أسر عظيمة صنعت المعجزات

ملامح من حياة الشهداء تكتب بدم الوفاء

 

 

تركوا الحياة وملذاتها وسارعوا إلى الله مخلصين له البيعة، لا يريدون من الناس ولا من دنياهم جزاءً ولا شكوراً، فاصطفاهم الله بالشهادة في سبيله..
الشهيد محمد حسين علي خيران من مواليد صنعاء الأمانة 1984م حاصل على بكالوريوس هندسة حاسوب عام 2008م، كان شغوفاً بطلب العلم والمهارات التعليمية ولغة العصر ما أكسبه شخصية متجددة وموهبة فريدة من نوعها، وكان أساس تميزه أنه كان سباقاً منطلقاً في سبيل الله ولا يخشى لومة لائم، غيوراً على حرمات الله أن تنتهك، وفي مختلف الجبهات له صولات وجولات، سنوات انطوت منذ انطلاقه مسطراً فيها أروع البطولات، ولكن شاءت الأقدار أن تكون منطقة كيلو 16 في الحديدة نهاية مشواره الجهادي ليلفظ أنفاسه الأخيرة في قلب ميدان الجهاد وليسقط شهيداً برصاصة غدر مودعاً دنياه وليسعد قلبه بتحقيق أمنيته بأن يصطفيه الله شهيداً..
تاركاً الحمل على زوجته وأهله لإكمال مسيرته الأبوية بتربية أبنائه الذين ودعهم منذ أربعة أعوام، بعد أن ظلت جثته في موقع استشهاده ما يقارب أربعة أعوام، لم يتمكن أحد من انتشالها، نظراً لوقوعها في خط التماس مع العدو الذي منع أهالي الشهداء من استلام جثث أبنائهم.

استطلاع / أسماء البزاز

تقول زوجة الشهيد: جاء خبر استشهاده، عندما اتصلت ابنة عمتي، حيث كان زوجها في منطقة كيلو 16 بعد أن انسحب المرتزقة حيث كان زوجها يبحث بين الجثث عن الشهيد محمد خيران، وأخبرتني أنه وجد جثة طولها وعرضها مثل جسد زوجي سلام الله عليه ، حاولت أن أتمالك نفسي حينها فتوضأت وصليت وذكرت قول الله تعالى (﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ )) وبعد ربع ساعة فتحت التلفون وقلت لها: هو زوجي لا محالة، قالت : هنيئا له الشهادة، فقلت لله الحمد والشكر، له ما أخذ وله ما أعطى.. خذ يا رب حتى ترضى وتقبل منا بيعنا..
وعن تربية أبنائه تقول :عاهدت الله أن أربيهم على دربه في رفع راية الإسلام ومحاربة الظالمين من اليهود والنصارى ومن هاودهم وناصرهم.
أما والدته فقد جاءها الخبر وهي تشتري مصاريف للمنزل، فقالت بكل رضا وطمأنينة: يا ربِّ لك الحمد والشكر، أعدت إليَّ فلذة كبدي شهيداً.
وداع
ندى ابنة عم الشهيد عبدالملك عبدالكريم ناصر جريد (أبو جبريل) سردت لنا قصته بالقول: لقد كان شاباً في عمر الزهور، لم يتجاوز الـ 22 من عمره متميز عن أبناء جيله، هادئ، خجول، ومهذب جداً..
كان يملك أخلاقاً عالية وروحا محبة للوطن وللبذل في سبيل الله، بالفطرة يميز الحق فينصره ويدرك الباطل فيجتنبه وينهى عنه .
ومضت بالقول: بعد انضمامه إلى المسيرة القرآنية ازداد إيماناً ويقيناً بالله وترصعت شخصيته بأخلاق أصحابها السائرين على نهج كتاب الله ورسوله وآل البيت، لم يتردد أبداً في التوجه إلى الجهاد في سبيل الله منذ بداية العدوان الغاشم حتى لحظة استشهاده، ولم يكتف بالانضمام إلى المسيرة فحسب، بل ظل ينصح ويوجه ويرشد من هم أكبر منه ومن هم أيضا أصغر، فحشِّد الكثير من إخوته وأبناء عمومته والكثير من أهل قبيلته للتوجه إلى جبهات القتال ببسالة وبلا تردد، واستمر مدافعاً عن وطنه حتى آخر لحظة حياته.
يوم استشهاده
وصلت إخبارية إلى المشرف على المعركة بتحديد الطيران موقع أبو جبريل كهدف فقام بإبلاغه بالنزول سريعا وتبديل الموقع، لكن الاقتحام كان في أوجه ولم يكن ترك أبو جبريل لموقعه في تلك اللحظة في صالح المعركة فلم يجد سبيلاً إلا أن يصمد في موقعه، بل ولم يسمح للمجاهدين بالانسحاب.. شد العصابة على رأسه وأخذ مكبر الصوت مردداً « اللي عيرجع منكم أو ينسحب عتضربه بالمعدل حقي» ظل يحمي ظهور المجاهدين من خلفهم رغم علمه بأن طائرتهم اللعينة عائدة ولم يبال.. لم يبال سوى بالشهادة، وفي تاريخ 2018/8/18م تحقق له ما تمناه بشدة ونال الشهادة.
غادرت روحه حياتنا الدنيا الزائلة وانتقل إلى جوار ربه حياً يرزق إلى يوم البعث والنشور.
لم يستطع أحد إبلاغ أهله بالخبر، لأن استشهاده كان في يوم عيد الأضحى، فانتظروا حتى ثاني أيام العيد فأوصلوا الخبر إلى مسامع أهله.
وأضافت ندى: يومها كنت في نزهه أنا وأهلي في «عتمة» القريبة من قريتنا حيث جرت العادة كل سنة بأن نزور أهل قريتنا وأقاربنا هناك ثاني أيام العيد.
وتابعت: وصلت على صوت بكاء النساء المكلومات، فرحات باستشهاده.. نزل الخبر عليِّ كالصاعقة لم نستطع أبداً تصديق الخبر ولم نستوعب انطفاء روحه ومغارته هذه الدنيا إلا بعد عدة أيام عندما أحضروا جثمانه بقرع الطبول وأصوات البنادق احتفاء باستشهاده.. لم يتبق من جسده إلا أجزاء صغيرة جدا تكاد لا تزن الكيلو جرام الواحد، فلم يبق الصاروخ الغادر من جسده إلا بضعة أشلاء تدل على أنه يوما ما كان معنا وبيننا أحد الأبطال الشجعان ذلك الذي قاتل دفاعاً عن عرضه ووطنه واستبسل حتى استشهد، وما هي إلا بضع سنين حتى التحق به أعز أصدقائه ابن عمي الآخر «عبدالملك رزق جريد»
وختمت حديثها بالقول: سلام الله عليه وعلى كل المجاهدين الأشداء الذين بذلوا أنفسهم وضحوا من أجلنا في ميادين الشرف والبطولة واشتروا من الله حياتهم من أجل أماننا وسلامنا واستقلالنا وسيادتنا إنهم حقاً رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
خسارة وطنية
أما الكاتبة والدكتورة أسماء الشهاري فتسرد لنا قصة الشهيد البطل اللواء طه محسن المداني قائلة: كان كثير العمل، كثير الذكر، قليل النوم، كان ذلك القائد الميداني الفذّ، تفوق عسكرياً وأمنياً، كما كانت له الصولات والجولات في الميادين، وعلى يديه تُصدُّ الزحوف وتقتحم المواقع وتُصنع المعجزات بتأييد الله له وبقوة بأسه وشكيمته وحرفيته القتالية العالية، فقد تفوق وتميز أيضاً في الجانب الأمني، وكان له الفضل في تكوين الجهاز الأمني لأنصار الله وتطويره والوصول به إلى ذلك المستوى حتى استحق بجدارة أن يقدم خبرته الطويلة إلى ثورة 21 من سبتمبر 2014م التي انبثقت منها اللجان الشعبية بذلك المستوى من النباهة وعلى درجة عالية من الالتزام بالأخلاق القرآنية والقيم الإنسانية لتكون هي والقائد العظيم أبو حسن رافداً كبيراً وقوياً لأجهزة الدولة، فأوصلها إلى ذلك المستوى العالي من الإنجاز، وتقف أمامها الأجهزة الدولية الاستخباراتية عاجزة، حتى أن الفضل بعد الله يعود له ولرفاقه في ما تنعم به العديد من محافظات الجمهورية من أمن وأمان خاصة في المناطق المحررة.. لقد قدم الشهيد أنموذجاً حياً وعملياً لمنظومة أمنية وقرآنية وعرف كيف تستطيع الدول أن تحقق الاتكفاء الذاتي في الجانب الأمني دون اللجوء أو الحاجة إلى أحد، لقد استحق الشهيد أبو حسن بكل جدارة أن يكون مشرفاً للجان الأمنية، ومستشاراً لوزير الداخلية، وعضواً للجنة الأمنية العليا.
وعلى الرغم من ذلك انطلق مجاهداً وقائداً في مقدمة الصفوف لينتصر لقضيته العادلة في التصدي للشيطان الأكبر ومواجهته، فهو يرى أن المنصب الحقيقي الذي يليق به هو أن يكون فارساً مقداماً في ساحات الشرف والبطولة، وأخيراً ترجّلَ الفارس العظيم بعد مسيرة نضالية وجهادية طويلة حافلة بالبطولات والإنجازات والانتصارات بعد أن نكّل بالأعداء ولقنهم أقوى الدروس التي لن ينسوها طيلة حياتهم، لينال الشرف والوسام الذي يليق بالعظماء من أمثاله، وهي المنحة الإلهية التي يستحقها من كان مثله.
وأضافت الشهاري: كان اسم طه المداني يمثل للأعداء هاجساً مخيفاً يؤرق منامهم ويقضّ مضاجعهم حتى أنهم لقبوه بـ»عقل المليشيا»، وكان خبر استشهاده سيسبب إحباطاً كبيراً في معنويات كل من عرفوه خاصة المجاهدين الذين كانوا يستمدون من صموده وشجاعته وبأسه أجمل الآيات والمعاني، وهكذا حتى جاء الإذن بالجهر بخبر استشهاده في الذكرى السنوية للشهيد ليكتشف العدو أن معلوماته الإستخباراتية لم تتمكن من معرفة أي شيء عن استشهاد قائد عسكري وميداني بحجم طه المداني.
لتكون دماؤه الطاهرة هي من تنير الطريق لكل الأحرار السائرين على درب الشهيد الخالد إلى مزيدٍ من التضحية والبذل حتى النصر.
ثمار تضحيته
أما والد الشهيد المغوار أمين الجرموزي فقد ابيضّت عيناه من الحزن على رحيل فلذة كبده، ولكن ما يهوّن عليه فاجعته وألمه هو أن ذلك الفقد كان في سبيل الله والوطن.
يقول والد الشهيد: كلما أرى صورة شهيد أرى صورة ابني، وكلما أرى المجاهدين في التلفاز أتذكر أمين، وكلما أسمع زاملاً اسمع صوت ابني يردد معه، صورة ابني لا تفارقني، ويكفيني عزاً وفخراً أن النعيم والأمان والاستقرار الذي تشهده بلادنا كان ثمرة لهذه التضحية.
واسترسل: منذ طفولته وهو طائع ومحب لي، محافظ وملتزم في دينه وأخلاقه، أكمل تعليمه وحصل على بكالوريوس إعلام وعمل في صحيفة «الثورة» محرراً صحفياً في الإدارة الاقتصادية، بل وحصل على دبلومات عدة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية وانخرط في العديد من الدورات والمخيمات الكشافية، وما إن دعا داعي الجهاد حتى جاهد بقلمه وعمله وماله وروحه وترك مشروع الزواج، مقبلا على مشروع أعظم هو التجارة مع الله ولم يعد إليَّ إلا في صندوق يحمل جثته ملفوفاً بعلم وطنه ووصية تركها لنا بألا نخاف ولا نحزن وأن الشهادة هي حلمه ومبتغاه.. فسلام عليه وعلى أرواح كل الشهداء.

قد يعجبك ايضا