في مقابلة السيد القائد مع صحيفة الأخبار اللبنانية – مارس 2018 تحدث عن روسيا قائلا: للروسي حساباته واهتماماته وسياساته ولسنا مراهنين عليه ولا معولين عليه، ولعلّه يدرك في يوم من الأيام أن تجاهله للعدوان على اليمن ومساندته لقوى العدوان وتسليمَه أموال الشعب اليمني إلى المرتزقة لم يكن موقفاً لصالحه، ولعل نيران الأميركي توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي الذي امتد إلى الصيف وكنا نتمنى من الروسي في الحد الأدنى التزام الحياد.
بداية أكد السيد عبدالملك أن الرهان على غير الله ليس من شيمنا، ثم أشار إلى خيبة أمله من الموقف الروسي الذي أضر بالعملة والاقتصاد اليمني معتبرا أن ذلك الموقف ليس في صالح روسيا! وسبحان الله أولُ الأضرار التي تعرضت لها روسيا في حربها مع أوكرانيا 2022 كان انهيارَ سعر «الروبل» عملتها الوطنية وإغلاقَ سوق الأسهم المالية في موسكو!
ثم استشرف السيد أن السياسة الأمريكية لا بد أن توقظ الدب الروسي وتدفعه باتجاه مختلف يغير المعادلات العسكرية والسياسية في العالم، ملمحا بذلك لقاعدة أساسية في سياستنا الخارجية، هي إننا لا نُعادي أية قوة عالمية لمجرد الاختلاف معها في الدين أو الثقافة، فعداؤنا للأمريكي والإسرائيلي إنما هو بسبب إصرارهما على العدوان علينا واستباحة حقوقنا ومقدساتنا.
كما أخبر السيد … ظلت السياسة الأمريكية تستهدف روسيا عبر حلف الناتو حتى وصلت إلى عتبة بابها مخترقة محيطها الجيوسياسي ليدق قيصر الكرملين ناقوس الخطر الاستراتيجي ويلجأ لخيار الحرب والمواجهة بحيث أصبح هذا هو الخيار الأقل كلفة بالنسبة له،
فحلف الناتو يقضم الدويلات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي حتى تماسّ مع الحدود الروسية غربا واقترب لمسافة لا تزيد عن 900 كيلو متر من عاصمتها موسكو، فقواته اليوم تتمركز في لاتفيا وليتوانيا واستونيا وتتوسط بين الأراضي الروسية!
وقد قالها بوتين في ديسمبر 2021 في مؤتمر صحفي موضحا الخطر الذي يشعر به الروس في لهجة تحذير “ *تُرى كيف سيكون رد فعل أمريكا لو نصبت روسيا صواريخها في كندا والمكسيك قرب الحدود الأمريكية؟* ” في إشارة إلى الكيفية التي تصرفت بها أمريكا مع أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات وكادت تشعل حربا نووية شاملة عندما استشعرت وجود خطر استراتيجي قرب شواطئها.
الحرب الروسية الأوكرانية بدأت عمليا عام 2014 منذ الانقلاب الأمريكي الأبيض في أوكرانيا وتوجه المنقلبين للانضمام للناتو، في ذلك الوقت كان الرد الروسي حاسما لكنه كان محدودا لأن أمريكا في حينه كانت أقوى مما هي عليه في 2022.
الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في حالة انحسار:
1 – تعاني انقساما داخليا حادا واحتقانا سياسيا خطيرا يطرح أسئلة جادة حول قيم الليبرالية ونزاهة الانتخابات التي تُتهم روسيا باختراقها.
2 – أمريكا تعرضت لنكسات عسكرية في سوريا واليمن والعراق وإيران وأفغانستان وخسرت قدرا كبيرا من هيبتها العسكرية.
3 – جاء كوفيد ليصيب الدولار بأضرار اقتصادية عميقة ومزمنة.
لذا عندما قرر الروسي في 2022 البدء بعملية دونباس داخل أوكرانيا كان رد الفعل الأمريكي – الغربي خجولا لا يليق بأن يُراهن عليه أحد حتى انه أثار امتعاض الرئيس زيلينسكي في أكثر من مناسبة.
عقوبات اقتصادية أضرت بالعالم أجمع ورفعت أسعار منتجات أساسية كالقمح والنفط والغاز
عقوبات رياضية أكدت العجز وكذب شعار “ *لا ينبغي إقحام السياسة في الرياضة* ”
مضايقات لمواطنين روس بينت العقلية العنصرية التي يفكر بها الغرب،
عقوبات ضد قطط روسيا،
هذا الرد الغربي العاجز أصاب جميع من راهنوا عليه بالهلع.
الباحثة الإسرائيلية كسانيا سفتلوفا وصفت هذا الهلع قائلة “ *كل الأصدقاء الجدد لنا في دول الخليج هم في حالة هلع عندما يشاهدون الغزو الروسي لأوكرانيا. انهم يفهمون ان الولايات المتحدة لن تنقذهم أيضا* ”
ألمانيا ولأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تعلن عن تغيير واسع في سياستها العسكرية ويصرح مستشارُها شولتز قائلا “ *علينا أن نستثمر أكثر في توفير الأمن لبلادنا ولحماية حريتنا وديمقراطيتنا* ” وتعهد بأن يصل حجم الإنفاق العسكري إلى ما نسبته 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا!
فإذا كانت هذه الحرب هامة لأمريكا وحلفائها فإنها مصيرية بالنسبة لروسيا، فبعد ثلاثة أيام فقط من بدايتها هددت صراحة باستخدام السلاح النووي، وهي بين أحد احتمالين، إما أن تحسم الأمور سريعا أو أن تسقط في مستنقع الاستنزاف:
1 – إذا ما استطاعت روسيا فرض إرادتها سريعا وكسرت إرادة الأمريكي فإن قواعد اللعبة في العالم ستتغير، الصين هي المرشح الأبرز للتحرك بشأن تايوان، وربما يتجرأ كيم محتميا بسلاحه النووي لتوحيد شبه الجزيرة الكورية، أما دول الخليج فعليها أن تبحث عن قوة أخرى توفر لها الحماية والأمن فإسرائيل لن تحميها وهي التي فشلت في ضمان أمنها أمام تنظيمات إسلامية محدودة كحزب الله والجهاد وحماس.
2 – إذا طالت الحرب وشعرت روسيا بأنها وقعت في فخ الاستنزاف وقبل أن تلجأ لجنون النووي الذي تهدد به، ما زال بإمكانها إيلام الأمريكي في ملفات عديدة في العالم، في فنزويلا – في كوريا – في إيران – في اليمن، لكن اليمن هي الخيار الأنجع للتدخل الروسي، فموقع باب المندب حساس جدا سيما لمن يريد التحكم بأسعار النفط والغاز، وحرب اليمن لا تحتاج إلى إشعال فهي مشتعلة والوضع الستاتيكي فيها قد يتغير بسلاح نوعي واحد يصل إلى يد الحوثيين، ولعل هذا ما ألمح إليه الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف في مقاله بعنوان “العلماء الحوثيون اليمنيون على وشك تحقيق اختراق في تكنولوجيا الصواريخ”.
الخوف الأمريكي الإسرائيلي الخليجي من احتمال أي تعاون عسكري بين روسيا وأنصار الله كبير لأنه قد يقلب الموازين تماما، فموقع اليمن كما أسلفنا حساس وشعب اليمن ذو بأس شديد واحتياجاته قليلة ويتوق للانفجار، وإذا ما اقتنع الأمريكي والخليجي أن احتمال تعاون عسكري بين روسيا وأنصار الله جاد فسيُبادرون لإيقاف الحرب والحصار وترتيب الوضع لحل يُنهي حرب اليمن للخروج بأقل الخسائر الممكنة،
لذا وافقت روسيا على قرار مجلس الأمن رقم 2624 بعد أربعة أيام فقط على بدئها عملية دونباس والمفاجأة أن هذا القرار يحظر بيع الأسلحة للحوثيين! وقد فسر دبلوماسيون تصويت روسيا لصالح هذا القرار الذي لم توافق على مثله خلال سبع سنوات على أنه ثمرة اتفاق.
لكن هذا الاتفاق قد لا يُناسب روسيا إذا ما اتضح لها انه قد تم توريطها بحرب استنزاف في أوكرانيا.
لذا لا أستغرب أن تُبذل النصائح لتخويف أنصار الله من «انتهازية» روسيا وتذكرهم بمساوئها وتفريطها بالقضايا العربية والإسلامية!
فمن المهم للعدو أن يبقى أنصار الله في عُزلة دولية ومحلية،
ومن المهم للعدو تكريس أنصار الله كحركة متطرفة ضيقة الأفق تستوحش من كل من يختلف عنها وتنظر للعالمين من زاوية نقاط الاختلاف لا نقاط التلاقي والوفاق،
ومن المهم للعدو أن لا يستفيد أنصارُ الله من أي متغير دولي أو إقليمي يتحول به صمودُهم العسكري الأسطوري إلى نتيجة سياسية ملموسة.
ومن المهم للعدو أن تظل أمريكا في عقول الناس إلها يسيطر على كل شيء ويحسب حساب كل شيء لا يتحداه إلا غبي مصيره هو الفشل والخسران!
لقد استنفر زيلينسكي صهاينة العالم لدعمه وقد فعلوا،
قنوات – بيانات – مقالات – مساعدات،
هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بدماء شعب اليمن وفلسطين وسوريا والعراق وليبيا يبكون اليوم على أوكرانيا!
لكن أن تصل الجرأة بأحدهم أن يستحمرنا ويحاول إقناعنا بأننا مخطئون حين لا نتعاطف مع صهيوني صريح وحين لا نُعادي عدوَ عدونا الذي يفتك بنا منذ ثمان سنوات قصفا وحصارا ودمارا، ولا يوجد أي مؤشر على أنه ينوي إيقاف عدوانه ورفع حصاره والسماح لحلفائه بحل سياسي يُنهي معاناة شعب اليمن!
هذا والله المستعان هو نعم المولى ونعم النصير…
“وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ”
“وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”