عرفاناً ووفاءً للشهداء الذين بذلوا أرواحهم دفاعاً عن الوطن واستقراره، يقف اليمنيون في ذكراهم السنوية ليستلهموا منهم تلك المآثر التي تبقى إضاءات يستنير بها الباحثون عن الحرية والاستقلال في مكان من العالم الذي يئن من وجع المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية والمنافقين الذين تقمصوا أدوار الشياطين وأرادوا التفرد بالأرض والعيش الكريم.
سنوية الشهيد، تأتي لتؤكد معاني إيمانية تليق بتضحيات الشهداء الذين سطروا بدمائهم ملاحم بطولية في مواجهة العدوان، من خرجوا في سبيل الله لا طمعا في غنيمة ولا فيء، ولا طلبًا للرزق؛ وإنما رغبة فيما عند الله من خير هو أبقى، فكانوا “أبطالاً تفوقوا بقلة إمْكَانياتهم وقوة إيمانهم وصدق توكلهم على الله، فهزموا تحالفاً عدوانياً تفوقُ قدراتُه قدراتهم بملايين المرات، عدداً وعتاداً.”
وكان حقًّا على الأمَّة أن تجعل محطة زمنية لذاك الشّهيد الذي ضحّى بحياته حتى لا يُختم على أمّته بالهوان والتَّبعيَّة والعبوديَّة، فتحيي ذكراه بما يليق بعظمة الذكرى.
إنه الشهيد ” ذلك البطلُ التاريخيُّ الذي استطاع أن يُجيبَ على سؤالِ اللحظة التاريخية بصدقٍ وقوةٍ.. ولبّى الحاجة التاريخية لمجتمعه وأمته وزمنه والتي يجب أن يلبِّيَها كلُّ حُرٍّ وبَطَلٍ ومؤمنٍ..” حسب الباحث الدكتور حمود عبدالله الأهنومي “الذي يزيد عظمة الشهيد تجلّت في أنه تفاعل بصدقٍ وإخلاصٍ مع واقعِه الذي فرض عليه أن يَمضي في طريقِ الجهاد، وأن يَهدِم كلَّ تصوُّراته المُضادّة والبسيطة لثقافة الجهاد، فلم يَجِدْ الكوابحَ والمُعوِّقات التي تحُدُّ من أثرِ وفاعليةِ استجابتِه الحسنة لذلك التحدي.”
رجالُ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتوثّق مسارات معارك العزة والكرامة مرويات تحيي عظمة مواقفهم وتضحياتهم، وتؤكد عظمة تلك النفوس التي حملوها وبذلوها قربانا لله ومحبة فيه، ودفاعاً عن أرض ومبادئ أرادها الله سُبُل هداية إلى رضاه ونعيمه.
في الذكرى السنوية للشهيد نتذكر الرئيس الشهيد صالح الصماد، والشهيد طه المداني، والشهيد زيد علي مصلح، والشهيد أحمد العزي، والشهيد حسن الملصي، والشهيد أبو حيدر الحمزي، والشهيد ناصر القوبري، والشهيد أبو شهيد الجرادي، والشهيد اللواء أمين الحميري، والشهيد لطف القحوم، والشهيد أبو عمار المروني، والشهيد أبو خليل المؤيد، والشهيد إبراهيم بدرالدين الحوثي، والشهيد روح الله زيد علي مصلح، والشهيد أبو عمار القدمي، والشهيد اللواء عزي صلاح دحوه، وكوكبة الشهداء العظماء، ونقف عند الشهيد أبو حرب مهندس عمليات نجران، عند الشهيد القوبري، عند الشهيد طومر، والشهيد الجبري.
يقول الدكتور الأهنومي ليس هناك أفضلُ ولا أدقُّ من كلمة (شُهَداء) يمكن إطلاقها على أولئك القوم الذين حَمَلوا مناياهم على أكُفِّهم، وأكفانَهم على ظُهورهم، ساعةَ ذهبوا إلى الموقفِ الحقِّ فحضروه بقوة موقفهم، وأعلى مراتب استعدادِهم، لتحمُّل النتائجِ والآثارِ المترتِّبة على ذلك الحضور القوي والفاعل.
تشهد عليه جبال نجران
هو العميد الركن حسن عبدالله محمد المُلصي المكنى بأبي حرب، قائد عسكري من مغاوير اليمن وبطل من أبطالها الميامين ترجّل، ملتحقاً بركب الخالدين في جبهات الشرف والعزة والكرامة بنجران في 22 سبتمبر 2016، بعد رحلة جهادية حافلة بالبذل والعطاء، مدافعاً عن الوطن وكرامة أبنائه.
انطلق إلى ميادين الجهاد بتاريخ 13 -04- -2015 متوجهاً إلى جبهة نجران لأداء الواجب الديني والوطني، عقب تلك الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها قوى العدوان في العاصمة صنعاء، فاستفزته لينفر مقاتلاً ضد المعتدين، ففي مطلع أبريل 2015، تعرض أحد المنازل في حي الحصبة بصنعاء لغارة، وصادف أن تواجد الملصي في المكان، سارع الملصي لإنقاذ ضحايا الغارة من تحت أنقاض البيت المحطم، وبتأثر شديد أخذ يُخرج أشلاء الأطفال الذين قتلتهم الغارة، ليتخذ قراره بعدها بوعي وبصيرة نافذة، بالتوجه لساحة مواجهة العدو، ملبياً، نداء الدين والوطن، نداء الأشلاء والعجزة والمرضى، نداء الأرض والعرض.
المُخلص العميد
الشهيد العميد ناصر القوبري قائد جبهة نجران، أحد أبرز ضباط الحرس الجمهوري الذين انطلقوا منذ بداية العدوان السعودي على اليمن هو والشهيد العميد الركن حسن الملصي للدفاع عن حياض الوطن.
وكان اللواء ناصر القوبري أحد الضباط الذين حافظوا على معسكر الصمع في أرحب، أثناء اعتداءات ميليشيات حزب الإصلاح على المعسكر في 2011م واستطاع دحر ميليشيات الإصلاح من محيط المعسكر.
وبعد استشهاد البطل العميد حسن الملصي “أبو حرب” خلفه الشهيد اللواء الركن ناصر القوبري “أبو صلاح” لقيادة جبهة نجران.
قال عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي- وكان رئيس اللجنة الثورية حينها “رحم الله هذا الأسد البطل الحر ورحم جميع شهدائنا الأبطال في كل الجبهات”.
وأضاف: ”لقد كان أبو صلاح القوبري مثالاً للوعي والولاء والالتزام العملي ومثالاً للغيرة والكرامة والعزة عظم الله أجر أهله وذويه وألهمهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا اليه راجعون”.
ملحمة الإيثار
الشهيدُ هاني محسن صلاح طومر، المجاهدُ الذي ختمَ حياتَه بموقفٍ لا يُنسى؛ فكان الرجلَ الفدائيَّ الذي أنقذ زملاءَه ثلاثَ مرات، في مشهد لن يتكرّر إلا في الخيال.
كانت المعركةُ في أشدها، ومجموعةٌ من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة لا يزالون محاصَرين من قبل مرتزِقة العدوان، حينها قرر التحرك بآليته وفعلا تمكن من أجلاء مجموعتين منهم، رغم كثافة النيران، ثم ما لبث أن كرّر المحاولةَ مرةً أُخرى، لكن هذه المرة ليس في آليةٍ مدرعةٍ وإنما على متن “طقم” عسكري غير مدرع، وتقدم المقاتلُ البطلُ بثبات، متجاوزاً كُلَّ نيران المرتزِقة، حتى وصل إلى مكان الأبطال المحاصَرين، وحمل الجرحى، وعاد مرةً أُخرى إلى موقعه، بعد أن أنجاه اللهُ من كُـلّ نيران الحقد والكراهية والارتزاق، ثم أعاد الكرّة للمرة الثالثة في مسعى منه لفكِّ الحصار عن باقي زملائه وإيصال المَدَد لهم، فأقبل بآليةٍ عسكرية ثالثة، وفعلاً تمكّن من تجاوز نيران المرتزِقة بعناية الله، إلاّ انه لم يجد في المكانَ، زملائه المحاصرين، لم يتراجع أو يفكر بالفرار، وحاول الوصولَ إلى زملائه، غير أن مدرعتَه تعرضت للإعطاب، فاضطر إلى مغادرتها، والعودةِ إلى موقعه، إلا أنه ارتقى شهيداً شامخاً ثابتاً في التاسع من شهر فبراير من العام الجاري.
بعد استشهاد البطل طومر، أطلق أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة عمليةً عسكريةً وبعد ساعات تكللت العملية بالنجاح، وأسفرت عن تحريرِ السلسلة الجبلية لمنطقة “الدحيضة”، وتمكّن الأبطالُ من إخراج جُثمان “أبو فاضل” الرجل الذي وفى وضحّى بروحه في سبيل الله ولإنقاذ زملائه.
شارك الشهيدُ البطلُ الذي وُلِدَ في مديرية حيدان بمحافظة صعدة في أبرز العمليات العسكرية التاريخية مع العدوان الأمريكي السعوديّ ومرتزِقته (نصرٌ من الله)، (فأمكن منهم)، (البنيان المرصوص)، وعُيِّنَ مسؤولَ كتيبة المدرعات في اللواء 143 مشاة، لتأتيَ قصةُ استشهاده في ملحمة بطولية لا نظيرَ لها في تاريخ الحروب.
دُفن حياً
كان عبد القوي عبده حسين الجبري، يقاتل في الحدود ضد العدوان السعودي، وقد استشهد بطريقة بشعة اذ دفن حياً وقد كان أحد الأسرى في المخا.
لم يكونوا بحاجة لمثل هذا الفعل الذي ترفضه الأديان وترفضه قيم الإنسانية، لم يكونوا بحاجة لأن يعرّوا أنفسهم بهذا الشكل، كانوا أمام مقاتل جسد معنى الإخلاص ومعنى الوفاء وأبى التمرد على قيمه
ينتمي إلى مديرية جبل الشرق بمحافظتي الغالية ذمار، ذمار مصنع الرجال ومنبع العطاء والتضحية والفداء.
مشهد جريمة القتل الذي أظهره فيديو، نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على يد عدد من مرتزقة العدو الإماراتي من أبناء المحافظات الجنوبية الذين انخرطوا في مليشيا يستأجرها الحاكم الإماراتي محمد بن زايد لإشعال حروب الشارع اليمني لبشاعة الطريقة، ووثق الفيديو الجريمة الوحشية لقتل الأسير مظهرا عشرات المرتزقة الجنوبيين يحيطون بجثته التي دفنوها حاملين كل أنواع الأسلحة يحيطون به بعد تعذيبه بمادة الأسيد، طالبين منه أن يتلفظ بما يسيئ للسيد عبد الملك الحوثي فيما كان يستغيث بالقول ”اتقوا الله يا رجال”.
أشرف الكبسي، كان ممن نعوه، وحينها رثاه بكلمات بقدر وجع الحدث فقال: سيدي الشهيد الشاب عبد القوي الجبري، لا شك أنها كانت لحظات موجعة، تلك التي دفنوك فيها حياً ودفنوا معك ومعها ما تبقى من آدميتهم إن كانت يوماً لهم آدمية، لكن الأعمال العظيمة تتطلب تضحيات عظيمة وربما وجعا عظيما من رجل عظيم هذه المرة كان أنت.. نعم قد فاضت أنفاسك تحت التراب وظلت أنفاسهم وما تزال تلهث هناك ككلاب الجحيم المسعورة بالنفط وريالات الشيطان. لكنني أقسم بكل مقدس عرفه البشر في حضرة الله أنك انتصرت وأنهم هزموا.
وزاد في القول: إنه مهما وكيفما كان الصراع، جدير بكل إنسان ومسلم وعربي ويمني أن ينحني للنبيل الحي تحت التراب وفوق السماء، وأن يخلع قبعته وعمامته وعصبيته إجلالا وامتنانا لك ولكل الذين وارى الثرى أنفاسهم قبل جثامينهم لتنبت الأرض حياة آدمية وكرامة أخلاقية لكل السائرين بحرية وطنية قيمية فوق التراب.. أي تراب.