عفاف محمد
كان للمرأة العربية في عصر الجاهلية دور في عالم الأدب والشعر، ومن ذلك ما وصل إلينا من دواوين شعرية لأديبات وشاعرات، ومنها ديوان الخنساء بنت عمرو السلمية، وفي المكتبة العربية وجد كتاب قيّم بعنوان: ”شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام“ للكاتب اللبناني “بشير يمّوت” والذي جمعه وفصله عام 1939م، ومن ثم تم إعادة طبعه في نسخة حديثة عام 2013م بالقاهرة، ولن ننسى أن نذكر من شاعرات العصر الإسلامي الشاعرة ليلى الأخيلية، والتي قيل عنها أشعر شاعرات الإسلام وأغزرهن شعراً، وقد تبعها شاعرات العصر الأموي في الشرق والأندلس، ثم شاعرات العصر العباسي وما تلاه وصولاً لشعر تقية الصورية من نساء العصر السادس الهجري، والشعر النسائي طرق كل أبواب الشعر المعروفة من المدح والرثاء والهجاء والغزل والحكم والنصيحة وإثارة الحماس والوصف الطبيعي وأحياناً الغزلي، وفيه التحزب السياسي والقومي.
وفي عصرنا الحديث نتطرق للحديث عن شاعرات يمنيات مجيدات كان لهن بصمة رائدة في فترة العدوان على اليمن من قبل تحالف دولي أجهز على الأخضر واليابس، وحالهن حال الشعراء الفحول من شاركوا بقصائدهم ضد العدوان، ومنهن من امتزن بجودة الشعر ومسايرة كبار الشعراء في المتانة وصحة اللغة كليلى الأخيلية وبنت ظريف والفارعة وأم الضحاك.
ومن شاعرات اليمن من كتبن الفصيح ومن كتبن الشعبي، ومن أشهر شاعرات الصمود اليماني: جهاد اليماني، أحلام عبد الكافي، أمة الخالق الحوثي، أحلام شرف الدين، وفية العمري، تهاني الحمادي، نادية السقطي، خولة الغفيري، بتول المساوى، فاطمة حسين، مرام مرشد، والعديد من الشاعرات المتمكنات…
وهنا نتطرق لشاعرة تمترست خلف عفويتها، قالت الشعر الشعبي ونافست به في عدة ميادين وحازت على إعجاب الجميع لتفوقها وجمال أسلوبها، وليس لأنها أم لشهيد عظيم شدت الانتباه لقصائدها وإنما لجودة ما تطرحه وتنمقه وتسكبه في قوالب راقية ومتكاملة.
إنها الشاعرة:
{أمّ الشّهيد صالح العطوي}
شاعرة ومندوبة أسر الشهداء بمحافظة ذمار – مديرية الحداء – ثوبان بينون
أحبّت الشعر في سن مبكر وهي ابنة الربيع الثاني عشر، وكما عبّرت: كانت كلما أثارها شيء ترجمته في بعض الأبيات البسيطة، وكانت بداية تحس بالخجل إن عرف أحدهم أنها تقول الشعر وكأنها تقترف محرّماً وذلك لأن البيئة التي عاشتها لا تشجّع مثل هذه الأمور! ممّا جعلها تدفن هذه الموهبة في داخلها حيث لم تكن تقرأ ولا تكتب، ولكنها كانت تحفظ أبياتها عن ظهر قلب ولا تطلع عليها أحداً لأنها كانت تظنّ أنّ من حولها سيسخر مما تقول، ورغم كل ذلك كانت تجد الأنس وهي تهرع إلى عالمها الخاص لتنظم أبياتاً شعرية موزونة معبرة تشتكي فيها وتبوح وتبث كل ما يدور بخلدها من أفراح وأحزان، ولعل الظروف المحيطة هي من شكلت بداخلها الأنثى مرهفة الإحساس الفاقدة لحنان الأب و الأم في سن مبكر جدا، وقد احتواها جدها الذي كان رحيماً بها، واستمرت كذلك في بداياتها تنظم أبياتا متواضعة حتى توفي جدها فترجمت أحاسيسها بقصيدة رثاء قالتها في العلن في محيطها؛ فكان ممن حولها من تأثر وحزن لحزنها، ومنهم من تفاجأ وشجعها على إكمال المسير.
ومرت الأيام واستطاعت أن تكتب القصائد بعد أن تهيأت لها ظروف التعليم، وكانت تكتب عن كل حدث هام في حياتها، وتوقّفت فترة كبيرة عن كتابة الشعر حتى بدأ العدوان الغاشم على اليمن الغالي فأبت قريحتها إلا أن تنتج من واقع الألم الذي تعيشه أم الشهيد وأعلنت سخطها وتذمّرها على انتهاك حقوق أرضها وأهلها وخطّت قصائد مواكبة لكل حدث، وكانت أول قصيده لها بداية العدوان بعنوان: (دعوة للمّ الشّمل)
القلبِ يتمزّقْ وكبديْ حَرَّا
والعقلِ ضايعْ في متاهةْ فِكْرَهْ
أحسّ في داخلْ فؤاديْ جمرا
والعينِ تذرفْ دمعها في كَثرهْ
أبكي من أعماقي على ما يجرى
وما نشاهدْ من جرائمْ مُرّهْ
ياللأسفْ يا للسّواةِ النّكرا
يا للقيمْ يا للنّفوس الحُرّهْ
كيف استطاع الغربَ أنْ يِتْجَرَّا
حتّى قَدَرْ يوصلْ إلينا شرّهْ
نفثْ سمومهْ في جسدْنا جهرا
ولا حَدَ(نْ) منّا تفهّم غدره
صار الولدْ من والدَهْ يِتْبَرّى
والأخِّ يرغبْ قتلَ اْخُوهَ اْوْ أَسْرَهْ
ذيْ قَتَّلِ اْخْوانهْ وَيِعْلِنْ نصرا
وُهُوْ قتلْ من كان يِسْنِدْ ظهرهْ
واحنا الجسدْ والروحِ واحنا الفكرا
ودمّنا غالي علينا قدرَهْ
أرض اليمنْ تُغتالْ شبراً شبرا
حسرهْ عليكِ (ي) يا بلادي حسره
واحنا اليمن وأمرنا هو شورى
وفي كتابَ اللهِ يوجدْ ذكرَهْ
غيظوا عَدُوْكُمْ إنْ تريدوا فخرا
من أجلِ يرجعْ ما نوى في نحره
لانّهْ مخطّطْ كلّنا بهْ نِدْرَى
بسِّ العربْ عقولهمْ في سَكْرَهْ
راحوا ضحيّهْ في متاههْ كبرى
ولا خَذُوا من أيّ ماضي عِبْرَهْ
وكان ابنها الذي أحسنت تربيته قد وهب نفسه في سبيل الله إلى أن ارتقى شهيدا، وتقول عنه: كان ابني الشهيد شاعراً أيضاً، فكنا نجلس معاً ويقرأ كلماتي فيقول: والله يا أمّي إني أفتخر أنك تقولين مثل هذا الكلام.
فتقول له بدورها: يا بنيّ، هذا عدوان، وإذا لم ندافع عن بلدنا سيكون مصيرنا الهلاك.
وقد كان ابنها يطلب منها أن ترسل له بعض قصائدها؛ ويقول: والله إنّي أجد في كلماتك يا والدتي طاقة تغذّي نفسي.
ومن ضمن ما أرسلت له قصيدة بعنوان:
“العز والناموس”
على العزّ والنّاموس تشفي غليلها
رجال اليمن من كل خاين ومعتدي
بصفر المعابر لا تلهجم فتيلها
تصوّب بنادقها على خصمها الرّدي
تسوق المنايا سوق لايدي قتيلها
فلا ردّه اللهْ صاحب العيب الاسودي
وبالعزم والغيرهْ تقدّم جزيلها
وفي نصرة المظلوم تسمع وتنجدي
رجال(ن) خلقها الله والله وكيلها
تِسَابَقْ على حوض المنايا وتوردي
فهيهات ترضى الذلّ أو با يجي لها
قَسَمْ لو فنينا واحداً بعد واحدي
فهم علّة العادي ومرهم عليلها
هم السّمّ والتّرياق جمعاً ومفردي
أولو بأس وأهل المرجلهْ يا رجيلها
يهبّوا معاً في ثوب فرداً مقدّدي
على العزّ ما والله تغيّر سبيلها
تجوب الفيافي فدفداً بعد فدفدي
تردّ المكايل ضعف ما تستكيلها
فيا ربّنا اشهد ثمّ يا أرضنا اشهدي
على قرن شيطان المصايب رذيلها
على زمرته والكلّ عارف بمقصدي
على قوم ذي فينا تقدّم جميلها
على اصنافهم داعم سوا أو مؤيدي
على من تولّى الغرب وأصبح عميلها
ومن خان مكّه والمقام المحمّدي.
ومن بعد استشهاد ابنها قررت أن تستمر وبكل طاقة تمتلكها مجاهدة بسلاح الكلمة في سبيل الله وكذلك بالعمل أي: قولاً وفعلا، ومن أهم أعمالها الملحنة: (زامل حيّا دنينك يا سلاح المرحلة) وزامل (ما بقى لي يا زمن ما بقى لي) وكلاهما بصوت أسامة الصيرفي، وكذلك من كلماتها أنشودة قام بأدائها بعض الأشبال في الذكرى السنوية للشهيد بعنوان “سلام الله للشهداء سلام الله للعظماء”.
تميز شعرها بعدم التكلّف لأنها تقوله عفوياً وكان من براعتها ان اعتمدت في لغتها الشعرية على الجناس المقبول وردّ العجز على الصدر، تجدها قليلة الكلام بارعة التعبير عما بداخلها من أحاسيس بواسطة أشعارها، تنوّع في استخدام الأمثلة والأمكنة ليس لمجرد الشعر وإنما تعبير عن ارتباطها وألفتها عبر محطات حياتها، وكما أسلفت كان لولدها الشهيد دور في إذكاء جذوة شعرها واستخراج ما بداخلها من درر مكنونة اكتسبتها بالفطرة لا سواها.
من خلال قصائدها جسدت أم الشهيد العطوي انتماءها للدين والوطن ولم يتوقف سيل إبداعها، ففي كل حدث تجدها ترسم لوحة شعرية بديعة تتقن فيها الدخول إلى الحنايا.
ومن روائعها مرثيتها لابنها الشهيد:
رسالة فخر
من نظمي وشعري
اعبّرها بما يوحيه فكري
وفي طيّاتها باقات زهري
يترجمها من الأعماق صبري
عزائي فيه بل عزّي وفخري
ودافع عن حمى برّي وبحري
تحدّى قوّة العالم بجفري
ثقهْ بالله وسط الدمّ تجري
تصدّى للعدو ذي جا لقهري
وقال اليوم انا سلّمت أمري
لأنّ الحقّ لي والنّصر نصري
على درب الجهاد شدّيت أزري
لقد سلمت له مالي وعمري
بِيَدَّ الله تيسيري وعسري
إذا نلت الشّهادهْ خَذْتِ قَدْرِي
ف أللهم لك حمدي وشكري
إلى روح الشّهيد في يوم ذكراه
بقلب الأمّ ذي تشتاق لقياه
وله منّي تحيّة حبّ مهداه
على محنةْ فراقي له وفقداه
بأنّه ذاد عن دينه ودنياه
وباستبسال قد نكّل بأعداه
بإيمانه وتوكيله على الله
ومن يوثق بربّ الكون ماتاه
واسقط هيبة الطاغوت وقواه
لربّ العرش ذي عالم خفاياه
وهذا وعد من ربّي قد اعطاه
بنيّه صادقه قد بعت لله
ولا اشتي من حياتي مال أو جاه
ومن أخلص لوجه الله أغناه
ونلت الفوزْ ذي قلبي تمنّاه
بما صبّرتني لك حمد ترضاه
وقد نشرت لها العديد من الصحف قصائد عديدة منها قصيدة “عودة الأسرى” على صحيفة “شقائق” وقصيدة في ذكرى الشهيد “رسالة فخر” في مجلة “نور الهداية” وكذلك مشاركتها مع الشاعرات بمناسبة المولد النبوي الشريف على صحيفة “الثورة”، وقصيدة نحو الاكتفاء الذاتي، وأيضاً صحيفة “26سبتمبر” نشرت لها ما كتبته عن ذكرى الشهيد.
حصلت على عدة تكريمات منها في مهرجان الرسول الأعظم وأيضا تكريم من مؤسسة “ن” في مناسبة مولد الزهراء عليها السلام، وكذلك حصلت على تكريم من بيت الثقافة، ومن إذاعة وطن.
اليوم أصبحت الشاعرة أم الشهيد العطوي تشارك مع شعراء وأدباء مجيدين في السجال وتفوقت بأخذ الأوسمة بشهادة الجميع، كذلك أبدعت في المجاراة مع الشاعرات، كما تمّ استضافتها في إذاعات عديدة منها إذاعة وطن و سام إف إم برنامج فن الفنون، وقد فازت بهذه القصيدة عبر إذاعة وطن والتي هي بعنوان:(يماني في يدي عصمة قراري)؛ وتقول في مطلعها:
مع ابن البدر باردد شعاري
يموت الكفر والإسلام ينصر
كنا معكم في واحة شعرية مع شاعرة ماجدة معاصرة شقيقة الرجال جادت بروائعها مدافعة عن قضية وطنها والإيمان ينير دربها فأتقنت مخاطبة المتلقي برقي طرحها ونقاء سريرتها وعفويتها المنسابة انسياب الماء في السواقي .