إن المذهبين البارزين والأكثر انتشاراً في اليمن هما الزيدي والشافعي، ومن يستقرئ تاريخ اليمن والدول التي حكمتها، فلن يجد أي صراع، أو حروب مذهبية مثل ما جرى من حروب مذهبية في غيرها من الأمصار، وأما الحروب التي كانت بين بني رسول وبين الأئمة الزيدية إنما كانت لأسباب سياسية لا مذهبية، بل كل الحروب التي حدثت في اليمن كانت سياسية فقط بشهادة المؤرخين اليمنيين والرحالة العرب .
حتى أن السيدة أروى لما حكمت اليمن، كان في مجلسها ممثلو المذاهب الأخرى، ولم تجبر رعيتها على مذهبها، وكذلك علي بن محمد الصليحي فكان الناس يعيشون بحرية كل واحد يمارس طقوسه الدينية حسب مذهبه، ويروي التاريخ أن علي بن محمد الصليحي كان يعين قاضي القضاة من الشافعية مع أنه فاطمي إسماعيلي، وهذا يدل على روح التسامح وقبوله للمذاهب الأخرى..
كذلك بيت حميد الدين، لما حكموا اليمن، لم يفرضوا على الناس مذهبهم ( الزيدي ) بل إن الإمام أحمد كان يولي في المناطق الشافعية قضاة منهم، مع أنه كان قادراً على أن يفرض على رعيته المذهب الزيدي الذي ينتهجه لاسيما وأن بيده زمام الحكم، والبلاد في قبضته ،وهذا دليل على اعترافه بالمذاهب الأخرى وسماحه لرعيته بأن يتمذهبوا بأي مذهب شاؤوا ،وهذا يعد العامل الأول الذي أسهم في تحصين الوعي، وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين ( الزيدي والشافعي ) .
– العامل الثاني : محبة آل البيت – عليهم السلام – والتقارب المذهبي في عدد من المسائل الفقهية..
وإليك توضيح ذلك :
إن الإمام الشافعي كان من أكبر المتفانين بحب أهل البيت – عليهم السلام – وهو الذي أوجب الصلاة على الآل في التشهد وهو القائل :-
يا آل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنزله.
إلى غير ذلك من أبياته الشعرية التي تنم على تشيعه ومحبته للعترة الطاهرة عليهم – السلام – ومن يقرأ كتابه “الأم” فسوف يجد آراء كثيرة يتفق بها مع المذهب الزيدي، مثل التثويب في صلاة الفجر ( الصلاة خير من النوم ) فهي لم تصح عنده .
وكذلك أذان الجمعة، يرى أنه أذان واحد فقط، إلى غيرها من الآراء التي يتوافق معها بالمذهب الزيدي وكثيراً ما كان يقول ” إذا صح الحديث فهو مذهبي ” .
– العامل الثالث :
انفتاح فقهاء المذهبين على بعضهما سواء في التلقي من خلال تلقي علماء كل مذهب من الآخر ، أو الفتوى المرنة التي تتضمن ما هو معتمد لدى المذهب الآخر .
– العامل الرابع :
وحدة دور العبادة بين الطرفين، فلا توجد مساجد خاصة بكل مذهب ،كما هو الحال في عدد من الدول .
– العامل الخامس :
وحدة الزي الشعبي لدى المنتمين لكلا المذهبين، بخلاف بقية الدول حيث يتميز علماء كل مذهب بزي عن علماء المذهب الآخر .
– العامل السادس :
الاندماج الاجتماعي، من خلال علاقات المصاهرة والزواج، والتي كانت تتم بين المنتمين للمذهبين دون أي إشكالية .
إلى غيرها من العوامل التي جعلت من المذهبين نموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح، وكل هذه العوامل التي ذكرناها آنفاً، والتي أسهمت في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين ( الزيدي والشافعي ) كل هذه العوامل – أيضاً – عززت الهوية اليمنية بكل جوانبها ( الثقافية والدينية والتاريخية وغيرها ) .
وهكذا ظل أبناء اليمن ( زيدية وشافعية ) متمسكين بدينهم، معتزين بهويتهم، حتى دخل الفكر الوهابي النجدي والذي اشعل الفتن في كل بيت، فضلاً عن إشعاله للفتنة في جميع المناطق اليمنية، وستعرف لاحقاً خطواته الشيطانية التي قام بها لضرب هوية اليمنيين، وكيف عمل على تحريف دينهم والتشكيك بعقيدتهم.