قد يبدو بديهيا الحديث عن إسهامات البرمجة وريادة الأعمال في نمو الاقتصاد اليمني أو عن أثرها الإيجابي على صعيد تحقيق التنمية الاقتصادية، وفي هذا الإطار يجب أن نولي هذا الموضوع أهمية كبيرة وعميقة وذلك لأن عملية البرمجة وريادة الأعمال لا تعمل على الدفع بالاقتصاد الوطني فحسب وإنما يمكن النظر إليها كذلك باعتبارها طوق النجاة خاصة في ظل التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم في استخدام تقنية المعلومات والتكنولوجيا الحديثة في بناء الدول المتقدمة في جميع المجالات ومنها المجال الاقتصادي بشكل عام وما يتعرض له اليمن من عدوان وحرب اقتصادية بشكل خاص .
والبرمجة هي عملية كتابة تعليمات وتوجيه أوامر جهاز الحاسوب أو أي أجهزة أخرى وإعلامه بكيفية التعامل مع البيانات أو كيفية تنفيذ سلسلة من الأعمال المطلوبة ويعتبر مجال البرمجة من أفضل المجالات لبدء أي مشروع أو تأسيس أي شركة لعدة أسباب تتمثل في انخفاض التكلفة وعوامل المجازفة والخطر في المشروع وانخفاض نسبة القوانين المتعلقة بالخدمات البرمجية والتخزينية مما يخفض نسبة التعقيد في هذا المجال .
وتُعرف ريادة الأعمال بأنها عملية إدارة وتنظيم وتطوير مشروع في سبيل تحقيق نجاح في جميع المجالات ومنها المجال الاقتصادي رغم أي مخاطر أو مجازفات وتكون هذه العملية نابعة من رغبة الفرد وقدرته على ذلك حيث تتصف الروح الريادية بالإبداع والقدرة على المجازفة، فهي ركن أساسي في قدرة الدولة على تحقيق التنمية الاقتصادية والازدهار ضمن الأسواق المحلية والعالمية ذات المعدلات التنافسية المرتفعة .
وبحسب علم الاقتصاد فإن ريادة الأعمال في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية تتعاضد مع عدة عوامل أخرى لتحقيق الربح وهذه العوامل هي الموارد الطبيعية ورأس المال والقوى البشرية والمنطقة الجغرافية، فرائد الأعمال يجب أن ينجز المهام وأن يحول أفكاره إلى واقع ملموس وناجح .
وما يجب أن يفعله رائد الأعمال كي ينجح في عمله هو التمتع بقوة تحمل تعينه على الاستمرار في حياته وأعماله والبحث عن المساعدة من قبل أشخاص آخرين كي يستفيد من خبراتهم، حيث يعمل حماس رائد الأعمال على جذب العديد من الناس حوله كالمستثمرين والموظفين والشركاء وغيرهم ويمكن للشخص المهتم بريادة الأعمال أن يدرس هذا التخصص، حيث يتوقع من الشخص الذي ينهي برنامجا في ريادة الأعمال أن يعرف كيف يبدأ مشروعا ناجحا وكيف يسوق لهذا المشروع وكيف يدير فريقا من الموظفين، ثم كيف يتوسع بمشروعه إلى الأسواق العالمية .
وأغلب الذين يبدأون مشروعاتهم الخاصة تكون لديهم فكرة ولكن تنقصهم الخبرة والمعرفة العملية بالسوق ومن هنا تبرز أهمية المرشدين لرواد الأعمال، فهم لديهم من الخبرة بالسوق ما يمكنهم من تقديم ملاحظات ونصائح مهمة لأولئك الذين يفكرون في إنشاء مشاريعهم الخاصة حيث تتمثل مجالات ريادة الأعمال في تقديم الاستشارات في مجال مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها وسطا رخيصا وفعالا لبناء علاماتهم التجارية وذلك لنمو عملية التسويق وتطوير المشاريع والأعمال .
وفي هذه المرحلة التي يمر بها اليمن من عدوان وحرب اقتصادية يجب الاهتمام بمجالات ريادة الأعمال التي تكمن في إنشاء المشاريع الصغيرة والأصغر والمتوسطة، حيث تعتبر مكونات ضرورية لتنمية اقتصاد الدول، لما تلعبه هذه العناصر من دور في خلق الحصة الأكبر من فرص العمل الجديدة، حيث تؤثر الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع المبتدئة العاملة في مجال التكنولوجيا تأثيرا كبيرا على فرص النمو الاقتصادي والعمالة والاستثمار وما تقدمه من دعم للأبحاث والدراسات في الجانب الاقتصادي والتنموي .
وتلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً كبيراً في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية للدول من خلال حل مشكلة البطالة وهي مشكلة اقتصادية لها أبعاد اجتماعية خطيرة وأيضا تساعد على استيعاب الموارد الإنتاجية على مستويات الاقتصاد كافة لكونها تنتشر في حيز جغرافي أوسع من المشاريع الكبيرة وتزيد المشاريع الصغيرة والمتوسطة من حدة المنافسة في السوق المحلية وتكبح جماح الاحتكار للمشاريع الكبيرة وتحد من قدرتها على التحكم في الأسعار من خلال طرح منتجات بأسعار معقولة تنافس منتجات الشركات الكبيرة.
وتعمل ريادة الأعمال في المشاريع الصغيرة والمتوسطة على تحويل الأفكار الاستثمارية إلى مشاريع قائمة وبرأس مال منخفض نسبياً وتفتح مجالاً واسعاً أمام المبادرات الفردية والتوظيف الذاتي وبذلك تشتمل على تحفيز روح المبادرة والريادة في المجتمع وتعمل أيضا على إنشاء الروابط بين الصناعات القائمة وبين القطاع الصناعي والقطاعات الاقتصادية المختلفة .
وتعتبر عاملاً مساعداً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الدولة وخلال فترات الركود الاقتصادي تعمل ريادة الأعمال في تفعيل هذه المشاريع، لما لها من قدرة على البقاء والاستمرار في الاقتصاديات المضطربة وغير المستقرة، في الوقت الذي قد لا تصمد فيه المشاريع الكبيرة وتخرج من السوق حيث تؤدي دوراً تكميلياً في تعزيز القدرة التنافسية الدولية للشركات الكبيرة .
كما أن البرمجة وريادة الأعمال تقوم على فعالية وسلامة بنى الاتصالات حيث تقوم على سلامة التنظيم الاستثماري ودقة المعايير الدولية وكفاءة وفعالية التنظيم القانوني لقطاع الاتصالات وبقدر ما تسود معايير التعامل السليم مع هذه العناصر يتحقق توفير أهم دعامة للتجارة وأيضا تقوم البرمجة وريادة الأعمال على تقنية المعلومات من حيث الأجهزة والبرمجيات والحلول والكفاءات البشرية المدربة والوظائف الاحترافية وهذه دعامة الوجود والاستمرارية.
التوصيات :
الاقتصاد اليمني من الاقتصاديات الضعيفة من حيث هياكله الإنتاجية نتيجة السياسات والقوانين والاتفاقيات والبرامج المستوردة بغرض إضعافه وكان من الضروري التحرك لبناء اقتصاد قوي من خلال العمل بنظام تطور التكنولوجيا وتقنية البرامج والمعلومات ومنها العمل بالبرمجة وريادة الأعمال في المجال الاقتصادي ولا يستقيم ذلك إلا من خلال أهداف وبرامج وسياسات ومعالجات ضرورية وإصلاحات في المنظومة المالية والقانونية والاقتصادية.
ويلزم ضرورة الاهتمام ودعم الجانب العملي في جميع مؤسسات الدولة وإنعاش القطاعات الموجودة فيها عبر إدخال البرمجة وتفعيل ودعم ريادة الأعمال وذلك عبر برامج عمل تنفيذية متقدمة ومتطورة تمكنها من أداء مهامها واختصاصاتها حتى تحقق فائضاً وزيادة في الموارد العامة واستغلالها في الجانب الاستثماري والإنتاج المحلي وبالتالي الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي وتحقيق التنمية الاقتصادية في اليمن .
ويجب أن تتمثل البرمجة وريادة الأعمال في تحديد أولويات وأغراض تطوير سوق الاتصالات في الدولة ومواءمة هدف الدخول للأسواق العالمية لضمان المنافسة في سوق الاتصالات وسلامة البرامج والنظم المطبقة لضمان تعميم التقنية بصورة منظمة وفاعلة وضمان الاستخدام الأمثل والسليم لوسائل التقنية.
وضرورة التغلب على التحديات القانونية وتوفير الكفاءات التقنية القادرة على كشف وملاحقة الاختراقات وضمان وجود فريق تدخل سريع يدرك جيدا ما يقوم به ويجب أن تتوفر نصوص الحماية الجنائية التي تخلق مشروعية ملاحقة أفعال الاعتداءات الداخلية والخارجية على نظم الكمبيوتر وقواعد البيانات ومع البنى التقنية ومع الأفكار والنظريات الحديثة في حقول الأداء الفني والتسويقي والمالي والخدمي والاقتصادي.
وينبغي على الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني تزويد الشباب بالمهارات الرقمية المتقدمة التي يحتاجون إليها لإنشاء مشروعاتهم التجارية ووضع استراتيجيات وطنية لتطوير المهارات الرقمية لهم واستحداث فرص العمل في الاقتصاد الرقمي للاستفادة من البرمجة وريادة الأعمال في بناء اقتصاد يمني قوي ينافس اقتصاديات الدول المتقدمة، لأن ذلك سوف يساهم في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة في اليمن.
ولضمان جذب الاستثمارات في هذا القطاع لكي تتحقق التنمية الاقتصادية، يجب تنظيم الالتزامات لمقدمي الخدمات في البرمجة وريادة الأعمال مع تحديد معايير ومواصفات الخدمة المميزة وفي مقدمتها معايير أمن وسلامة تبادل المعلومات وسرِّيَّتها وخصوصية المشتركين وتوفير الإطار القانوني الواضح الذي يحدد الالتزامات على أطراف العلاقة وأخيرا تحديد نطاق التدخل الحكومي وتحديد أولويات الدعم وما يتعين أن يكون محلا للتشجيع الاستثماري من قبل الدولة.
*وكيل وزارة المالية – رئيس المركز الاستراتيجي اليمني للدراسات والأبحاث.