لماذا ندافع عن المنتج الوطني؟

م/وليد أحمد الحدي

 

 

سُؤال يطرُحًه عليّ الكثير باستمرار, والإجابة عليه قد تحتاج إلى مقالات، لكنّي سأختصرها في هذه السطور كون هذه الإجابة لها علاقة بالوضع الاقتصادي للبلد ومستقبله، والحالة المعيشية للفرد، وليس كما يتصوَّر البعض أن المنتج الوطني لا يستفيد منه سوى أصحاب المنشآت التجارية المحلية, وأن ما يقع عليه من أضرار تنْحصر عليهم وحدهم .
وحدها الدُّول الكُبرى القويَّة اقتصادياً من تَتحكَّم في مصائر الشُّعوب، وهي صاحبة القرارات التي تفرضها على بقية دول العالم, والتي بطبيعة الحال تصب في مصلحتها، تَستمد هذه الدول قوتها من عاملين رئيسين هما/ القوة الاقتصادية والقوة العسكرية، مع الإشارة إلى أن القوة العسكرية هي نتاج للقوة الاقتصادية، فمشاريع البحث العلمي والتَّصنيع العسكري وميزانيات التسليح لا تتأتّى إلا بقوة اقتصادية تمكنها من ذلك.
وبالعودة إلى العامل الاقتصادي نجد أن القاسم المشترك للعديد من الدُّول ذات الاقتصادات العملاقة والنفوذ الاقتصادي, هو اهتمامها الكبير بصناعاتها القومية ومنتجاتها المحلية بشكل عام، وحرصها على الاعتماد على ذاتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير الذي يحقق لها وفرة من عملة صعبة تدعم الاقتصاد وتُنعش العملة الوطنية، وخير مثال على ذلك اليابان الذي تحوَّلَ إلى رماد بفعل قنبلتين نوويتين قَضَت على جميع مقومات الحياة، لكنّه استطاع أن يتبوأ المرتبة الاقتصادية الثانية على مستوى العالم في غضون عشرين عاماً فقط من بعد تلك المأساة, كَرَّس خلالها جُل اهتمامه في دعم وتشجيع الصناعات الوطنية، حيث غَدَت المنتجات اليابانية الإلكترونية هي عماد الاقتصاد الياباني، الهند التي تمكنت من طرد المستعمر البريطاني عن طريق الاستعانة بسلاح مقاطعة منتجات المحتل البريطانية, والاعتماد كلياً على المُنتج الوطني بصرف النظر عن جودته ذلك الحين، كان من نتائجه انتعاش الصناعات الهندية في جميع المجالات خلال سنوات قلائل, وتحسُّن جودتها ومنافستها لأفضل منتجات العالم، التّنين الصيني الذي بات يُنافس الولايات المتحدة اليوم على زعامة العالم بسبب نمو الاقتصاد الصيني وانتشار صناعاته بشكل لافت خلال العقديْن الأخيرين ما تسبب بقلق بالغ لدى الأمريكان كان من نتائجه حرب اقتصادية ناعمة، ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا والقائمة تطول هي الأخرى دول كانت ضعيفة مُحتلَّة من قبل المنظمات الدولية وتتسوَّل المساعدات، لكنَّها اليوم أصبحت دُولاً قوية مُنافسة ليس بمقدور أحد التدخُّل في شؤونها، وذلك يقودنا إلى حقيقة مفادها أنه عندما تكون قوي اقتصادياً فبالإمكان أن تكون قوي سياسياً واجتماعياً وثقافياً وحتى رياضياً .
البُلدان ذات الرؤية الثاقبة لا تدَّخر وسيلة في سبيل دعم منتجاتها القومية والدفاع عنها, فتلجأ الى اصدار التشريعات التي تحمي منتجاتها من الإغراق, وتحرص على إقامة المعارض الدولية والحملات الخاصة للتعريف بها, حيث ترصد لها الميزانيّات الضخمة, وتمنحها مساحات واسعة من الإعلام ، لإدراكها العميق أن ذلك سيعود عليها بالمنفعة، وأنها ستجني أضعافاً مضاعفة لتلك الأموال عن طريق عائدات الضرائب والجمارك ناهيك عن الفرص الوظيفية التي ستقدمها تلك المنتجات لأبنائها، ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن دولاً في بعض الأحيان تَفتعِل الحروب من أجل دعم صادراتها من الأسلحة، وتُشعِل الأزمات الدبلوماسية في بعض الأحيان بسبب الدفاع عن مُنتج معين، فأين نحن من تلك الدول؟
وحقيقةً أستغرب أن تَقفْ بعض الجِهات المسؤولة موقف المُتفرِّج وكأن الأمر لا يعنيها عندما تعرَّضت مُنتجات يمنية محلية (زبادي) تدعم الاقتصاد الوطني وتعول آلاف الأسر لهجمة شرسة حاولت النيْل من النجاح والثقة التي حازتها لدى جمهور المستهلكين، والتي اتضح فيما بعد أنها صَنيعة دول تُمعن في محاربة اليمن اقتصادياً لإغراق السوق اليمني بمُنتجاتها، كُنت أتوقَّع وغيري أن نَشهد ردة فعل تتناسب مع تلك الهجمة، وأن يكون هناك تفاعُل غير مسبوق على المستوى الرسمي والشعبي كون ما حدث له تأثير ومضاعفات على الاقتصاد والمجتمع بأسره، وليس على أصحاب تلكُم المنشآت وحدها، كان أقل ما يمكن أن نشهد وقفة حقيقية جادة إلى جانب المنتج الوطني وهم الذين يدركون مخاطر الحرب الاقتصادية التي باتتْ تَفتك بحياة المواطن اليمني في ظل انقطاع المرتبات والحصار الجائر، فمن هو الخسران في حال إقفال مُنشأة صناعية تُعيل مئات أو آلاف العُمال؟ بالطبع العامل البسيط الذي سيُضاف إلى طابور البطالة هو أول المتضرّرين، وسيُعاني المُجتمع حتماَ من تلك البطالة، ووضعُه في هذه الحالة سيكون غير طبيعي لأن ذلك قد يُؤثِّر على سلوكه نتيجة الحاجة لمصدر دخل قد يدفع به الانخراط في طُرُق ووسائل غير مشروعة للحصول على المال, وهذا بحد ذاته سيكون له مضاعفات على الدَّولة والمُجتمع . الدولة التي تُشكِّل هذه المُنشآت مصادر إيراديِّة لها من ضرائب وجمارك وزكاة أيضاً هي متضرِّرة، وكذلك الاقتصاد الوطني الذي سيتضرَّر نتيجة زيادة في فاتورة الاستيراد, ونزيف العُملة الصعبة التي تدعم العملة الوطنية وتُعزِّز ميزان المدفوعات، أما بالنسبة للمُستثمر فقد لا يتضرَّر بتلك الدرجة كونه مُرحِّب به وبرأس ماله في أي بلد في العالم، سيّما وهو في الوقت الراهن يعمل في ظُروف صَعبة جداً من انعدام للوَقود وحِصار للموانئ وارتفاع تَكاليف التَأمين على الأصول وغيرها، وهذه بالمقاييس التجارية تُعد مُغامرة لأي مُستثمر !!
نحْن اليوم على مُفترق طُرق، فإما نَختار أن نَكون أقوياء أعِزاء كُرماء، نأكُل ممّا نَزْرع ونَلْبس مِمّا نَصنع، نَعتمد على صِناعاتنا وزراعتنا وخدماتنا ونُشّجعها بحيث لا نحتاج لكائن من كان ، أو نَمُد أيديَنا ونبقى نَتسوَّل المُساعدات والمعونات المشروطة التي تُفقدنا جُزء من استقلالية القرار والسيادة، فالمُنتج الوطني الذي يَتّكىء عليه الاقتصاد الوطني اليوم هو الأمل المُتبقي, وهو حبل النّجاة للجميع في ظل هذه الظروف القاسية، وتشجيعه باتَ ضرورة مُلحّة لتحقيق تنمية, وضمان أن نكون أقوياء اقتصادياً وبالتالي سياسياً، فلا حضارة بلا تنمية ولا تنمية بلا اقتصاد ولا اقتصاد بلا مُنتج محلي .

*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي**

قد يعجبك ايضا