مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن
تقرير /
بعد القرار الصادم لمجلس الأمن وإعلانه بأن الحالة السياسية والأمنية في اليمن تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وتصرفه بموجب الفصل السابع، بدأ مجلس الأمن يسرد قرارات وتصرفات وإجراءات تحت الفصل السابع ناقض بعضها بعضاً.
في الفقرة رقم (1) من القرار أكد المجلس – تحت الفصل السابع- الحاجة إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل بما يتماشى مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وتطلعات الشعب، وهذا إقرار جديد بأن الحالة في اليمن داخلية وسياسية وأن هدفها تحقيق تطلعات الشعب لكنه أصر على التدخل في الشؤون الداخلية السياسية لليمن وأعطى لنفسه الحق في تحديد خطوات معينة لتحقيق الانتقال السياسي وفرضها على الشعب وذلك في الفقرة رقم (2) حيث حدد المجلس آلية من خمس خطوات تعلقت الثلاث الأولى منها بالتشريع وهي الخاصة بصياغة دستور جديد وصياغة قانون انتخابي واستفتاء على مشروع الدستور.
أما الخطوة الرابعة فقد كشف عنها بشكل جريء وهي “(د) وإصلاح بنية الدولة لإعداد اليمن للانتقال من دولة وحدوية إلى دولة اتحادية”، ناقض مجلس الأمن في هذه الخطوة هدفه المعلن والحق الأصيل لليمن بالحفاظ على سيادته من خلال تدخله في عمق الشؤون الداخلية اليمنية وإملائه على الشعب اليمني إجراءات تنازعه في حقه بتقرير مصيره بنفسه بدون تدخل، وخالف بشكل سافر المادة (1) من إعلان وقرار الأمم المتحدة رقم (36/103) المؤرخ في 9 ديسمبر 1981 القاضي بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول(1)، وكذلك مخالفته للمادة (2) الفقرة (ثانياً/ج) التي تنص على: “الامتناع عن التدخل المسلح أو التخريب أو الاحتلال العسكري أو أي شكل آخر من أشكال التدخل”(2)، ليتضح من هذا أن تدخلات مجلس الأمن وإملاءاته بمبرر تنفيذ الفصل السابع باطلة لبطلان حيثياته التي استند إليها والتي ثبت عدم تطابقها مع شروط الميثاق التي قصرت أسباب التدخل على “المحافظة على السلام والأمن الدوليين”، “والحيلولة دون وقوع العدوان أو وقفه”.
وختم مجلس الأمن تلك الخطوات التي أملاها على الشعب بالخطوة الخامسة التي أعطى لنفسه فيها حق تمديد ولاية هادي رغم عدم دستوريتها وانتهائها وفق المبادرة الخليجية بمبرر الانتخابات فنصت الفقرة (هـ) من القرار (2140) على: “وإجراء الانتخابات العامة في الوقت المناسب، على أن تنتهي بعدها ولاية الرئيس هادي الحالية عقب تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد”، وبهذا أعلن مجلس الأمن أخيراً عما حاول إخفاءه منذ عام 2011 بأنه يريد فرض الوصاية على اليمن عبر المبادرة الخليجية وعبر دستور جديد يفرضه رغما عن الشعب ـ كما فعل لإيصال هادي للرئاسة عبر مسرحية انتخابات بمرشح واحدـ تمهيداً لتقسيم البلد إلى أقاليم متعددة وهو الهدف الذي فشل هادي في فرضه خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل(3)، وقد أصر المجلس بهذه الفقرة على إبقاء هادي ليس كممثل للشعب وإنما للمجلس ليشرف على وصايته على اليمن تحت مسمى رئيس وإن كانت ولايته منتهية فهو من سيعطيه الولاية وليس الشعب أو الدستور والقانون القائم.
من خلال ما سبق بات من الواضح أن مجلس الأمن بدأ بالتعامل أنه صاحب الولاية والوصاية على اليمن وإن أجّل إعلان إدخاله اليمن تحت الوصاية بسبب قوة تماسك المكونات السياسية والاجتماعية اليمنية، كما اتضح هدف مجلس الأمن من التصرف في الملف اليمني وفق الفصل السابع، حيث لم يكن الهدف تجميد أموال الرئيس الأسبق “علي عبدالله صالح”، حليفهم القديم ولا أشخاص يعلمون مسبقاً بأنه ليس لديهم أي أملاك في الخارج، ولكن كان الهدف تنفيذ إجراءات الوصاية ومصادرة حق الشعب في تقرير مصيره.
الفقرة رقم (3) أكد فيها المجلس وصايته وما اعتبره حقاً في مخاطبة وتوجيه أفراد الشعب اليمني لتهيئته للقبول بتدخلاته المستقبلية ضمن خطة الوصاية فكان نصها “يشجع جميع الدوائر الانتخابية في البلاد، بما في ذلك حركات الشباب والجماعات النسائية في جميع المناطق في اليمن، على مواصلة مشاركتها النشطة والبناءة في عملية الانتقال السياسي ومواصلة روح التوافق في سبيل تنفيذ الخطوات اللاحقة في عملية الانتقال وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني”، ولم يكتف المجلس بذلك بل استكمل الفقرة بالتهديد للمكونات الوطنية: “ويهيب بحركة الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين وغيرهما إلى المشاركة البناءة ونبذ اللجوء إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية”، وفي تناقض غريب أبعده عن مبدأ الحياد والمساواة لجأ المجلس بنفسه للعنف بسماحه للتحالف في الفترات اللاحقة باستخدامه لتحقيق أهداف سياسية كان على رأسها التمسك بشرعية رئيسٍ مستقيلٍ وفارٍ خارج البلد وانتهت ولايته المفروضة بإملاءات خارجية واستقال رئيس حكومته، والإصرار على فرض شرعيته المزعومة على الشعب اليمني وإعادته للسلطة ليس بالعنف فقط بل بوسيلة أبشع بكثير هي باستخدام “جريمة العدوان”.
الفقرة رقم (4) أيضاً كشفت اهتمام المجلس وحرصه على سرعة مصادرة أموال قيادة النظام السابق والتي تملك عشرات المليارات في الدول الغربية وذلك عن طريق سن القوانين مع ضمانه التعاون الدولي لذلك، في تناقض غريب مع الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتي قضت بمخالفة الدستور بإعطاء الرئيس السابق علي صالح وقادة نظامه الحصانة من المحاكمة والملاحقة القانونية؟!(4)، فقد أبدى المجلس ما اسماه ترحيبه بهذا التوجه في الفقرة الرابعة التي نصت على: “يرحب باعتزام الحكومة اليمنية استحداث قانون استعادة الأصول، ويدعم التعاون الدولي في هذا الشأن، بما في ذلك من خلال مبادرة دوفيل”
بقية الفقرات إلى الفقرة العاشرة أبدى فيها مجلس الأمن قلقه إزاء استخدام وسائل التحريض على العنف، وتجنيد الأطفال من قبل القوات الحكومية والجماعات المسلحة متطلعاً إلى اعتماد قانون العدالة الانتقالية وتنفيذ الحكومة قرار إنشاء لجنة تحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في 2011 فقط!، ووفقاً لهذا لم يتطرق المجلس للجرائم التي أوردها في قراراته بعد 2011 كتفجير المساجد والساحات واقتحام وزارة الدفاع والمستشفيات وتصفية الضباط والشخصيات الاعتبارية وقتل المئات من أبناء الشعب اليمني، بل ختم الفقرة العاشرة بتحذيره وتهديده للشعب اليمني حيث استخدم مصطلح لا يمكن أن يُخاطب به شعب في القرن الـ 21 عندما ذكر “ويهيب بجميع اليمنيين إلى احترام تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل والتمسك بقيم اتفاق آلية التنفيذ”،
فكيف أعطى مجلس الأمن لنفسه الحق في تهديد الشعب اليمني لفرض قرار سياسي بين طرفين سياسيين كانا يمثلان النظام السابق الذي ثار عليه الشعب ورفضه؟! على الرغم من أنه في بداية نص الفقرة نفسها وضح أنها لا تمثل الشعب اليمني وإنما وصفها بعملية سياسية قائمة على قرار خارجي أساساً حيث جاء في نص الفقرة: “عملية الانتقال التي اتفق عليها الطرفان في مبادرة مجلس التعاون الخليجي واتفاق آلية تنفيذ عملية الانتقال”، ناسفاً بذلك ليس فقط قرار الجمعية العامة رقم (36/103) وإنما ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام.
(1) نص المادة 1 من اعلان وقرار الأمم المتحدة رقم 36/103 المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1981:” تعلن رسمياً ما يلي: “1- لا يحق لأية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأي سبب كان، في الشئون الداخلية والخارجية للدول الأخرى؛”
(2) نص (المادة 2 الفقرة ثانياً ج) من اعلان وقرار الأمم المتحدة رقم 36/103 المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1981: ” (ج) واجب الدولة في الامتناع عن التدخل المسلح أو التخريب أو الاحتلال العسكري أو أي شكل آخر من أشكال التدخل. سافراً كان أو مستتراً، يوجه إلى دولة أخرى أو إلى مجموعة من الدول أو أي عمل من أعمال التدخل العسكري أو السياسي أو الاقتصادي في الشئون الداخلية لدولة أخرى، بما في ذلك الأعمال الانتقامية التي تنطوي على استعمال القوة؛”
(3) وثيقة الحوار الوطني الشامل الصادرة في العام 2014م في الصفحة 81 تحت عنوان “شكل الدولة” نصت على: ” شكل الدولة: في سياق من قراءة الرؤى المتعددة والمتنوعة، كان شكل الدولة القادر على تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمعات، والقائم على العدالة والمواطنة المتساوية، هو الشكل المنشود عبر دولة ديمقراطية ال مركزية، تفاوتت فيه الرؤى والنقاشات من الدولة اللامركزية الاتحادية إلى الدولة اللامركزية البسيطة وتم التركيز على المحتوى الديمقراطي لشكل الدولة (انظر مصفوفة رؤى المكونات لفريق الدولة). وتم الاتفاق على استمرار النقاش وتأجيل اتخاذ القرارات النهائية إلى المرحلة التي تلي الجلسة العامة الثانية.
(4) المبادرة الخليجية في مبدأها الخامس في الديباجة نص على: “أن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لذلك” gcc_initiative_arabic.pdf (unmissions.org)