كان بإمكان موقف جورج قرداحي من الحرب في اليمن، أن يمر مرور الكرام , فهو رأي قاله في برنامج شبابي ينظمه المحفل الماسوني في قطر بل ويشرف على مسار حلقاته , وأغلب الشباب الذين يظهرون في البرنامج إما أعضاء في المحفل أو يُستغفلون , فالمسار والطابع الفكري كان يمثل توجها معينا , ذلك التوجه نعرف علاقته منذ النشأة وارتباطه بالماسونية العالمية , وهو يتحرك منذ عام 2011م في المسار ذاته الذي ترسمه له المحافل الدولية , ويقوم بتنفيذ الخطط والبرامج , حتى برامج التنمية البشرية قادها بكل تفان وإخلاص للوصول إلى نتائج الاضطراب والقلق الذي ساد بعد 2010م، وكان عاملا مهما في أحداث الربيع العربي , وفي الدموية المفرطة , وهو من وقف وراء جوائز نوبل للسلام , وهو من وقف وراء ترميز أسماء بعينها في عموم عواصم الربيع , وإذا نظرنا إلى الرموز التي أنتجها “الربيع” في مصر واليمن وتونس لوجدناها تنتمي إلى طيف سياسي واحد , وقد اختفت جل الرموز تلك بعد أن تبدلت الأحوال في مصر , ولم يبق مكابر من كل أولئك إلا توكل كرمان , التي جعلت من الجائزة – التي نالتها مناصفة مع غيرها – حدثا ثوريا تطل في ذكراه بخطاب مجلجل , وباسم الجائزة تحشر أنفها في تونس وفي السودان وفي كل بقعة تضطرب من بقاع الوطن العربي , فقد أخذها الوهم إلى مربع أن وظيفتها لاتزال قائمة، فنراها تحشر أنفها هنا وهناك دون أن تجد صدى لما تقول، فقد تجاوزها الزمن وتجاوزها الهدف في هذه المراحل .
اليوم المحفل يعيد ترتيب أولوياته في مسار آخر خارج سرب توكل وجماعتها , فاللقاء الذي كان سببا في توتر العلاقات بين دول الخليج ولبنان كان قد مر عليه ثمانية أشهر، وقال جورج قرداحي كلامه كفرد يعبّر عن ذاته وموقفه من الحرب في اليمن , ولذلك سحب الشباب الثقة من جورج في مسار الحلقة، فالبرنامج بمثابة برلمان وفق مساره , وهي إشارة قد تدل أو تشير إلى المخرج للمسار ألذي أشرنا إليه في السياق .
الحال الطبيعي هو أن جورج قرداحي يحاسب على موقفه ويعاقب عليه وتسحب منه الثقة أو تطلب منه الاستقالة في حال غرد خارج سرب حكومته , وليس من الطبيعي أن يحاسب على ما قاله قبل أن يصبح وزيرا أو عضوا في الحكومة اللبنانية , الموضوع هنا يثير الريبة والشك , ويشير إلى حال واحد وهو أن عرب الصحراء تحركهم أيادٍ خفية غير واضحة المعالم بالنسبة لهم , لأنهم – كطبيعتهم التي جبلوا عليها – يتقبلون القضايا ككليات ولا يجزئون الفكرة أو يخضعونها للتحليل , ولذلك تنطلي عليهم كل فكرة وكل لعبة يريدها اليهود عبر محفلهم .
أزمة قرداحي مع السعودية اليوم ومن شايعها، هدفها تعميق الأزمة البنيوية في لبنان وإشغال حركة المقاومة في لبنان بقضايا الداخل وأزماته البنيوية العميقة لتنفرد الصهيونية بقضاياها , ولعل ما حدث بخصوص سفن النفط في خليج عمان كان جزءا من المخطط وليس بعيداً عنه , لكن يقظة المقاومة الإسلامية حشرت الصهيونية وماسونيتها وأمريكا في زاوية ضيقة جدا , فثمة ما يمكن التعويل عليه اليوم خارج الحسابات التي يبنون عليها حركاتهم وقراراتهم .
ومن تابع المحتوى التفاعلي لوسائل التواصل الاجتماعي يجد أن جورج قرداحي بتصريحاته القائلة بعبثية الحرب في اليمن وضرورة إيقافها قد رمى حجرا في مياه راكدة فتحركت الدوائر وهي في ازدياد مضطرد كل يوم , وقد وصلت تلك الدوائر ولامست المجتمع الخليجي عموماً والسعودي على وجه الخصوص , خاصة وقد تزامن ذلك مع تنامي مشاعر الغضب من فعاليات الترفيه في جدة والرياض وتزامن أيضا مع مهرجان الجونة السينمائي الذي أثار جدلا واسعا , فالمهرجانات تدعو إلى الرذيلة وتسوقها من خلال مظاهر الاختلاط والانحلال القيمي والأخلاقي, وقد أثار سؤال الحرب وسؤال الاختلاط والرقص وسؤال الملابس العارية المجتمع التقليدي والمثقف الديني، فخرج عن صمته وتكلم كما لم يتكلم من قبل , فالرأي الغالب اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي مع فكرة أن الحرب في اليمن عبثية ويجب أن تتوقف , وقد ساهم غباء السياسة الخارجية السعودية في ذلك , ومثل ذلك فضل من الله على أهل اليمن ,فآل سعود كمن يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين الذين يجاهدون الطاغوت ويتصدون لجبروته وطغيانه وظل التضليل ديدن المرحلة حتى نشر الله حقيقة الحرب على اليمن ففاح ذكر أهل اليمن كالمسك في كل المحافل كقوة لا تقهر ولا تنحني للطغاة .
الكثيرون اليوم يتحدثون عن أهل اليمن وعن مناقبهم – عدا الأبواق المستأجرة والمرتزقة من أهل اليمن – وقديما قالت العرب “إذا أراد الله نشر فضيلة قوم هيأ لها غباء قوم ففاحت كالمسك حتى تلامس كل وجه” , فنحن اليوم في موقف قوة من حيث أرادت السعودية إضعافنا , ونحن كبار من حيث أرادت السعودية أن تجعلنا صغارا , باءت بالذلة وبالخسران وبالصغار ولم تنل من قوتنا ولا من شموخنا ولا من عزتنا، بل لحقها الذل والهوان إلى آخر الدهر وهي تشاهد كل التقنيات وكل أسلحة الدمار الشامل تخر راكعة تحت أقدام المجاهدين من أهل اليمن , وترى جنودها وهم ينحدرون من القمم الشاهقة إلى الوديان السحيقة هرباً وجبناً .
لذلك تصغر السعودية كل يوم ونحن نكبر , وهي اليوم تواجه مصيرا مجهولا , وقد عمد أعداء الأمة إلى تفكيك بنيتها الاجتماعية والثقافية وتفكيك نظامها العام والطبيعي من خلال الحروب والتدخلات في شؤون الدول ومن خلال ما يحدث اليوم في جدة والرياض من ترفيه , لقد بلغ نظام آل سعود تمامه وهو اليوم في مراحل الانحدار والسقوط .
شكراً جورج قرداحي، لقد رميت حجراً في قعر بئر راكدة، فتحركت الدوائر حتى وصلت مستويات بالغة الدقة والدرجة، كان الوصول إليها يحتاج زمنا فاختصر غباء ابن سلمان ذلك الزمن .
لقد صدق الله وعده “وكان حقاً علينا نصر المؤمنين” والحمد لله رب العالمين.