“ليس للكرامة جدران” .. الفيلم اليمني الذي لفت انتباه العالم


“مصداقية الفيلم هي ما جعله مرشحا للفوز بجائزة الأوسكار العالمية” .. كان مختصر إجابة المصور أمين الغابري عن السبب الذي أوصل فيلم (ليس للكرامة جدران) إلى المرحلة النهائية من تصفيات الأوسكار ضمن خمسة أفلام على مستوى العالم.
لايشير “الفيلم” لمتابعه وجود تكلف في إعداده وإنما بساطته هي التي جعلت منه محلا لاهتمام متابعيه لدى استعراضه في بيت الثقافة السبت الماضي أو لدى جائزة الأوسكار العالمية التي رشحت الفيلم للفوز بجائزتها.
عند بداية استعراض الفيلم ظننا أن “جلبة” خارج القاعة عكرت صفو الاستماع لهذا الفيلم إلا أن تلك الجلبة كانت هي المقدمة للدخول إلى المضمون حيث استعرض باختصار كيف كان الوضع في ساحة التغيير وكيف كانت تعج بالحركة والحيوية والنشاط وما كان يتمتع به الثوار من حب لتقديم الخدمات لبعضهم وللزائرين سواء كانت تلك الخدمات مدفوعة أو غير مدفوعة.
الصورة المتحركة كانت هي المضمون الرئيسي للفيلم مع لقاءات قصيرة مع مصور الفيلم نصر النمر ووالد أحد شهداء جمعة الكرامة واستعراض لأصغر شهيد سقط فيها إضافة إلى الطفل نصر الذي فقد عينيه بسبب مقذوف ناري في وجهه جعله أعمى مدى الحياة.

اللحظات الأولى
يعرض الفيلم اللحظات الأولى لمجزرة جمعة الكرامة في الـ18 من مارس 2011 والتي راح ضحيتها 53 شهيدا منذ أن بدأ من أسماهم مقدم الفيلم “البلاطجة” بصب مادة حارقة على الجدار الذي كان يفصل ساحة التغيير من جهة الجنوب بشارع الدائري عن حي الجامعة القديمة كما يعرض بدقة عالية بدايات إشعال الحريق بعد الانتهاء من صلاة الجمعة حيث ارتفع الدخان عاليا وبدأ إطلاق النار صوب ساحة التغيير.
يعرض الفيلم أيضا لقطات فيديو بدقة عالية لصور المسلحين الذين كانوا يحتمون بالجدار الفاصل بينهم وبين ساحة التغيير ويرصد تحركاتهم قبيل ارتكابهم المجزرة حيث أظهرت تلك اللقطات مسلحين بوجوه مكشوفة يتمكن المتابع من تمييزهم ومعرفتهم وهو ما يجعل ملاحقتهم أمراٍ حتمياٍ وضرورياٍ وفقا لمنتجي الفيلم.
يقول عبدالرحمن الغابري مدير تصوير الفيلم لـ”الثورة” ” لقد استغرق إعداد الفيلم وقتا وجهدا كبيرين بداية من جمع مواده ومرورا بمراحل الإنتاج التي لم نتمكن من عملها في اليمن وانتهاء بالتسويق والترويج للفيلم حتى وصل إلى المراحل النهائية من تصفيات جائزة الاوسكار العالمية”.
ويضيف: “بذلنا جهدا مضنيا حتى اجتمع فريق الفيلم كما بذلنا جهدا في تجميع المادة المصورة حيث حرصنا على أن تكون المشاهد ذات نقاوة عالية” .. مشيرا إلى أن المشاهد هي من تصوير منتجي الفيلم الذين عايشوا لحظة المجزرة وهولها ومدى الاستبسال الذي قابل به شباب الثورة رصاصات “البلاطجة” من خلف جدران البلوك الذي كان يقطع شارع الدائري عند ركن المركز الإيراني سابقا.
سقوط الجدار
يظهر الفيلم لحظات سقوط عدد من شهداء جمعة الكرامة ولحظات هدم الجدار العازل بصدور عارية وجدت في الحجارة التي كانت تنهال عليهم من الاتجاه الآخر وسيلتهم الوحيدة للرد على الرصاص المنهمر على رؤوسهم وصدورهم في لحظة حاسمة من مراحل الثورة الشعبية.
يفسر الفيلم سبب استبسال شباب الثورة في صد الرصاص بصدورهم هو إدراكهم أن أي تراجع لهم سيجعلهم لقمة سائغة لأعداء ثورتهم السلمية فلم يكن أمامهم إلا الموت أو النصر.
يقول نصر النمر – مصور الفيلم لـ”الثورة”: “كان التصوير صعبا للغاية فالرصاص كان يستهدف كل حامل للكاميرا لكن أقدار الله هي التي حمتنا”.
وبالفعل فمن يشاهد الفيلم يشعر بهول الأجواء التي كان يعيشها شباب الثورة لحظات المجزرة لكن الجميع شعر برباطة جأش وقوة إرادة تتحدى الرصاص والموت – حسب النمر.
بعد هدم الجدار العازل اتضح للعيان أن المسلحين لم يكونوا لوحدهم فقد أظهر الفيلم وحدات عسكرية وعربات مكافحة الشغب في الواجهة فيما كان المسلحون إلى الخلف من الجنود وهو مادفع مصور الفيلم نصر النمر لدعوة الجهات المعنية بتنفيذ تحقيق شفاف في هذه الجريمة التي هزت كيان اليمنيين.

الفكرة والتسمية
يقول: عبدالرحمن الغابري لـ”الثورة” إن فكرة الفيلم جاءت من مخاوف كانت تنتابهم من أن يتناسى الناس ماحدث في جمعة الكرامة من قتل بحق شباب الثورة الذين قدموا أرواحهم من أجل كرامة الشعب اليمني.
مضيفا: “مع مرور الأيام بدأ الناس يتناسون تلك التضحيات التي قدمها شباب الثورة وما قمنا به هو توثيق لتلك المجزرة وإخراجها بشكل فيلم وثائقي تخليدا لذكرى هؤلاء الشهداء وهي دعوة للمجتمع بعدم نسيان ما قدمه الشهداء من أجل تحقيق الثورة”.
واستطرد: “لقد استطعنا من خلال هذا العمل أن نخلد ذكرى هؤلاء الشهداء وأن نذكر بهم الأجيال الحالية والتي ستأتي واستطعنا أن نوصل رسالة الشهداء إلى اليمنيين جميعا وإلى العالم أيضا.”
وعن تسمية الفيلم التي يبدو فيها العمق الشعري يقول الغابري: إنها جاءت من الفريق نفسه ولم يستعينوا بأحد في حين أنهم ليسوا شعراء – بتأكيده.
أما تكاليف الفيلم فيؤكد الغابري أن الفريق هو من مول نفسه بنفسه ولم يتلق دعما من أحد .. مشيرا إلى أن فريق الفيلم كانوا يدفعون من جيوبهم تكاليف التنقل والسفر والإنتاج وما إلى ذلك من تكاليف.
وعن لقطات الفيلم وهل كانت كل مالديهم يقول نصر النمر مصور الفيلم: “لم نتمكن من إظهار كثير من المقاطع والمشاهد بسبب بشاعة القتل الذي تعرضوا له واضطررنا لحذف الكثير حفاظا على مشاعر المشاهدين”.
أما تخصص الفريق فيؤكد نصر النمر أن لا أحد منهم متخصص في التصوير الصحفي أو في تصوير الجرائم – حسب قوله – وأنهم كانوا إما مصوري أعراس ومصمم جرافيكس لم يعملوا في وسائل إعلامية حتى الآن.
ويوجه عبدالرحمن الغابري في نهاية حديثه لـ”الثورة” دعوة للجهات المعنية في الحكومة بأن عليهم أن يتذكروا أن هؤلاء الشهداء كانوا هم من أوصلوهم إلى كراسيهم وأن هذه الكراسي التي يقعدون عليها لم تأت على طبق من ذهب وإنما بعد تضحيات شباب فضلوا الموت على الحياة والخيمة على البيت وقابلوا الرصاصة بالورد.
يذكر أن الفيلم أخرجته اليمنية المقيمة ببريطانيا سارة إسحاق وساعد في الإخراج عبدالرحمن حسين فيما أدار التصوير أمين عبدالرحمن الغابري وصوره نصر النمر.

قد يعجبك ايضا