عندما تتخطى مرحلة صعبة من حياتك، اصبر واحتسب واحمد الله واشكره، وتوكل عليه وثق به، وأكمل الحياة كناجٍ وليس كضحية، وحينما تقسو عليك الحياة احذر أن تصبح مثلها وتقسو على نفسك وعلى من حولك، فغالبا ما يكون سبب الانعزال عن البشر، أو اتباع الجهل والتضليل هو تلك الخيبات المتراكمة التي نتلقاها من أناس طيبين نقدر شأنهم ونحبهم ونتبعهم، فمن يقدم لك الاهتمام والوعي والحرية، لا تهمله أبدا مهما حدث لك، لأن هذه النوعية من القلوب والعقول على وشك الانقراض، وإياك والتغير في وعيك و شخصيتك وأسلوبك تجاه من تقدره وتعزه و تحبه، من أجل أن ترضي أحدهم، فقد يكون من تغيرت من أجله و أرضيته هو فرعون عصره، وقد يكون من تغيرت عليه وكرهته هو موسى زمانه..
وبما أن مشهد سيدنا موسى، عليه السلام، و الطاغية فرعون متكرر في كل عصر وفي كل زمان ومكان وفي كل دولة ومؤسسة وقبيلة وأسرة، تدبر في آيات الله أين وصلت تهمة فرعون لسيدنا موسى، لمجرد انه طالب قومه بالعودة لله و التحرر والاستقلال من العبودية والإذلال، ففي البداية اتهم فرعون موسى أنه يتاجر (بالدين) فقال { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}، ثم أعلن فرعون خوفه من (فساد) مصر على يد سيدنا موسى فقال (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}، وبعدها صرح فرعون بوجود (مؤامرة دولية) على بلاده فقال { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا}، ثم جاء فرعون بالتهمة السياسية لموسى (بالتخابر) مع دول أجنبية فقال { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ}، وعلى ذلك قاد فرعون (حملة إعلامية) شرسة ضد موسى، وكال له الاتهامات فقال { إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ}، ليأتي طلب فرعون الذي يحق له التخلص من موسى فطلب من حاشيته وعبيده (التفويض) بقتل موسى فقال { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى}..
بعد ان أعطى شعب وعبيد فرعون التفويض لقتل موسى، استخف فرعون قومه خفاف العقول بأنه الوحيد صاحب الرأي فيهم وأن لا يسألوا أحدا غيره عن مصر فقال { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى}، ثم استعان عليهم (بالبلطجية) الذي اشترطوا عليه { قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}، ووافق فرعون على الفور وعرض عليهم (أعلى المناصب) فقال { نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}، ولأن الدم والإجرام بحق المؤمنين الأحرار أرخص شيء في نظر السلطان المجرم والعبد الجاهل والبلطجي القاتل: قال لهم فرعون { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، ولأن الناس وقتها كانت خفيفة عقول بعد أن يأسوا من قلة الوقود والزاد فقالوا لفرعون { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}..
ولأن الله رحيم بعباده، انزل على قوم فرعون البلاء بالغلاء والمصائب ليرجعوا لله، ويكونوا واعين قبل أن يدخلوا النار بجهلهم، وتغيير أنفسهم ليرضى عنهم الطاغية فرعون فقال سبحانه { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، ورغم ذلك كلما جاءتهم مصيبة قالوا أن (موسى) عليه السلام وأتباعه هم السبب، {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه}..
هل انتهت هنا القصة ؟!! .. لا .. فبعد كل هذا التضليل والطغيان والاجرام والتنكيل الفرعوني بقى موسى عليه السلام هو موسى، وفرعون الطاغية هو فرعون الطاغية، ولا بد للقصة من نهاية، سواء طالت أم قصرت، فنهاية الظلم معروفة {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}، وفي الأخير {أنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين}، ففي النهاية هذا مشهد متكرر للنصر والعزة والتمكين لكل واعٍ مؤمن بالله ومتوكل عليه ويجعله حسبه (حامدا شاكرا صابرا ) مهما كانت مرحلة حياته صعبة وقاسية، وهو مشهد متكرر موازٍ للهزيمة و الخسران والهلاك يصيب كل طاغية ومجرم وبلطجي وجاهل، والمحصلة النهائية هي { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ..
Prev Post
Next Post