التنمية المجتمعية

ابراهيم الهمداني

 

 

 

 

تُعد التنمية عنصراً أساسياً في تحقيق الاستقرار والتطور الإنساني، نظراً لما ينتج عنها من تطور شامل أو جزئي مستمر، في تشكلاتها وتموضعاتها المختلفة، التي تهدف إلى تحسين الحالة المعيشية، والرقي بالوضع الإنساني، وتحقيق نقلة نوعية من الاستقرار والتطور في حياة المجتمع، بما يلبي احتياجاته وتطلعاته، وبما يتناسب مع إمكاناته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تُعرف التنمية – حسب اصطلاح هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٥٦م – بأنها مجموع العمليات التي تُوجه بمقتضاها الجهود الأهلية والحكومية، بهدف تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية، ومساعدتها على الاندماج في حياة الأمم، والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن.
وتنقسم التنمية إلى قسمين:- أولهما: التنمية الطبيعية، ويُقصد بها التجديد الحاصل في بعض الموارد الطبيعية (الزراعية والاستخراجية) وموارد البترول وغيرها من العناصر الجديدة المفيدة للطبيعة.
وثانيهما:- التنمية البشرية، وتُعنى بتنمية عقل الإنسان ومواهبه ومداركه، وتزويده بكل جديد في مجال العلوم والمعرفة، وتأهيله تأهيلاً عالياً، كي يتمكن من تحقيق دوره الإيجابي في عملية التنمية ومسيرة الحياة عموماً، وفق أعلى وأرقى المستويات، وتحقيق أفضل النتائج في مسيرة التطور الإنساني.
تتخذ التنمية أشكالاً متعددة، ويمكن حصرها في شكلين رئيسيين هما؛
الأول:- التنمية البشرية:- وتهدف إلى رفع قدرات ومهارات ومواهب وإمكانات أفراد المجتمع في مختلف مجالات الحياة وجوانبها.
والثاني:- التنمية المستدامة:- وهي المخرجات الناتجة عن عملية التنمية البشرية، بوصفها كل ما ينتجه البشر أو يطورونه في ميادين الطبيعة والحياة.
وتُضيف العملية التنموية الناتجة عن التقاء التنمية البشرية مع التنمية المستدامة، بأنها إما أن تنتج حالة تنموية شاملة ومتكاملة ومنسجمة في جميع جوانب وميادين الحياة المختلفة، وإما أن تنتج حالة تنموية جزئية، حيث تظهر في أحد المجالات الرئيسية بمعزل عن بقية الجوانب، كالمجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أو في الجوانب الفرعية، كالتنمية الصناعية أو التنمية الزراعية أو التنمية السياحية، وغيرها.
ويمكن القول إن العملية التنموية – بشقيها الشامل والجزئي – هي عملية إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي على نحو إيجابي، من خلال تنفيذ مخططات ذات أهداف متوسطة أو بعيدة المدى، بهدف الانتقال بالمجتمع والظروف الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإنسانية، والبيئية المحيطة إلى وضعٍ أفضل، مع مراعاة أهمية الحفاظ على استمرارية التحول الإيجابي والارتقاء إلى الأفضل دائماً، وتجنب حالات الركود الفكري والجمود الإبداعي، الذي يؤدي إلى انتكاس وتراجع عمليات التنمية.
إن اعتماد استراتيجية الحكم الرشيد في عملية التنمية، قد يفضي إلى تحقيق مزيد من النجاح في العملية التنموية، خاصة إذا تم تكييف وتطبيق استراتيجية الحكم الرشيد، بما يتوافق مع احتياجات ومتطلبات المجتمع الضرورية، ومواءمتها مع موارده وإمكاناته الاقتصادية، وربطها مع الحالة الاجتماعية والقدرات والمواهب الفكرية والإبداعية، ويشترط في أي عملية تنموية أن تتجنب الإضرار بالبيئة والتراث الإنساني وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان، ويُعد ذلك مقياساً لمدى نجاحها، ومحافظتها على المكتسبات الحقوقية والسياسية والإنسانية، لتحقيق ما يُعرف بالتنمية المستدامة.
ومن مظاهر نجاح العملية التنموية، زيادة فرص العمل والحياة في مجتمع ما، دون التأثير على ممكنات المجتمعات الأخرى، وتلك الزيادة محسوسة وملموسة في مجالي الإنتاج والخدمات وغيرهما، وحينها يكون المجتمع قد وصل إلى التنمية الشاملة والمتكاملة، المرتبطة بحركة المجتمع تأثيراً وتأثراً، ويُعد الإنسان عماد عملية التنمية ووسيلتها وغايتها، لذلك يجب الاهتمام بالإنسان وتنمية مداركه ومعارفه وخبراته، لتتسنى للمجتمعات ممارسة العمليات التنموية وتحقيق التطور والازدهار.
يلعب المجتمع دوراً هاماً وحساساً في عملية التنمية، كونه يمثل محور ارتكازها والعنصر الفاعل في تحقيقها ونجاحها، ذلك لأن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها، سواء كان حضوره فيها بوصفه أحد مدخلاتها ومجالات استهدافها، أو بوصفه القوة الإنجازية في تنفيذها، وليست مشاركة المجتمع في العمليات التنموية ظاهرة حديثة، بل هي قديمة قِدَم المجتمع الإنساني، وقِدَم الوعي الإنساني بأهمية العمل الجمعي، وتعتبر المشاركة المجتمعية إحدى دعائم العملية التنموية، وهي تعبِّر عن إسهام مجموعة من أفراد المجتمع بإرادتهم طوعاً، في القيام بأعمال تهم المجتمع، بما يزيد من إمكانياتهم وقدراتهم في صنع واستغلال الفرص، التي من شأنها أن تؤدي إلى تنمية ظروفهم المعيشية وتحسين وضعهم المجتمعي، على اختلاف طبيعة ذلك الإسهام سواء كان بالمال أو الجهد أو الرأي.
ولذلك فإن دور المجتمع في عملية التنمية لا بد أن يسير في مسارين متوازيين، الأول:- يمثل القدرة على الاختيار والابتكار، والثاني:- يمثل القدرة على التنظيم من أجل تنفيذ المبادرات التنموية، ويُعد التنظيم شرطاً هاماً في الوصول إلى الأثر الإيجابي المجتمعي في التنمية، حيث ينتظم المجتمع في جماعات ولجان شبه مؤسسية، يتم انتخابها من قبل الأهالي، ويتم تقييم إنجازها من خلال ما قدمته من خدمات للمجتمع، واستجابتها لمتطلبات الواقع المجتمعي، وملاءمة أنشطتها وتوجهاتها لرؤى وتوجهات التنمية المستقبلية المستدامة الشاملة.
لا تتوقف النتائج الإيجابية للمشاركة المجتمعية في عملية التنمية، على مجموع المنافع المادية والمشاريع التي يحصل عليها المجتمع، بل هناك الكثير من الفوائد التي يجنيها أفراد المجتمع، من حيث زيادة نسبة الوعي التنموي والثقافي والفكري لديهم، وكذلك زيادة خبراتهم ومعارفهم وثقتهم بأنفسهم وقدراتهم، وصولاً إلى تكوين شخصياتهم القيادية المؤثرة والفاعلة في صنع القرار.

قد يعجبك ايضا