محاصرة اليمن لها أثمان باهظة لتتعظ الإدارة الأمريكية قبل غيرها!
افتتاحية الثورة
عندما شدد تحالف العدوان الحصار على المنافذ البحرية والجوية والبرية وقام بإغلاقها بشكل كلي، كانت الإدارة الأمريكية تتوهم بأن لجوءها لهذه الجريمة سيحقق ما عجزت عنه حرب تحالف العدوان على اليمن العسكرية التي استُخدمت فيها قنابل وصواريخ وقذائف وأسلحة محرمة وفتاكة أمريكية الصنع، فعمدت الإدارة الأمريكية إلى إدارة هذا الشكل الإجرامي من الحرب على الشعب اليمني التي لم يسبق استخدامها بهذا الشكل في كل حروب البشرية.
الحقائق الماثلة من الحصار الأمريكي على الشعب اليمني بأن الإدارة الأمريكية عندما تفشل بحروبها العسكرية في تحقيق أجنداتها ، وتعجز في إخضاع الشعوب بالتدمير والقتل باستخدام الأسلحة الفتاكة والمدمرة والمحرمة دوليا ، تنتقل إلى استخدام أدوات إجرامها الأفظع ، الإفقار والتجويع الشامل ، بالحرب على مرتكزات المعائش ، وبالاستهداف لسبل الحياة العامة وبالحرب على الأقوات الضرورية ، وبالتنكيل بالحياة البشرية من خلال حرمان البشر من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الوقود ، ومن خلال تدمير مرتكزات الاقتصاد الأساسية كالعملات النقدية ، ولا تسعى من خلال ذلك إلى الانتصار فحسب ، بل وإحداث مذبحة جماعية وشاملة في صفوف الملايين من الناس الذين لم يخنعوا ويستسلموا أمام آلاتها العسكرية ، وكذا كان الحال الأميركي – في غير مكان من العالم مع ترويج وإشهار عناوين الدفاع عن حقوق الإنسان، والمساعدات الإنسانية، وتحقيق السلام ، ودعوات التهدئة وغيرها من العناوين والمصطلحات الخداعة البراقة.
فما استخدمته أمريكا في العراق الذي ظل محاصراً لعشر سنوات قبل الغزو والاحتلال الأمريكي ، وما فعلته بأفغانستان حينما ذهبت مؤخراً لمصادرة أرصدته في البنوك الأمريكية والتي تصل إلى حوالي عشرة مليارات دولار ، وما فعلته في سوريا حين فشلت في الحرب عليها وفرضت عقوبات تحت مسمى قانون قيصر ، وما فعلته بإيران من حصار وعقوبات مميتة حين فشلت في كسر إرادة الإيرانيين ، وغيرها تستنسخه في تشديد الحصار على اليمن التي باتت أهداف ذلك واضحة وبينة بعد الفشل والانتكاسات الأمريكية السعودية البريطانية الإماراتية في الحرب العسكرية.
حين أعلن الحلف الإجرامي إياه شن الحرب العدوانية على اليمن من واشنطن في مارس 2015 ، أطلق عبر قرار 2216 – الذي أصدره الحلف نفسه من مجلس الأمن- حرب التجويع والإفقار من خلال فرض طوق عسكري على اليمن وإغلاق منافذه البحرية والبرية والجوية ، بدعوى منع وصول السلاح إلى اليمنيين ، في الوقت نفسه ذهبت أمريكا والدول الأوروبية لشحن آلاف السفن والناقلات وطائرات الشحن بالأسلحة والذخائر المحرمة والفتاكة إلى السعودية والإمارات ، وما زالت تفعل إلى اللحظة ، ما يسقط الادعاء الذرائعي ويكشف الجريمة مجرد من أي مبررات أو ذرائع.
محاصرة اليمن بدأ منذ اللحظة الأولى للحرب عليها ، لكنه بلغ مستواه الفاحش وذروته غير المسبوقة حينما صعد بايدن إلى رئاسة البيت الأبيض وتعهد بوقف الحرب وتحقيق السلام في اليمن خلال أشهر، حد زعمه ، وعلى خلاف العناوين والتعهدات فقد أُغلق ميناء الحديدة بشكل كامل ، وأوقفت كل الرحلات الجوية ، وبدت الإدارة الأمريكية مستنفرة بكل الأشكال في تشديد الحصار ، وبدت وهي تمعن في التنكيل باليمنيين وتقطيع سبل حياتهم وقطع حتى الأوكسجين – لو استطاعت أميركا لقطعته عن اليمنيين كافة -عصابة إرهاب وبلطجة منظمة ، إصدار مجلس الامن قراره الأخير تلبية لرغبات المجرمين والقتلة والمعتدين على اليمن وقاحة مشهودة على مرأى ومسمع البشرية كلها ، ذلك في خطوة أثبت مجلس الأمن بها مجددا تبعيته لأمريكا وبريطانيا وعتاولة الإجرام في العالم ، وأكد أنه بات عبارة عن طاولة للمجرمين والقتلة والبغاة يتخذون من خلالها قرارات ويشنون حروبا ويقتلون شعوبا ويدمرون بلدانا بأكملها ، فضلا عن تثبيت حقيقة أن المنظومة الدولية قد اعتراها الخلل ولم يعد لوجودها اعتبار إلا في أنها تبرر حروب المجرمين وجرائمهم وتغطي عليها وتمنحها الشعارات والعناوين لا أقل ولا أكثر.
لم تذهب أمريكا لتشديد الحصار على اليمنيين بهذا المستوى سوى أنها شعرت ومن معها في حلف العدوان والبغي بمرارة الهزيمة، وسوى أنها حضرت بالأصالة بنفسها بعد فشل وكلائها وانهزامهم ، وأظهرت وجهها العنصري الإجرامي وهي تستكمل فصول حرب الإبادة على اليمنيين بنفسها وذاتها من بعد اندحار مُرتزقتها وتَكسّر أذرعها الارتزاقية في المنطقة من سعوديين وإماراتيين ومشتقاتهم من العملاء والمأجورين المحليين والأجانب ، وهذا بالتأكيد يعني من جملة ما يعنيه أن أمريكا فتحت مرحلة جديدة من العدوان والمواجهة ربما هي الأشد خطرا لا على اليمن فحسب ، بل وعلى المنطقة والعالم ، ذلك أن الشعب اليمني لن يكتفي بالمشاهدة لهذا الصلف والطغيان الأمريكي ويستسلم لأهدافه ، بل سيذهب مع قيادته الحرة إلى اتخاذ أقسى الخيارات وأقصى التصعيد في المواجهة ، واليوم تحديدا فإن ضرب منابع النفط وحقوله في السعودية ، وتدمير منشآت الضخ والإنتاج وإخراجها عن العمل سيجعل الأمريكيين أولا ، والأوربيين ثانيا ، والعالم المتآمر على اليمن ثالثا ، والسعودية رابعا ، إدراك حجم الضرر الذي ألحقوه بهذا الشعب الصابر المحاصر المعتدى عليه ، وإدراك حجم الجريمة التي ارتكبوها بحق الملايين من البشر الذين لهم الحق في الحياة والحق في العيش والحق في الاستقلال والحق في السيادة والحق في الدفاع عن أنفسهم ، وإدراك أن المعادلة اليوم هي إما أن يعيش الجميع أو لا حياة لأحد.
لا ينبغي لدول العدوان وعلى رأسها أمريكا أن تقلل من سخط الشعب اليمني وخروجه الجماهيري في المظاهرات الغاضبة يوم أمس الأول في كل المحافظات وبتلك الأعداد الكبيرة رغم الحصار وأزمة المشتقات النفطية ، وما يتوجب على مملكة العدوان السعودية ومن ورائها الإدارة الأمريكية هو رفع الحصار وإطلاق السفن المحتجزة والكف عن محاصرة الشعب اليمني ، فإذا كان الحصار وسياسات التجويع والخنق والحرب على الحياة تنطوي على محاولة أمريكا إخضاع وإركاع الشعب اليمني وحمله على قبول شروطها وأجنداتها السياسية والعسكرية ، فستكتشف وفي هذا الظرف الذي تعيش فيه أمريكا والقارة الأوروبية أزمة ارتفاع أسعار الوقود جراء الحرب الأوكرانية أن حساباتها في تشديد الحصار على الشعب اليمني خاطئة، وأنّ تقديراتها للموقف استغراق للخطأ الذي سيترتب عليه ما لا يمكنها احتواءه ، وعليها أن تفكر في التداعيات التي ستحدث حينما تتوقف مضخات إنتاج النفط في السعودية ، ويتوقف خمسين في المائة من ضخ النفط السعودي وتأثيرات ذلك على أمريكا تحديدا التي بدأت تستنزف احتياطاتها الاستراتيجية.
كان غضب الجماهير الشعبية التي انتفضت في كل المحافظات أمس الاول مصوباً باتجاه أمريكا وبنادقها موجهة نحو منشآت النفط في مملكة العدوان السعودية ، إن منع سفن إمدادات الوقود من بلوغ الشعب اليمني الذي يبلغ تعداده أكثر من ثلاثين مليونا جريمة تخول الرد بضرب إمدادات الوقود التي تتجه نحو أمريكا والقارة العجوز ، ومن لا يجد سبيلا للبقاء على قيد الحياة إلا بجعل حياة المجرم والجلاد والمعتدي جحيماً لن يتردد في ذلك ، إن شعباً لم تخضعه كل فصول الحروب وصنوف التجويع والتضييق والمعاناة وصنع انتصاراته بعون الله ، لن يَقبل بأقل من أن تحفزه تحديات اللحظة المستجدة ليصنع أمجادا أخرى وبعون الله وقوته..وصدق الله القائل “إِنَّ للَّهَ هُوَ لرَّزَّاقُ ذُو لْقُوَّةِ لْمَتِينُ”.
بقلم :رئيس التحرير