ثقافة قرآنية
السيد القائد: الشهداء ضيوف الله في كرامته هم عنده في رحمته في حالة من الفرح والاستبشار الدائم
عبدالملك بدرالدين الحوثي
علينا أن درك قيمة الشهادة في سبيل الله، في ما تمثله من قيمة معنوية مهمة وتضحية وعطاء في مستوى القيمة المهمة لهذا الإنسان، ثم ندرك أيضاً أهمية هذه الثقافة وأهمية حمل هذه الروحية في ما تتركه من أثر كبير على المستوى المعنوي في نفوس الناس، فتحررهم من أغلال الخوف ومن قيود المذلة، وتجعلهم يتحركون في الميدان للتصدي لأعدائهم لقوى الشر لقوى الإجرام، لقوى الاستكبار، لقوى الطغيان بكل عزة بكل شجاعة بدون أي خوف، ليسوا مكبلين بالخوف من الموت لأنهم يحظون بالبديل عن الموت الذي هو الشهادة، وهم يدركون قيمة هذه الشهادة وما تصنعه من أثر في واقع هذه الحياة، في ما يكتبه الله للأمة التي قدمت شهداء، وما يكتبه الله للشهداء في أمتهم ثمرة من ثمار عطائهم وتضحياتهم، يدركون هذه القيمة هذه الأهمية هذه الثمرة هذه النتيجة الطيبة هذا الأثر العظيم في واقع الحياة هنا في الدنيا، وما للشهادة من فضل ومنزلة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى يحظى به الشهداء، لدرجة أنهم لا يتجهون نحو الموت لا ينتقلون إلى الفناء، إنما ينتقلون إلى حياة تكريما لهم فيما يدل على عظم هذه التضحية، قيمة هذه التضحية أهمية هذه التضحية، كيف يقابلها الله سبحانه وتعالى بهذا الفضل العظيم أن ينتقل الشهداء إلى حياة حقيقية عند الله سبحانه وتعالى كما قال في كتابه الكريم: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ) [آل عمران – 169] هم لم يتجهوا إلى حيث الفناء والموت الدائم إلى يوم القيامة، لا، انتقلوا الموت بالنسبة لهم لحظة عابرة وصغيرة، فاصل قصير جدًا جدًا ولحظة عابرة سريعة ينتقلون من خلالها إلى حياة لها هذه الميزة المهمة (بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ) في كل ما يعنيه هذا، هم عند الله هم ضيوفه هم في إطار كرامته ورعايته، لا قلق عليهم لا خوف عليهم، البعض قد يطمئن لأن ابنه أو قريبه ذهب إلى مكان يطمئن عليه فيه عند بعض من أقاربه عند جهة يطمئن عليه أنه سيحظى عندها بالرعاية والاحترام والإكرام والاهتمام، أما هؤلاء فهم عند ربهم حيث نطمئن عليهم كل الاطمئنان، يحظون برعاية خاصة منه جل شأنه في ضيافته تلك الضيافة المستمرة ليست مجرد ضيافة ثلاثة أيام أو وقت محدود ضيافة مستمرة ودائمة، (عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ) يمنحهم الله من أرزاقه فيما يؤكد لنا أنهم يعيشون حياة حقيقية قد تختلف -الله أعلم- في أي التفاصيل عن حياتنا هذه على كوكب الأرض لكنها حياة حقيقية يعيشون فيها هذه النعمة من الله هذا التكريم وحتى الرزق ويعيشون فيها أيضا على المستوى المعنوي والنفسي حالة عبّر عنها فيما يلي حين قال: (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران – 170] يعيشون على المستوى النفسي والوجداني وعلى مستوى الشعور هذه الحالة من الفرح، فرحين، فرحين بما وصلوا إليه فرحين بما هم فيه من النعيم الذي فيه الكثير والكثير مما يفرحهم مما يسعدهم مما يسرهم، فهم يعيشون فيما وصلوا إليه وفي ما هم فيه حالة الفرح حالة السرور حالة النعيم وأيضا فيما وراءهم في مسيرتهم في إخوتهم فيما تركوه وراءهم من أمة مجاهدة من إخوة ورفاق درب لا يقلقون عليهم هم يستبشرون يستبشرون لهم (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران – 170] هم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم بأنهم قد شاهدوا عندما وصلوا ما هم فيه من النعيم وما أمامهم من الخير، فهم يستبشرون للآخرين أن يلحقوا وأن يصلوا إلى ما وصلوا إليه ليعيشوا معهم ذلك النعيم تلك الحياة الراقية الطيبة التي يعيش فيها الإنسان بدون أي منغّصات.
ترك في هذه الحياة هنا في هذه الدنيا كل الهموم وكل المحن وكل الأحزان وكل المنغصات، وأصبح يعيش دائما في كل لحظاته في كل أوقاته في كل حياته تلك الممتدة بلا انقطاع حالة الفرح حالة السرور الارتياح الدائم، فإذاً فضيلة عظيمة، منزلة رفيعة درجة عالية، وحين قال الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَحسَبَنَّ) يوجه الخطاب إلى نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) وإلينا نحن إلى كل مسلم إلى كل قريب لشهيد أيضا إلى الأمة التي قدمت أولئك الشهداء وحين قال في آية أخرى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) [ البقرة – 154] (لا تقولوا) (ولا تحسبن) لا يكن في حسبانك في تقديرك في ظنك في توهمك أنهم في حالة من الموت والفناء، لا، بل هم انتقلوا إلى حياة حقيقية طيبة أفضل من هذه الحياة هم ضيوف الله في كرامته هم عنده في رحمته في حالة من الفرح والاستبشار الدائم، لا تقولوا أيضاً، -وهذا مهم أولاً على المستوى النفسي- كل أقارب الشهداء كل أصدقائهم، كل الذين لهم علاقة بهم قد يتألمون عليهم قد يشعرون ببالغ الأسف والحسرة على فقدانهم، هذا يطمئن الجميع أنهم انتقلوا إلى ما هو خير لهم أحسن لهم مما هو عندنا نحن، حياة أطيب وأهنأ وأسعد وأرقى، فلنطمئن عليهم على حالهم، ثم أيضا يمثّل هذا عاملا مهما في إدراك فضل الشهادة في سبيل الله، أنها لا تمثل خسارة أبدا، لا خسارة للذين منحهم الله هذا الوسام العظيم ووفقهم هذا التوفيق الكبير وأكرمهم بالشهادة فهم فازوا، هم انتقلوا إلى تلك الحياة الطيبة وإلى تلك المنزلة الرفيعة والعالية، ولا خسارة لذويهم لأسرهم لأقاربهم، لا، لا تمثّل خسارة أبداً، بل هي فوز عظيم كما عبر عنه في الآية المباركة.
ثم ما وراء ذلك جنة الخلد، ما بعد يوم القيامة ينتقل الشهداء إلى جنة الخلد التي وصفها الله في القرآن الكريم الوصف الكبير الكبير عن كل أنواع النعيم فيها، فالشهادة فوز عظيم لأنها ذات أثر إيجابي في واقع الحياة يكتب الله بها في واقع الحياة النتائج العظيمة، تثمر نصرا وتثمر عزة وتثمر قوة، وهي أيضا ثقافة تحرر الأمة من قيود الخوف من أغلال المذلة وتجعل من الأمة التي تتثقف هذه الثقافة التي تمتلك هذا الاستعداد العالي للتضحية أمةً شجاعة لا ترهب الأعداء ولا تخاف منهم مهما كانت إمكاناتهم ومهما كان جبروتهم وطغيانهم، تجعل منها أمةً شجاعةً قويةً مستبسلةً تنزل إلى الميدان بفاعلية عالية وليس بخوف وتردد واضطراب وقلق وتوتر وذلة وخوف ورعب وذعر، لا، وهذا له أهمية كبيرة جدًا في واقع الحياة وأثبت هذا، نرى ثماره ونرى نتاجه في هذا الزمن، عندنا في اليمن عند إخوتنا المجاهدين في لبنان وفلسطين والعراق وفي إيران وفي غيرها.
على مدى التاريخ، كم له من شواهد كثيرة وكثيرة، من أكبر وأعظم وأسمى شواهده إن لم يكن هو الأكبر ما كان في حركة رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما تحرك، عندما جاهد عندما قدم معه المسلمون الأوائل تلك التضحيات عندما تحرك وفق تلك التوجيهات القرآنية كيف كانت الثمرة الكبيرة، التي غيرت مسار التاريخ وملامح العالم وواقع الحياة بكله.