الثورة نت/ إسحاق المساوى
يحيي الشيعة السعوديون غداً 2 يناير/ كانون الثاني، ذكرى الشهيد “نمر النمر” الذي أعدمه النظام السعودي في هذا اليوم من عام 2016، هو و46 آخرين، ممن عرفوا بموقفهم القوية ضد النظام السعودي.
وأصبحت هذه الذكرى تقليداً سنوياً في السعودية وبلدان أخرى، يتم اقامتها للوقوف على سيرة ثائر شجاع واجه أكثر أنظمة القمع استبداداً في المنطقة.
وتسلسلت بعد إعدامه أحداث دامية تعرض لها المنطقة الشرقية في السعودية، من قتل وتدمير وتخريب، واعتقالات واسعة، واعدامات جماعية، كان الشهيد النمر قد حذر منها قبل إعدامه.
غضب رسمي وشعبي يوم اعدامه
عند الإعلان عن عزم النظام السعودي إعدام النمر، خرج أهالي القطيف باحتجاجات غاضبة هاتفين بسقوط آل سعود. واندلعت حينها احتجاجات في مدن كثيرة في أنحاء العالم، منها لندن وطهران وواشنطن وشيكاغو وتورنتو والعراق والبحرين ولبنان وأفغانستان وباكستان والهند وتركيا وأثينا وكانبرا.
وبعد تنفيذ حكم الإعدام على النمر، أدان أنصار الله وإيران والمجلس الشيعي الأعلى في لبنان حكم الإعدام، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني وحركة أمل، وزعيم الشيعة العراقي مقتدى الصدر، وخرجت مظاهرات في البحرين اعترضتها قوات الأمن البحرينية بالغاز المسيل للدموع، كما هددت إيران- عبر وزارة خارجيتها- بأن “السعودية ستدفع ثمناً غالياً لقاء إعدامها النمر”.
واحتشد المئات من البوذيين والمسيحيين والمسلمين الشيعة والسنة في ليه وكارجيل التابعتين لولاية جامو وكشمير في الهند، تضامناً مع حقوق الإنسان، وأشعلوا ضوء الشموع ورفعوا لافتات تندد بإعدام النمر.
أرشيف النظام السعودي يوم إعدامه
في المقابل قال مفتي السعودية رئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، إن “تنفيذ الأحكام الشرعية في 47 من الجناة “الإرهابيين” هو رحمة للعباد ومصلحة لهم وكفٌّ للشر عنهم ومنعٌ للفوضى في صفوفهم”.
وأكد المفتي، وهو بدرجة وزير، في تصريحات للقناة الأولى بالتلفزيون السعودي، أن أحكام الإعدام “استندت إلى كتاب الله وسنة رسوله”، وأشار إلى أن “هؤلاء أقدموا على جرائم عظيمة: القتل وصنع المتفجرات وترويجها والحرص على زعزعة الأمن واستقراره ونشر الذعر بين أفراد المجتمع” في إشارة منه لتحريم دفاع سكان القطيف عن أنفسهم.
وقال عادل الجبير، وزير الخارجية المعزول من منصبه مؤخراً، لشبكة CNN الأمريكية، إن “النمر إرهابي وليس رجل دين، وكان مسؤولاً عن التجنيد والتمويل والتخطيط والانخراط بعمليات إرهابية أدت إلى قتل عدد من رجال الأمن، وقد نُفّذ الحكم بحقه مثل كل الإرهابيين الآخرين الذين أُعدموا في ذلك اليوم”. وأضاف الجبير “نحن نطبق أحكام الإعدام مثلما أمريكا نفسها تطبق أحكام الإعدام”
عن النمر
في بلدة العوامية بمحافظة القطيف شرقي المملكة، ولد نمر باقر النمر عام 1959، وأنهى دراسته الثانوية في بلدته، ثم انتقل بعد ذلك عام 1980 إلى إيران للدراسة في الحوزات الدينية، وبقي هناك لعشر سنوات، ثم توجه إلى سوريا ليواصل الدراسة، ثم التدريس.
واشتهر النمر بالدفاع عن حقوق الشيعة في السعودية وكرامتهم التي كانت محور معارضته، وكان من أشد المطالبين بمساواة الشيعة بغيرهم وإعطائهم حقهم الكامل في الحرية، وفي تولي المناصب الإدارية والعسكرية في البلاد.
وعلى مدى سنوات عديدة أقام النمر مهرجاناً أطلق عليه اسم “البقيع حدث مغيب”، وذلك بهدف إعادة بناء قبور الأئمة في منطقة البقيع في المدينة المنورة، حيث يمنع ذلك أتباع المذهب الوهابي الشريك الثاني تاريخياً في الحكم السعودي، ويعتبره من “البدع”، واستمر في إقامة المهرجان رغم ضغوط النظام ومعارضته.
وعُرف بمعارضته الصريحة للأسرة الحاكمة، ويؤمن بأنه “لا سمع ولا طاعة لمن يسلب كرامتي. لا نؤيد آل سعود، ولماذا نؤيدهم؟ على قتل أبنائنا أم على اعتقال شبابنا أم على الظلم والجور الواقع من قبلهم علينا؟ فنحن لم ننتخبهم ولم نخترهم حكاماً علينا، ولم يجعلهم الله كذلك حتى نؤيدهم، وإنما حكمونا بحكم الغلبة”، يقول النمر.
إضافة إلى انتقاداته الجريئة والعلنية للسلطة الحاكمة وفسادها، وتهميشها لأبناء الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، وبسببها تعرض للاعتقال لفترات قصيرة في عامي 2004 و2006، وهدد عام 2009 بانفصال القطيف عن السعودية وتشكيل دولة شيعية مع البحرين المجاورة، إذا لم تُلب مطالب السكان، وكان من أبرز الشخصيات التي خرجت في احتجاجات القطيف الحاشدة عام 2011، فضلاً عن انتقاده عام 2012 تعيين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقتها ولياً للعهد، بعد وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز.
وحارب النمر الكثير من المعتقدات الدينية المنتشرة في السعودية التي تكفر الشيعة، وخصوصاً المدونة في المناهج الدراسية، كما قدم عريضة “غير مسبوقة” لنائب أمير المنطقة الشرقية في المملكة تجسد مطالب الشيعة، لكن رد النظام كان دائمًا الملاحقة والاستدعاء والاعتقال أحياناً.
وبعد اعتقاله في الثامن من يوليو/ تموز 2012، خرج سكان القطيف في مظاهرات للمطالبة بالإفراج عنه، وحذرت جهات دولية وإقليمية من إعدامه بعد صدور الحكم في يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، لكن النظام لم يُعر أي نداءات وتحذيرات اهتماماً، ونفذ الحكم عليه في مثل هذا اليوم 2 يناير/ كانون الثاني 2016.