شكل دخول اليمنيين الإسلام منذ فجر الرسالة المحمدية، منعطفاً هاماً في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، إذ صنع المسلمون اليمنيون التحولات الجذرية في مدى انتشار وتوسع رقعة الدين الإسلامي، وكانوا سواعد إيمانية أصيلة لرسول الله محمد – صلى الله عليه وعلى آله، يضرب بها أعداء اللهِ ورسولهِ في سائر بقاع الأرض.
لم يتوقف دعم اليمنيين للإسلام عند سرعة استجابتهم لدعوة رسول العالمين، التي جاء بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والذي سرعان ما وصل إلى صنعاء، واختطب فيهم حتى أسلمت القبائل اليمنية عن بكرة أبيها وعلى رأسها همدان التي أسلمت في يوم واحد؛ بل إن اليمنيين انطلقوا جميعاً لتلبية دعوة النبوة المحمدية، مسخرين كل طاقاتهم لخدمة الإسلام، فكانوا رجال قول وفعل في مختلف الميادين.
ولعل هذا ما يمكن ملاحظته إذا ما تمعنا الدور العظيم والبارز لليمنيين في نشر الإسلام، شرقا وغربا، وعلى امتداد خارطة المنطقة والعالم، حيث أسهم اليمنيون في الفتوحات الإسلامية ونشر الدين الإسلامي في مختلف البلدان، بدءا من العراق والشام، مروراً بدول شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا، والتي كان للقادة المقاتلين اليمنيين دور جبار في تلك الفتوحات، منهم على سبيل المثال لا الحصر، عمرو بن معد كرب الزبيدي، والمثنى بن حارثة الشيباني وإبراهيم مالك الأشتر، وموسى بن نصير، الذي شق سيفه مدن الروم في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وأخيراً السمح بن مالك الخولاني، الذي قرع أبواب النصر على أسوار فرنسا في قلب القارة العجوز.
بصمات السواعد والحكمة اليمانية في الإسلام، مؤثرة جداً لأهميتها البالغة، في تأسيس أهم وأبرز الحضارات العابرة للقارات، فهي حاضرة في مختلف مراحل وتطور الدولة الإسلامية الحقيقية النابعة من أقدس الرسالات السماوية بتوجيهات الله وسنة رسوله، وأئمة آل بيته الأخيار ؛ إذ لم تمر محطة في تاريخ الدين الإسلامي إلا وكان للحكمة والسواعد اليمانية دور ريادي في صياغة النصر وكتابة التاريخ.
في ظل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن؛ جسد تمسك الشعب اليمني بالهوية الإيمانية، أبرز أعمدة الصمود الأسطوري أمام بشاعة العدوان الكوني الذي سعى ولا يزال لاستهداف جموع القيم الدينية والأخلاقية للشعب اليمني، لتدمير هويته الإيمانية والثقافية والوطنية.
في حقيقة الأمر مثَّل الثبات اليمني الصارم للشتبث بالهوية الإيمانية؛ ضربة قاصمة لمحاولات قوى العدوان الأمريكي الصهيوني، في ضرب عنفوان الشعب، وتفتيت لحمة النسيج المجتمعي، التي جسدها اليمنيون في لحظتهم المصيرية الخالدة لمواجهة أقذر الغزاة والمحتلين على وجه المعمورة.
لذلك، فإن هذه اللحظة المصيرية تقتضي منا تعزيز ترسيخ الثوابت الإيمانية اليمنية للتصدي لمشاريع ومخططات العدوان، الرامية صوب كسر ركيزة الصمود الشعبي، من خلال تنفيذ توجيهات الله ورسوله، والاحتراس من مفاهيم الأمركة الغربية المتغلغة خلف عناوين ” السلام ” وما شابه ذلك.
علاوة على ذلك، فإنه يجب علينا الالتزام بمشروع الهوية الإيمانية، في حياتنا العملية والعلمية، لمواجهة أشكال مخططات أعداء الأمة، في الزمان والمكان المناسبين، ووأد أفكار الغزو الهدامة، والتي تندرج تحت لافتة ” الاحتلال الناعم ” الذي يستهدف سلب عقول شبابنا وبناتنا، وتفريغ القدرات الشعبية خارج أطر المواجهة الحقيقية مع الباطل الذي يدعو له العدو.
وهنا يأتي دور المؤسسات التوعوية ووسائل الإعلام وأصحاب الكلمة السوية في نشر الثقافة الإيمانية وتكريس القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة، في مختلف الميادين، وهذا يتطلب تكثيف الجهود الرسمية والشعبية لتحقيق الغايات المنشودة في الحفاظ على الهوية الإيمانية والثقافية للشعب اليمني، إلى جانب دعم ترسيخ الثوابت الإيمانية في المدارس والجامعات ومختلف الصروح العلمية الحساسة، من خلال تغذية الكتب والمناهج بالتعاليم الإيمانية الصحيحة.
إننا بحاجة ماسة لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي كانت قوى الهيمنة والوصاية قد سعت لتكريسها في الذاكرة الجمعية طوال العقود السابقة، والتي تحاول إعادتها مجدداً عبر جلباب العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، والتي سبق وأن دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، إلى مواجهتها بشتى الوسائل، ما قد يساعد في الحفاظ على الهوية الإيمانية النقية والأصيلة للشعب اليمني الذي يخوض ملحمة العزة والكرامة في وجه أعتى وأبشع المؤامرات العالمية.