لغز تحسن سعر صرف العملة الوطنية في المحافظات المحتلة .. حقيقة أم لعبة أخرى من ألاعيب العدوان وأدواته
عدنان باوزير
يثير تحسن صرف العملة اليمنية في المحافظات المحتلة الكثير من الشكوك حول صحة ما يجري ، وهل هو تعاف حقيقي أم أنه خطوة دعائية محضة ومفتعلة ومؤقتة و لعبة نقدية مدبرة لتحقيق هدف ما ، لغياب المبررات الحقيقية والمنطقية التي تدعم هذا التعافي المحيّر ، كما يطرح الكثير من الأسئلة التي لا توجد لها إجابات مقنعة .
فقد تحسن سعر الصرف في هذه المناطق تحسناً مطرداً وغريباً وغير مفسر خلال فترة قياسية جداً لا تتعدى ثلاثة أو أربعة أسابيع ، كان صرف الريال السعودي مثلاً 403 مقابل الريال اليمني وربما أكثر ، ارتفعت خلالها قيمة العملة الوطنية مقابل مثيلاتها من العملات الأجنبية ، والغريب أنه لم يتوقف التدهور المخيف الذي كان يعصف بالريال اليمني فحسب بل ارتفعت قيمته لأكثر من 50% خلال هذه الفترة الوجيزة ، حيث انحدر أمس الثلاثاء 28/12/2021 سعر الريال السعودي إلى 200 ريال يمني فقط !!
المعروف لنا نحن العامة غير المتخصصين أن الاقتصاد بديهيٌ لا يتحسن ولا يوقف تدهور قيمة العملة الوطنية وتتحسن الا بعد تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والنقدية الجدية والمدروسة والصعبة طويلة المدى وبصبر ومثابرة طويلين . ومن أهمها ما يحضرني منها الآن ولا تتطلب الى عقلية مالية عبقرية لتدركها وهي :
1-توقف العبث اللامسؤول والعشوائية في التوسع بطباعة أوراق نقدية بكميات هائلة وضخها في السوق المالية .
2-سحب كميات كبيرة من العملة المطبوعة عبثاً والتي تغرق السوق المالي .
3-دخول مصدر اقتصادي جديد ليرفده بكميات جيدة وكبيرة من العملات الصعبة كصادرات جديدة مثلاً .
4-ورود مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية إلى البنك المركزي لتوفير احتياطي أو فائض نقدي كبير وكاف من هذه العملات لتغطية الطلب الكبير عليها في السوق المحلية وذلك على شكل ودائع كبيرة أو منح وهبات أو قروض طويلة الأمد .
5-تنفيذ إجراءات ومعالجات حازمة للسياسة النقدية المتبعة ومكافحة الفساد وكبحه في طريق القضاء عليه أو تضييق الخناق على الأقل عليه وردم وتجفيف منابعه .
6-تنفيذ سياسة تقشف صارمة لتقليل بنود الدولة وإلغاء الكثير منها كإغلاق السفارات غير الضرورية في الخارج وتخفيض الميزانيات ..الخ
7-حدوث بعض التطورات السياسية ممكن أن يوقف التدهور وتحسن صرف العملة الوطنية ، كإيقاف الحرب العدوانية المدمرة الجارية والتي استنزفت كل موارد البلد و(صفرت) الميزانية ، أو مثلاً توقيع اتفاقية سلام بين جميع الأطراف المتصارعة على الساحة .
8-حدوث حالة من الاستقرار السياسي والأمني في البلد وانتهاء حالة الفوضى الرهيبة السائدة .
وربما بعض الأسباب الأخرى التي لا تحضرني الآن ولكن هذه في اعتقادي أهمها .
بحصول هذه الأسباب أعلاه أو معظمها يمكن فهم حالة التحسن في صرف العملة الحاصل ، ولا يحدث ذلك بالتمني أو بعصا سحرية ، فهل حصل أيٌّ من ذلك أو على الأقل بعضه في حالتنا ؟؟
سوف نستعرضها واحداً واحدا ونرى أنه ولا أيُّ واحد من تلك الأسباب قد تحققت :
بالطبع وكما يعرف الجميع لم يتوقف العبث ، ولم يتم سحب ولا ريال من العملة المزورة التي طبعتها حكومة (الفنادق) العميلة للعدوان ، وما زالت تغصّ بها السوق المالية حتى أنه يقال أن ما طبع من العملة الوطنية خلال فترة العدوان (سبع سنوات حتى الآن) يفوق ضعف ما طبع منها في تاريخنا المعاصر منذ عهد ثورات الستينيات وقيام الجمهوريتين في الشمال والجنوب.
ولم يُضف أي رافد جديد من روافد الاقتصاد ، بل على العكس خرجت أو توقفت روافد قديمة ، حيث أوقفت (الهبّة) الحضرمية المتزامنة تصدير نفط قطاعات حضرموت ، وأوقفت حتى تصدير الأسماك عبر القاطرات البرية التي جرى احتجازها ومنعها من بلوغ المنافذ البرية للتصدير للخارج !!
ولم نسمع عن ورود أي ودائع أو منح أو هبات أو حتى قروض من العملات الأجنبية دخلت البنك المركزي المنقول قسرياً إلى عدن .
ولم تدشن أي سياسة نقدية جديدة وما زال العبث بأموال وقوت الشعب هو سيد الموقف ، والمتاجرة والمضاربة بالعملات باقية كما كانت بل إنها تتوسع وتأخذ أشكالاً ومستويات أكبر وأخطر ، كل ما في الأمر أنه تم تغيير محافظ البنك المركزي الفاسد في عدن بمحافظ فاسد جديد وقد تعلمنا الاّ نراهن على هكذا تغييرات فالمرتزقة كلهم نفس النوع ونفس المدرسة ، وحتى لو كان الأمر خلاف ذلك فمن متى كانت تقاس أو تقيّم هذه السياسات النقدية المعقدة بالشخوص . وكذلك الحال بالنسبة للفساد الذي يتفاقم ويستوحش ويتغوّل حتى بلغ مستويات مخيفة ومدمرة ومعلنة على الملأ . ولم تخفّض بنود الصرف غير الضرورية وما زالت السفارات (الحشو) موجودة وتصلها مخصصاتها كما كانت بل وربما أكثر نتيجة التضخم ، حيث وصل الفساد والاستهتار بالمال العام إلى حد بيع بعض المباني والبنى التحتية لسفاراتنا في الخارج كما حصل بسفارتنا في روسيا . والتعيينات الجديدة لأقارب لصوص حكومة الفنادق مستمرة والمحسوبيات نفسها . أما على الصعيد الميداني والسياسي والأمني الداخلي ، فما زالت الفوضى تعم والعدوان أشد في قصف المدنيين اليومي حيث عاد وبجنون يستهدف العاصمة صنعاء وتضاعفت غاراته لتتخطى مائة غارة في اليوم وهو أبعد ما يكون عن السلام ، ولا أي نذر أو تباشير لأي اتفاق سلام أو مبادرة ما من المحيط العربي أو من المجتمع الدولي ومنظماته الخرساء التي فقدت زمام المبادرة وانكشفت بشكل معلن ومفضوح كشريك أساسي في العدوان على شعبنا وحصاره وتجويعه ومنع عنه الغذاء والدواء ، والمطارات والموانئ أغلبها لا زال معطلاً ، والوضع الأمني في المحافظات المحتلة أبعد ما يكون عن الاستقرار والقتل اليومي العبثي مستمر في شوارع المدن وفي وضح النهار ، وغياب أو انقطاع لأغلب الخدمات وتآكل مخيف في هياكل الدولة المختلفة وحمى ارتفاع الأسعار تجلد المواطن البسيط المغلوب على أمره ولا أي تغيّر حدث ولن يحدث ، ومن يتوقع أصلاً أن تُحدث حكومة الفنادق المرتزقة الفاسدة العميلة أي اختراق يُذكر وفاقد الشيء لا يعطيه ، ومن الجدير بالملاحظة أن هذا الارتفاع الشكلي لسعر صرف العملة الوطنية والذي وصل لـ 50% لم يصاحبه بالتوازي انخفاض في أسعار السلع المختلفة – نعم حصل انخفاض بسيط لكنه لا يوازي بأي حال من الأحوال حتى رفع هذا التحسن – .
إذن ما هو سبب فقاعة تحسن صرف العملة الوطنية في المناطق المحتلة في ظل غياب كل الأسباب المنطقية والمعقولة ؟؟
لا أدري ، ولا أعرف بصراحة أي لعبة جهنمية يلعبها هؤلاء المرتزقة المجرمون ، فمن تاجر بدماء الناس فلن يتورع عن المتاجرة بأقواتهم وهذا ما يحصل الآن بالضبط .
نترك الإجابة عن هذا التساؤل للمختصين، وسوف تثبت الأيام القادمة مدى هشاشة هذه الكذبة ، هل هو تحسن حقيقي وفعلي كما يعتقد بعض المتفائلين أم تدحض هذه الكذبة وتفندها الحاجة الحقيقية للسوق وتعود الكارثة بشكل أكثر مأساوية وأرجو من كل قلبي أن لا يحدث هذا ..
أخيراً يهيمن عليّ حدس مفاده أن كل ما يجري ما هو إلا محاولة بائسة لمحاكاة الوضع المالي في المناطق الصامدة بطريقة مثيرة للسخرية بعد أن كثر حديث الناس ، والناس دائماً يقارنون ..
ولا يخلو الأمر من محاولة خبيثة للنيل من السياسة النقدية وأسعار الصرف في المناطق الصامدة ومحاولة تخريبها ، كيف ؟؟ لا أدري فقد قلت سلفاً أنه مجرد حدس ..