إدارة الالتزام في الأجهزة الحكومية

أحمد ماجد الجمال

 

 

تحتاج الأجهزة الحكومية المرتبطة بخدمة الناس إلى اختيار الطرق الآمنة لصناعة القرارات النوعية وتنفيذها؛ لأن مهارات حل المشكلات من المهارات الضرورية، ومعظم المشكلات قد تكون في بيئة العمل باعتبار أن كسب الرهان بهدف حل المشكلات ووضع المعالجات كعملية تحديد القرار والاختيار بين الحلول الممكنة للمشكلة, فالمشكلات التي تحل باستخدام الطرق الجديدة، هي ذات المشكلات التي فشلت في حلها الطرق القديمة هو ما يجب أن تنصهر فيه كل الاستراتيجيات والسياسات المتممة للمنجز الإداري الذي لا يمكن إلا أن يكون نتيجة حالة مستمرة من الانتباه.
لا شك في أن هاجس التنمية ليس أمراً جديداً على البلدان والمجتمعات بشكل عام. ففي أي دولة في العالم يدور الحديث دوما أثناء التطوير والتغيير عن الإدارة العميقة وكيف تلعب دورا محوريا من خلال الموظفين والرؤساء البيروقراطيين في عدم إكتساب المرونة من جانب وصعوبة التحقق من التنفيذ الصحيح وقلة الشفافية, فمثلا التعامل البيروقراطي يؤدي في الغالب إلى إثارة الجدل المعتاد بين مدافع وعكسه فالبيروقراطية كمنهج إداري تركز على التنظيم والتسلسل التنظيمي لكن هناك من يرى أن هذا الأسلوب هو الذي أضعف قدرات الأجهزة على التعامل والتنفيذ والمرونة وتحمل المسؤولية الاجتماعية ويقترن بانخفاض الكفاءة وزيادة التكلفة والفساد وإعاقة نمو القطاع الخاص لأجل ذلك فإن الإدارة في ظلها على الرف بما تتخم به من كثرة القيود المصطنعة وابتداع أساليب لم يخطر على بال علماء وخبراء الإدارة، بل تم ابتداعها وأكثرها جاء من خارجها في زيادة وضع التحديات أمام خطط التطوير والتغيير الإيجابي ,وربما تظهر الكثير من المعوقات والعراقيل التي في ظاهرها المصلحة العامة ولكنها في الحقيقة تجنّب الالتزام مما قد يزيد الأعباء والمسؤوليات الوظيفية على القائمين عليها والتي تتماهى مع عدم إدراك الأهمية النسبية للتعامل مع الحاضر وبناء الثقة المهنية للوظيفة العامة أمام المجتمع والأجهزة الرقابية للمستقبل.
ولأن الإدارة فن يمارسه الكثيرون ويتقنه القليل لتوجيه الأنشطة وتنفيذها من خلال الآخرين بالاستخدام الأفضل للموارد المتاحة مع التركيز على الفعالية والكفاءة على حد سواء فهي في الأساس احتراف لنشاط إنساني هادف وعملية مستمرة ومرنة التي تعني “الخطط للوصول إلى الأهداف وليس في تجاوز الأنظمة واللوائح “وديناميكية واجتماعية وعملية دائرية لمفهوم العمل بروح الفريق الواحد، ومن هنا تظهر وتكمن الإشكالية في أزمة الإدارة وليس المال أو الكادر أو الموارد فلو كانت الإدارة جيدة وتعمل بضوابط وقياس للنتائج أولا بأول وأكثر فأكثر على الأصعدة كافة لكانت النتائج مساوية لها.
إذن ما الجديد, حالياً هو ربط التنمية الشاملة بالالتزام ليعمم على كافة المجالات الذي يعني الوفاء أو تلبية معايير محددة وأولها البنكية والتجارية فمثلا الالتزام البنكي يعني تطبيق أحكام القوانين والأنظمة والتعليمات التي يصدرها البنك المركزي والالتزام بالعمل السليم وأخلاقيات العمل والتحقق من مدى الالتزام وبذلك تسعى البنوك إلى تعزيز ودعم الممارسات السليمة للرقابة الفعالة من خلال اتباع سياسات وإجراءات الالتزام بتنفيذ كافة القوانين واللوائح والتشريعات والتأكد من عدم وجود حالات غش وتلاعب أو تحايل أو بعض المخالفات القانونية التي يكون لها تأثير جوهري تتمثل بالمخالفات التي يرتكبها البنك من خلال قيامه بأنشطته التجارية المصرح له بمزاولتها لكن دون أن يراعي المتطلبات القانونية والتنظيمية التي تحكم النشاط البنكي والتي لها صفة الإلزام القانوني للبنك .
وبالتالي تقييم أية أعمال أمر مطلوب ومهم، ويسهم في التطوير وتجاوز السلبيات، بشرط أن يقدم آراء صحيحة ومنطقية وخالية من الإساءة، وأن يكون هدفه الصالح العام بعيداً عن تصيّد الأخطاء وتضخيمها، وتجاوز الإيجابيات أو التقليل من شأنها، أو توجيه الاتهامات بلا دليل ولا حجة، وبعيداً عن المنطق.
لذلك من هنا يأتي الهدف من وجود إدارة الالتزام الذي هو في الأساس وظيفة إشرافية ورقابية ترتبط بالإجراءات التنظيمية الصادرة لأن الالتزام واجب يستلزم القيام به والمداومة عليه للأمانة العملية والمهنية في كل أجهزة الدولة كضمان التنفيذ الجيد من قبل القائمين عليها للأنظمة واللوائح والتعليمات الصادرة من الجهات الحكومية وتحديث ما أصابها من تقادم ولضمان عدم وجود أي تجاوزات .
وعند النظر حاليا إلى الإدارة في القطاع الحكومي نجد أنه لا يوجد بينهما عمل موحد أو متشابه في جميع القطاعات الحكومية لعدة تحديات تواجهها، أهمها تتمثل في حجم وعدد الأنظمة واللوائح الكبيرة القائمة أو التي تجدد أو تصدر بسبب التغيرات الحاصلة في البيئة التشريعية والعملية مما يصعب حصرها بفترة زمنية قصيرة كما أن عدم التنسيق والتواصل والترابط داخل أو بين تلك الأجهزة أوجدت صعوبة في التعرف على التعاميم السابقة وعيوبها أو القصور الذي تعاني منه والتغيرات التي تم بها أو حصرها وصعوبة تحليل وتحديد اللوائح والمواد التي تنطبق على كل جهة على حدة والرابط والتنسيق بينهما لأن بناء نموذج عملي وتنفيذي لإدارة الالتزام لأي جهة حكومية وخاصة في البدايات من تشغيلها أو تفعيلها أو إنشائها سيكون نقلة تطويرية غير مسبوقة لكن بمعايير يجب توفرها على سبيل المثال :
– كفاءة أداء وديناميكية العاملين وتفانيهم وتعدد الخبرة والتخصص، ويتمحور هذا حول كيفية إضافة قيمة فعلية ، وزيادة الثقة مع أفراد المجتمع وفيما بين جميع الوحدات الحكومية ووضوح الواجبات والالتزامات
– هرميّة المعلومات الشاملة حول استراتيجية الجهة حيث أن عمليات المعلومات لا بد أن تكون وافية وصحيحة، ومصادر المعلومات من داخل الوحدة وخارجها ومن مصادر ذات ثقة والقرارات تكون مدعمة بالمعرفة والخبرة ومبنية على دراسات ومعلومات
لذلك فإن إدارات الالتزام في القطاع الخاص وخاصة الاستثماري أو البنكي والذي يعتبر إلى حد كبير ناضجا بحكم وجود مشرعين ومن أهمها البنك المركزي عبر قطاع مختص “الرقابة على البنوك وشركات ومحلات الصرافة “والذي يلعب دورا مهما في تنظيم القطاع البنكي وإصدار الكثير من اللوائح والأنظمة والتعاميم والقرارات والأوامر الإدارية وتفعيل إدارة الالتزام بالشكل الصحيح داخل المنظومة البنكية للتأكد من أن أعمالها تتم وفق الأنظمة واللوائح.
ويمكننا أن نقول من هذا المنطلق حاليا في الأجهزة الحكومية تقوم الإدارة القانونية والمراجعة الداخلية والرقابية بما يشابه أو يقارب عمل إدارة الالتزام لكن بشكل ضعيف وغالبا هامشي لذا من الأهمية بمكان بناء أو إنشاء إدارة الالتزام في الأجهزة الحكومية أو تفعيل وتجديد أداء الإدارتين القانونية والرقابية داخل كل وحدة حكومية لتمكينها من متابعة الالتزام بما يتناسب مع الأنظمة واللوائح والإرشادات والتعاميم والقرارات لأنها الدعامة الرئيسية في ضبط وتيسير أعمال أي وحدة فيمكن أن تكون أداة فعالة في تحقيق أهداف الجهة ورفع مستوى أدائها ومن التوعية بالإجراءات الإدارية للقوانين والأنظمة والإجراءات لتصبح عاملا مساعدا في التنمية الاقتصادية والإدارية, لنشهد بعدها نقلة نوعية وتطورا للقادم بحيث تكون أكثر نضجا وكفاءة في تطبيق نموذج يُحتذى به في معايير الالتزام لأن وجودها في الأجهزة الحكومية يعني تفعيل وتطبيق الأنظمة والتشريعات بشكل مهني وفني وعملي تام و سليم وعادل تدفع الجهة بأن تعمل بتناغم في تطبيق الأنظمة واللوائح بدون وجود تفاوت أو تداخل أو تخبط وخاصة أن تطبيق معايير الالتزام في القطاع الحكومي مختلف عن القطاع الخاص كون الأجهزة الحكومية هي في الأصل تلعب دورا رقابياً وبالتالي هي جهات رقابية وبنفس الوقت عليها التزامات من جهات رقابية أخرى وهذا يتماشى مع مفهوم الالتزام لأنها تشمل مستويين الأول القواعد والأنظمة الخارجية التي تفرضها الجهات الرقابية والإشرافية والمستوى الثاني هو الالتزام للأنظمة الداخلية للمراقبة والإشراف من قبل الإدارات المعنية في الجهة نفسها لتحقيق الالتزام للقواعد المفروضة أيضا للتأكد من مهارات العناية والحرص فهي تخص جميع موظفي الجهة والتي متى ما كانت متوفرة لديهم كانوا عاملا مساعدا لقواعد الالتزام، لتجعل بيئة العمل جاذبة، بل ومحفزة، تدفع بفرق العمل وجميع العاملين إلى حيث المنافسة والقيمة المضافة وهي مرحلة إذا تم الوصول إليها يعني أن الإدارة أو الوحدة الحكومية المرتبطة بخدمة الناس أصبحت جزءاً من كيان المجتمع.
باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا