منتخب الناشئين يدشن مرحلة جديدة ويطوي أخرى

د / هشام محمد الجنيد

 

 

ما جعل فرحة النصر عارمة وكبيرة في نهائي بطولة غرب آسيا للناشئين، ما جعل الاحتفال بهذا النصر استثنائيا هو أن النصر لا ينساق على بلد وشعب السعودية، بل لأن الفوز بهذه البطولة كونها الأولى في تاريخ اليمن. ناهيك أنها تزامنت مع تحقيق الأبطال جنود الله الانتصارات الميدانية. والاحتفالات اليمنية بهذا النصر المشرف هي إضفاء هزائم نفسية فوق سابقتها لنظام العدوان السعودي الذي كان سببا غير مباشرا في رداءة وضعف أداء المنتخبات اليمنية السابقة.
والشعب السعودي في نظر اليمنيين لا يختلف عن بقية الشعوب الإسلامية بما فيها العربية، فروابط الإخاء والمحبة والهوية الإسلامية هي القواسم المشتركة فيما بينها جميعا. وفائز أو خاسر في لقاءات وبطولات لكرة القدم تظل في نهاية المطاف نتائج لا تنقص من معنوية الخاسر، بل تزيد جميعها خاسرا وفائزا على حد سواء أكثر إخاء ومحبة، والخاسر في اللقاء يتقبل النتيجة بروح رياضية عالية. فهذه هي طبيعة وقوانين لعبة كرة القدم.
لقد رسم هذا المنتخب المتفوق في أدائه بونا شاسعا مع أداء المنتخبات السابقة الهابطة في الأداء. نظرا لأن هذه الأخيرة – باستثناء منتخب الناشئين لعام 2003م – كانت تشكل بناء على سياسة رياضية ممنهجة تركزت بشكل مدروس ومقصود في اختيار غير دقيق وغير سليم للعناصر الرياضية للمنتخبات اليمنية، عناصر غير مؤهلة وغير محترفة إلى حدود كبيرة جدا. وبالتالي مهما كان تدريبها بمستوى عال، فيظل مستواها هابطا وغير مشرفا أو مؤهلا. لأنها لا تمتلك المواهب الرياضية الكروية حتى يمكن صقلها بالتدريبات والتمارين الرياضية.
وديمومة هذه السياسة الإقصائية التي مارسها النظام العفاشي في تهميش وإقصاء ذوي المهارات والقدرات الرياضية العالية قد رسمت انطباعا سالبا عن مستوى كرة القدم اليمنية. في حين أن البيئة اليمنية والبنية البشرية اليمنية تحتوي على كم هائل من عناصر محترفة وذكية وذات مهارات ومواهب متنوعة قادرة على الإنتاجية والعطاء والإبداع في شتى المجالات وفي مجال الرياضة. وبالتالي يمكن وبسهولة اختيار أكثر من عشرين منتخبا مؤهلا ومشرفا في الأداء الكروي من محافظات الجمهورية إذا ما وجدت الإدارة الفنية المستقلة والتدريبات اللائقة والتشجيع والدعم. وكانت هذه هي رسالة الكابتن / حمزة الصرابي: الاهتمام بالمنتخب. رسالة ليست من فراغ، كانت رسالة صادقة ومن رحم المعاناة ومعرفته بتاريخ اليمن الكروي.
لقد قدم منتخبنا هذا للناشئين عروضا كروية في منتهى الروعة والجاذبية والجمال. وكأننا شاهدنا منتخبا إرجنتينيا، بينما المنتخبات السابقة كانت غير مشرفة إطلاقا. فكان عدم مشاركتها أفضل من مشاركتها. فالمهم هنا في أقل الأحوال ليس الفوز بالبطولة بقدر الأهم وهو أن تقدم المنتخبات الوطنية عروضا كروية جيدة على الأقل في مبارياتها مع منتخبات الدول الأخرى.
هذا المنتخب المميز لم يحرز هذه البطولة بناء على تكتيكات كروية حالفته بالحظوظ حتى يحقق هذا النصر التاريخي. بل كانت تكتيكات رياضية على درجة عالية من الاحترافية والتنسيق الكروي الرهيب بين اللاعبين، وكان بناء على خطط رياضية ناتجة عن احتراف رياضي موهوب جسده المدرب واقعا حقيقيا أبهر وفاجأ العالم. كانت تكتيكات وأداءات رياضية ناتجة عن قوة مهارة وجدارة المنتخب. والدرجة العالية لمهارات وقدرات هذا المنتخب هي التي صنعت له هذا الاستحقاق الكروي بالنصر والفوز بالبطولة. وقد أثمر الأداء الكروي المميز لمنتخبنا للناشئين بتسديد أهداف رائعة، وكان جديرا وأهلا للنصر والفوز بالبطولة.
إن أداء هذا المنتخب المتفوق يجسد طبيعة المواهب والمهارات والإبداعات التي يمتلكها اليمنيون في جوانب فنية ومهنية وحرفية كثيرة ومتنوعة ومنها الإبداعات والمهارات الرياضية. فاليمنيون في طبيعتهم يجيدون إنجاز الأعمال المهنية والفنية والتقنية والحرفية بامتياز وفي مجالات الصناعة والزراعة والبناء ومختلف أعمال المقاولات والحدادة والرسم والسباحة وحتى المغامرات. وكذا يمتلكون المواهب في مجالات الإبداعات العلمية الفيزيائية خصوصا منها وعامة الإبداعات والإختراعات في مختلف المجالات المكونة لبناء وتشييد الحضارة.
والبيئة البشرية الحاضنة للإبداعات والمهارات والقدرات الحرفية والفنية والإنتاجية هي بيئة يستحيل أن يخلو منها كوادر رياضية كفؤة تمتلك مهارات وقدرات احترافية عالية .. اليمنيون هم أهل حضارة شهد لهم القرآن الكريم بذلك. ولذلك يستحيل القول بصعوبة تكوين منتخب رياضي محترف من شعب متجذر من أصول تاريخية وحضارية شهدت له حضارات العالم القديم اليونانية والرومانية والصينية.
وتفوق منتخبنا هذا للناشئين إنما يؤكد صحة ما تناوله مضمون هذا المقال. اليمن فيه خزانات من الكوادر والمواهب والإبداعات في كل المجالات بما فيها الرياضة. ولا ينقصهم إلا الإدارة الحكيمة الرشيدة المخلصة، وقد أصبحت حاضرة ممثلة بالقيادة الثورية. ولو كان نظام العدوان السعودي بيده أن يحول دون انتقاء واختيار عناصر هذا الفريق المميز لما تم تمت تشكيلته بالأصل. لكن اليمن اليوم مستقل، وأصبح لا مجال لنظام العدوان السعودي أن يغير ويتدخل كما كان سابقا.
إن الاهتمام الشامل بهذا المنتخب ومنتخب الشباب الأولمبي والمنتخب الأول والمنتخبات الجديدة الصاعدة بمستوياتها الثلاثة هو أمر حتمي، ولن يكون إلا في ظل قيادة سياسية مخلصة في ظل عدالة المسيرة القرآنية. وقد قاربت نهاية الحرب وتحقيق النصر بعون الله وتوفيقه. فزمن الهزائم قد ولى وآتى زمن الانتصارات والإنجازات وتفعيل العناصر الموهوبة في مختلف الإبداعات والمهارات والبناء ليعود اليمن إلى مجده الحضاري.

قد يعجبك ايضا