مباراة رمضانية على ضوء القمر

محمد العزيزي

 

 

عشق كرة القدم غير عن كل الألعاب الأخرى، هذا العشق شاهدته في ليلة مقمرة ذات ضوء ساطع كسطوع الشمس ولا أزال أتذكرها وكأنها اللحظة.
في منتصف شهر رمضان من العام 1992م وكان يوم جمعة وكنت في ذلك الوقت في الصف الثاني الثانوي عاد مغترب في السعودية من أبناء المنطقة إلى القرية وكان من عشاق كرة القدم وبجنون وقد طالب من شباب القرية بعد خروج المصلين من صلاة الجمعة بضرورة إقامة مباراة كرة قدم بين قرية الجبانة والقرية العليا بقريتي «تبيشعة» بجبل حبشي تعز واتفق الشباب على الموعد وكان يتوعد ويتحدى بأنه سيسحق أي فريق يقابله.
في تمام الساعة التاسعة ليلا بدأت المباراة على الملعب الترابي بالقرية العليا والقمر وسط السماء والضوء ساطع تستطيع أن ترى الأبرة في تراب ذلك الملعب وكأن الشمس في عز الظهر، سبحان الله وتلك الليلة المباركة.
تجمع الناس في أطراف الملعب والأصوات تتعالى من قبل المشجعين، كنت في تلك المباراة في الدفاع وكان اللاعب المهاجم قد خطفت عليه الكرة قبل أن يسدد الكرة وارتطمت قدمه بقدمي وتسبب بكسر اصبع رجلي اليمنى وخرجت فورا إلى «المجبر» لإصلاح اصبعي التي لم تعد مني، بصراحة لاعب خشن ورجله كالجرافة في اللعب وكل اللاعبين يرتفعون متراً عند مواجهته خوفا من خشونته، وما يزال أثر ذلك الكسر شاهداً على تلك المباراة حتى اليوم.
المهم أن ذلك الرجل المغترب رحمة الله عليه – المنظم للدوري وأحد مشجعي الاتحاد السعودي «الاتي» كان مهووساً وعاش كرة قدم بجنون لا أحد يتخيله، وكلما يعود إلى اليمن – أقصد إلى القرية – يقيم الدوري الرمضاني ويشتري عدد كبيراً من «الكرات» ولا تخلو مباراة من المشاكل والاعتراضات والمناكفات الرياضية حتى أنه اشترى كأساً ليسلمه للفريق الفائز ثم يقوم بشرائه منهم بمبلغ من المال ويعيد الدوري من جديد ويمنحه للفريق الفائز وبالذات إذا كان فريقه هو المهزوم وهكذا.
أعتقد أن جيل عشاق كرة القدم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانوا غير عشاق ومحبي كرة القدم في الوقت الحالي، حيث كان حبهم وتعصبهم للأندية واللاعبين الذين يشجعونهم يفوق أقرانهم في الوقت الحالي بعشرات الأضعاف رغم فقر المعلومة والوسائل التي تتيح لهم متابعة منتخباتهم وأنديتهم واللاعبين الذين يشجعونهم، كما هو متاح اليوم من تدفق المعلومات حتى على مستوى أبسط الأخطاء والكروت ونسبة الاستحواذ وعدد الأهداف والمشاركات…إلخ.
تخيلوا أن هذا الرجل – رحمه الله – كان يسافر من دولة إلى أخرى من أجل مشاهدة المباراة ويشجع فرقاً كان يعشقها ويتابعها في حلها وترحالها ويجمع المال في الغربة ليوفر قيمة التذاكر والمصاريف ليستمتع بمتابعة كرة القدم ويظل يشرح طريقة تسجيل الهدف من اللاعب الفلاني بطريقة مشوقة وجذابة ويجعلك تتخيل لحظة تسجيل الهدف وحلاوته وطريقة تسديده، ولذلك نقول عشاق كرة القدم غييييير.

قد يعجبك ايضا