لا ريب انه في حالات كثيرة يتم التعسف في فهم وتطبيق الحيازة، حيث يتمسك بالحيازة بعض المستأجرين المتمردين عن دفع الإيجار أو غلال الأرض يتمسك في مواجهة المالك ، في حين أن عقد الإجارة إقرار من المستأجر بأن الأرض التي يحوزها المستأجر ليست ملكه وإنما يده على الأرض ليست يد مالك حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/ 11 /2018م في الطعن رقم (59795)، الذي قضى في أسبابه بأنه ((والطاعنون اكتفوا بالتمسك بالحيازة والثبوت ولم يقدموا أي مستند ملكية للأرض محل النزاع وعجزوا عن الرد على الإجارة الصادرة من مؤرثهم فلم يدحضوها بقادح شرعي، فحيازتهم تعني الانتفاع المؤقت الذي ينطبق عليه نص المادة (766) مدني التي بينت ما للمستأجرين من حقوق كالعناء (الشقية) بحسب العرف عيناً أو نقداً، ولذلك فالطعن لا يناهض ما قضى به الحكم المطعون فيه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الحيازة ونوع حيازة المستأجر:
الحيازة كما هو مقرر في أحكام الثبوت في القانون المدني هي: ظهور الحائز على المال بمظهر المالك للمال وتصرفه في ذلك المال تصرف المالك عن طريق قيامه ببيع غلاله أو تأجيره أو البناء عليه أو الحفر فيه وغير ذلك من مظاهر حيازة المالك، وقد يظهر المستأجر على الأرض بمظهر المالك حيث يقوم بالتصرف في المال الثابت عليه بموجب عقد الإجارة إلا أن هذا الثبوت لا يكون من قبيل الحيازة أو الثبوت المكسب للملكية، لان عقد الإجارة الصادر من الحائز أو أسلافه تكذب ظهوره على الأرض بمظهر المالك، فعقد الإجارة إقرار صريح فصيح من المستأجر الحائز أو من أسلافه بان الأرض التي بحوزته ليست ملكاً له حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، بل أن ادعاء المستأجر الحيازة وتمسكه بها في مواجهة المالك يعد جريمة خيانة الأمانة حيث قام بضم غلال أو عائدات المال المؤتمن عليه والمسلم له على سبيل الأمانة إلى ملكه واذا تصرف في أصل المال ذاته بالبيع أو غيره فأنه يكون قد ارتكب جريمة التصرف في مال غيره، فلا يكون ذلك مظهرا من مظاهر الثبوت أو الحيازة.
الوجه الثاني: امتناع المستأجر عن دفع الأجرة لمدة طويلة لا يجيز له التمسك بالحيازة في مواجهة المالك:
بعض المستأجرين يتمسك بالحيازة في مواجهة المالك مستدلاً بأنه قد ظهر على المال بمظهر المالك وامتنع عن دفع الأجرة لسنوات طويلة تجعله قد تحول من مستأجر إلى حائز لأنه لم يعد معترفاً بملكية المالك حيث امتنع المستأجر عن دفع الأجرة واستأثر بالأرض وعائداتها لنفسه دون مالكها مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، الذي قضى بان امتناع المستأجر عن دفع الأجرة ولو طالت مدته لا يكسبه الحق في التمسك بالحيازة في مواجهة المالك، لأنه قد سبق له أو لأسلافه بموجب عقد الإجارة الإقرار للمالك بملكيته للأرض، فهذا الإقرار يدل على أن يد المستأجر على الأرض ليست يد مالك بل يد مستأجر، والله اعلم.
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء