كان منتظرًا أن تأتي هذه العملية النوعية اليمنية داخل العمق السعودي تحت عنوان “عملية توازن الردع التاسعة”، لكن إذا حسبنا ما سبقها، وإذا رأينا القدرات النوعية الصاروخية والجوية (المسيرات) التي تم إطلاقها، وإذا تابعنا الأهداف الاستراتيجية والحيوية التي تم استهدافها بنجاح، يتبين أن عنوان عملية السابع من ديسمبر يحمل الكثير من الأبعاد التي يجب الإضاءة عليها، كما يلي:
لناحية القدرات النوعية، بحسب العميد سريع، استهدفت 6 طائرات مسيّرة نوع صماد 3 وعدد غير محدد من صواريخ ذو الفقار وزارة الدفاع ومطار الملك خالد وأهدافًا عسكرية أخرى في الرياض، فيما ضربت 6 طائرات مسيّرة نوع صماد 2 وصماد 3 قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف وشركة أرامكو في جدة، مع استهداف 5 طائرات مسيّرة نوع صماد 1 وصماد 2 مواقع عسكرية في مناطق أبها وجيزان وعسير، وتنفيذ عدة غارات بواسطة 8 طائرات مسيرة نوع قاصف 2K وعدد كبير من الصواريخ الباليستية على مواقع حساسة وهامّة في أبها وجيزان ونجران، فهذا الأمر يحمل بعدا عسكريا حساسا جدا لناحية تصاعد القدرات بعد كل عملية، من خلال مناورة متدرجة نحو الأعلى، تؤسس لتساؤل مهم، أصبح يفرض نفسه: إلى أين يمكن أن تصل هذه القدرات في العمليات اللاحقة، والتي تؤكد متابعة جميع معطيات الاستهداف الاستراتيجي اليمني للعمق السعودي أنها تتزايد وتتطور بعد كل عملية؟
لناحية مناورة الاستهداف، فإن طريقة توزيع المسيرات والصواريخ تحمل رسالة تكتيكية دقيقة، تترجم بما لا يقبل الشك أبدا، ما وصلت اليه عمليات القوات الصاروخية والجوية لوحدات الجيش واللجان اليمنية من تفوق في إدارة وتنسيق وتوزيع القدرات تبعا للأهداف، لأهميتها من جهة، ولبعد مسافتها عن الشمال اليمني من جهة ثانية، والأهم، لمستوى فعالية منظومات الدفاع الجوي السعودية – الأمريكية من جهة أخرى، بحيث تستهدف هذه القدرات- والتي تكون أكبر بالعدد وبالنوعية- الأهداف التي تستفيد من المستوى الأعلى من الدفاع الجوي، على عكس ما هو مفترض من الناحية التكتية العسكرية، والسبب في ذلك يكون بهدف رفع مستوى التحدي بوجه السعودية ومن ورائها الأمريكيون، لإيصال رسالة استراتيجية، مضمونها واضح: نحن (الجيش واللجان اليمنية) قررنا استهداف نقاط القوة لديكم، لاننا أقوياء قادرون ومقتدرون، وإلا، لماذا اختيار الأهداف الأكثر أهمية عسكريًا واقتصاديًا والتي تستفيد من شبكة الحماية الأكبر، واستهدافها بشكل صريح وبعد التحذير والإنذار المسبق؟
البعد الآخر الذي يحمل رسالة عن الثبات على مناورة الاستهداف الاستراتيجي لعمق المملكة، يمكن استنتاجه من اتجاهين، الأول يتعلق بترابط أغلب عمليات الاستهداف النوعي للعمق السعودي مع عمليات الاعتداء الجوي السعودي الواسع وخاصة للمناطق والأعيان المدنية اليمنية، والثاني، في ما شهدته مروحة الأهداف من توسيع جديد، من خلال إدخال منطقة الطائف هذه المرة، بما تحمله من دلالات ومؤشرات داخلية سعودية خاصة بأماكن تواجد واستراحات العائلة المالكة وخصوصياتها الاجتماعية.
صحيح أن للعملية اليوم (السابع من ديسمبر) كل هذه الأبعاد، ولكن أهميتها الأساسية أنها تؤكد وتؤشر وتؤسس لعملية لاحقة، أكثر فعالية وتأثيرًا، قد تكون باسم توازن الردع التاسعة، وقد تكون باسم تاريخها فقط، في مسار متواصل ومتطور، لن ينقطع إلا بتوقف الحصار وبتوقف العدوان وبإعادة التوازن إلى المسار السياسي العادل.
*عميد متقاعد في الجيش اللبناني باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية من لبنان