الرحلة رقم (526)

أحمد المالكي

 

رحلة الطيران التي وثّقت الخروج الأمريكي المهين من اليمن والتي حملت الرقم (526) أقلّت قرابة 150 أمريكياً من أعضاء السفارة الأمريكية وموظفيها المدنيين والعسكريين الذين قرروا الهروب بعد إتلاف أسلحتهم وحرق أرشيفهم ووثائقهم التي نسخت فضائحهم ومؤامراتهم على اليمن واليمنيين طيلة عقود طويلة مضت من الزمن فخرجوا من عاصمة الحرية والاستقلال صنعاء اليمن الحر فوق خمسين سيارة مدرعة وأسلحة تابعة لسفارة أمريكا في اليمن ركبوها وتركوها في باحات مطار صنعاء مستقلين طائرة خاصة يوم الـ 11 من فبراير عام 2015م وهم يجرّون أذيال الخيبة ومرارة الهزيمة والانكسار بعد انتصار أحرار اليمن المناهضين لمشاريع الهيمنة الأمريكية ونجاح ثورة الـ 21 من سبتمبر الشعبية بقيادة أنصار الله والقوى اليمنية الحرة والتي أتت لتنهي مرحلة تاريخية عاشتها اليمن تحت وصاية السفارات الخارجية الأجنبية بقيادة أمريكا.
هذا اليوم الفارق في تاريخ اليمن كان يوماً مفصلياً بالفعل لأنه دوّن رحلة الهروب الأمريكي من اليمن عبر الرحلة الجوية رقم 526 والتي تلتها رحلات هروب كثيرة لشركات وسفراء وموظفين وسفارات أخرى كانت تعتبر نفسها
وصية على القرار اليمني كما كانت الرحلة 526 أيضاً مؤشراً خطيراً لمغادرة البعثات الدبلوماسية من اليمن واتخاذ قرار الحرب وبدء العدوان العسكري والحصار الاقتصادي الشامل على بلد الحكمة والإيمان في صباح الـ 26 من مارس 2015م والذي أُعلن من واشنطن على لسان وزيري الخارجية الأمريكي والسعودي حينها أي بعد 45 يوما من الرحلة الأمريكية المذلّة رقم 526 المدونة في سجل الرحلات الدولية بمطار صنعاء الدولي في 11 فبراير من نفس العام.
فبعد أن انتصرت ثورة الـ21 من سبتمبر الشعبية على قوى النفوذ والفساد التي كانت تستحوذ وتسيطر على مفاصل الدولة والسلطة السياسية والقبلية والعسكرية والدينية في اليمن والتي كانت تذعن وتنقاد وتتوجه بتوجيهات السفارات الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية اُتخذ قرار المغادرة وأدرك الأمريكيون أن بقاءهم في اليمن أصبح غير مجدٍ مع بروز وظهور مشروع الحرية والاستقلال الذي أسسه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي والذي يقوده الآن قائد الثورة الشعبية السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله و هو المشروع القرآني التحرري الاستقلالي المناوئ للهيمنة والوجود الأمريكي ليس في اليمن فحسب بل في الوطن العربي والإسلامي والعالم أجمع والذي رفع شعار (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) لإدراكه وعلمه بأن أمريكا وإسرائيل تمثل مصدر الشرور والمؤامرات الاستعمارية والتخريبية والإرهابية التي تستهدف تمزيق الشعوب والاستحواذ على ثرواتها ومقدراتها الاستراتيجية والاقتصادية وفرض هيمنتها
بمختلف الطرق والوسائل والأساليب والتي على رأسها فرض الأنظمة الحاكمة التي تنقاد وتخضع للقرارات والسياسات الأمريكية الصهيونية في الدول العربية بالذات وذلك لما تمثله المنطقة العربية من أهمية جيواستراتيجية واقتصادية ودينية كونها تعتبر مصدر الوقود والطاقة والثروات النفطية والمعدنية ويوجد بها أهم البحار والممرات البحرية الأهم على الإطلاق والتي تتحكم في التجارة العالمية بين الشرق والغرب وكونها كذلك تمثل بؤرة الصراع الديني الأزلي بين اليهود والعرب والمسلمين جميعاً لوجود المقدسات الإسلامية في جغرافيتها كالقدس والأقصى ومكة والكعبة والمدينة.
ولأهمية اليمن الاستراتيجية لتحكمها في أهم ممر بحري يربط أوروبا بالمحيط الهندي، وما تكتنزه اليمن من ثروات طبيعية هائلة وامتداد حضاري وتاريخي كبير ولما تمثله من ارتباط ديني وعقائدي بالقرآن الكريم والرسالة الإسلامية المحمدية التي يعتبرها اليهود والأمريكان الصهاينة تهديدا لإنهاء وجودهم في المنطقة فلم تكن بمنأى عن المخططات الأمريكية الصهيونية الغربية الاستعمارية حيث حرصت أمريكا على تدعيم تواجدها في اليمن بشتى الطرق والأساليب الخبيثة عن طريق نشر الفساد وإضعاف بنية الدولة والسيطرة على المؤسسات الحكومية الحساسة فعملت على تدمير الجيش اليمني وتفكيكه وإنهاك الاقتصاد وإفقار الشعب وطمس هويته الإيمانية ودعم الأحزاب والجماعات الدينية الإرهابية والتخريبية والسير نحو تجزئة وتقسيم اليمن وهو الأمر الذي أدركته القوى اليمنية الحرّة الرافضة لمشاريع الهيمنة الأمريكية والتي تعرضت لحروب ظالمة ابتداء من حروب صعدة الـ 7 وانتهاءً بحرب وعدوان بربري أمريكي عالمي في ما سمي بعاصفة الحزم والتي تحالفت خلالها اكثر من 17 دولة عربية وإسلامية وغربية تقودها أمريكا وأذنابها السعوديين والإماراتيين ومازالت مستمرة حتى اللحظة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة والقنابل الفتاكة التي تقتل الأطفال والنساء والمدنيين الآمنين في بيوتهم وطرقاتهم وأسواقهم ومزارعهم ومصانعهم وفي أفراحهم وأحزانهم ولم تستثن حرمة لمكان أو زمان حتى السجون والمساجد والمستشفيات والمدارس وغيرها وصار ضحيتها أكثر من 50 الفاً جلهم من المدنيين الأبرياء في ظل تواطؤ أممي ودولي مخزٍ ناهيك عن الحصار والحرب الاقتصادية الشاملة براً وبحراً وجواً الهادفة إلى تركيع الشعب اليمني وإعادته إلى الوصاية الأمريكية والخارجية.
وكان لزاما على أحرار اليمن وقواه الخيّرة الحرة أن تنهض وتستنهض الشعب لمواجهة شاملة عسكرية واقتصادية وثقافية ودينية وجهادية لاستكمال إجهاض المشروع الاستعماري الأمريكي الصهيوني في اليمن والذي فرَّ هارباً عبر الرحلة 526 وهو الآن يحاول العودة من جديد عبر هذا العدوان العسكري والحصار الاقتصادي الشامل والذي يستخدم شرعية دولية زائفة عن طريق قوى النفوذ والفساد القديمة التي تحاول تسويق نفسها من جديد خدمة لأمريكا وإسرائيل وأذنابهم العملاء من السعوديين والإماراتيين بعد أن عملت على إدخال اليمن تحت البند السابع والوصاية الدولية عبر القرار 1622 وهي القوى اليمنية التي فرّت وأظهرت نفسها بالوقوف في صف العدوان الأجنبي بعد أن لفظها الشعب في الـ 21 من سبتمبر عام 2014م والتي بعضها هربت من اليمن عبر رحلات جوية لم تقيّد في سجل الرحلات بمطار صنعاء لعل أشهرها رحلة ( زوجة السفير السعودي) بالمروحية التي انطلقت من السفارة السعودية بصنعاء وغيرها من رحلات الفرار السرية عبر البر. والبحر والتي حولت الذكور إلى إناث باستخدام براقع النساء كان ألطفها وأخطرها رحلة الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته الفار عبد ربه منصور هادي وغيرها من رحلات البراقع المشهورة لقادة عسكريين ومسؤولين نافذين يقفون الآن في صف العدوان وهي رحلات بعضها سبقت ومهدت للرحلة الأمريكية المذلة رقم 526 وبعضها جاءت امتداد لها وهي تحاول الآن إعادة اليمن من جديد للوصاية الأمريكية وهو المستحيل بذاته الذي لم ولن يكون بعد كل هذه التضحيات التي قدمها ويقدمها اليمنيون من الدماء الطاهرة والمعاناة في سبيل نيل الحرية والاستقلال التي قدمها ويطمح إليها الشعب اليمني العزيز الصابر الصامد وبعد كل هذه الانتصارات العظيمة التي جعلت اليمن قوة إقليمية تمتلك القرار والسيادة والقوة الطولى بواسطة القوة الصاروخية والطيران المسيّر التي صارت تردع المعتدين والغزاة والمحتلين بل و توقف وتحوّل رحلات كثيرة في مطارات عواصم الدول التي تتزعم العدوان على الجمهورية اليمنية كالسعودية والإمارات، وما الأعاصير اليمنية المتتالية التي استهدفت الرئيس الإسرائيلي وقاعدة الظفرة الأمريكية في دويلة الإمارات عن هذا الخضم ببعيد.
ونحن موقنون بالنصر المبين الذي نراه قريباً بلا شك يلوح في الأفق.

قد يعجبك ايضا