء احتشدت القرية وأبناؤها بحثاٍ عن تاجر القرية وسيدة أعمالها أبلغ شيخ القرية الجميع يبحث.. في تمام الساعة الـ11 صباحا شاهد أحد الشباب الشوالة في السائلة وهو ملطخ بالدماء صاح مناديا شوالة مملوءة بالدماء اكتظ الناس وفتحت الشوالة وإذا بها أشلاء ودماء الحجة نعمة.. الجميع توارى للخلف أحدهم اقترح عدم المساس بها حتى استدعاء الأمن لمعرفة سبب قتلها ومن الفاعل.. اتصل البعض بسمير ليعلمه أن أمه أو خالته قد قتلت إلا أن تلفونه كان مغلقاٍ.. حضر شيخ القرية وجاءت سيارة الأمن لمعاينة الجثة وبدأ التحقيق حول مقتل السيدة نعمة.. الجميع شهد بأن المجني عليها ليس لها أعداء فهي محبوبة لدى الجميع.. سأل رجال الأمن من يتردد عليها.. كانت الإجابة أقاربها ومن يساعدها من النساء وسائق السيارة وأن لها ابن أخت يدرس في الجامعة.. جمع الأمن المعلومات لكنه لم يصل إلى شيء حقق مع من يشتبه بهم إلا سمير الذي علم بعد يومين أن نعمة قتلت من أحد أصدقائه في القرية أغلق سمير تلفونه ولم يأت ليعزي والدته وأقرباءها الأمن هو الآخر يبحث عن سمير ويتصل به وتلفونه مغلق.. ما الأمر الكل يتساءل أين سمير بمن فيهم أم سمير¿ دارت الشكوك حول سمير.. الجميع يبحث عن سمير أهله وكذلك الأمن يبحث.. دلت المعلومات للأرض عن مسكن سمير لكنه غير موجود فهو يعيش هذه الأيام في أحد فنادق المدينة برفقة صديقه وشلت الأنس.. ذهب سمير بعد أسبوعين من ارتكابه الجريمة إلى أحد محلات الذهب لبيع أحد “شوالي “خلخال الذي ثمنه الصائغ بـ90 ألف ريال.. باع الخلخال وانصرف إلى سكنه ليأخذ بعضا من الملابس ليقع في تلك اللحظة في قبضة الأمن الذي كان يترصده ويبحث عنه.. وفور وصول سمير إلى غرفة الأمن اعترف بكل شيء وبكل التفاصيل وما يزال سمير إلى اليوم يقبع في السجن ويحضر جلسات المحكمة ينتظر شرع الله فيه.

قد يعجبك ايضا