“التوظيف الحزبي”.. خطر يهدد سوق العمل

تعاني اليمن انخفاضاٍ كبيرا في الموارد البشرية وندرة المواهب وانخفاض جودة الموارد وكذا تردي معاهد ومراكز التدريب والتأهيل التي لا تستطيع الارتقاء باليد العاملة وتعجز عن إيجاد المواهب وتطويرها بالإضافة إلى عوامل برزت مؤخرا مثل التوظيف بشكل غير علمي ومدروس وتأثير بعض العوامل السياسية على بروز ما يسمى بالتوظيف الحزبي.
العديد من هذه المشاكل والاختلالات والتي جعلت بلادنا تحتل المرتبة قبل الأخيرة في المؤشرات الدولية للأمن الوظيفي سببها بحسب خبراء ومختصين مجموعة من العوامل منها التركيبة السكانية المعقدة واضطراب الوضع السياسي بالإضافة إلى وضعية التعليم الذي لا يفرز موظفين مؤهلين ومحترفين.

“لا توجد معايير للكفاءة” هكذا يتمحور سوق العمل في اليمن والذي تأثر بشكل كبير بالمتغيرات والأوضاع السياسية التي مرت بها بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية.
يتحدث الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال أحمد الشليف عن بروز مشكلة التوظيف الحزبي في اليمن والتي تمثل مؤشرا خطيرا يهدد سوق العمل وبرامج مكافحة الفقر والبطالة.
ويقول إن التأطير الحزبي لرجال الأعمال يضر بالتشغيل لأنه يغير مفاهيم ركائز هامة في التنمية مع وجود ظواهر سلبية مثل التوظيف الحزبي والذي يجب التصدي له لكي لا يتحول إلى واقع مفروض ينبغي التعامل معه.
ويضيف قائلا: عندما يتم تأطيرك على أساس حزبي ستعمل في هذه الحالة على استقطاب أيادُ عاملة من توجهك الحزبي وهذا الأمر غير منطقي وضار وغير معقول الكفاءة هي المعيار الحقيقي في العمل وتقدم الأعمال.
ويرى الشليف أن اليمن لديها موارد لكن المشكلة في سوء الإدارة والاستغلال بالإضافة إلى مشاكل عديدة في المحسوبية والفساد والحزبية وغيرها قائلا: نريد اقتصاد مستقل لا يرتبط بالسياسة ورجل الأعمال أيضا يجب أن يكون مستقلاٍ غير حزبي يهمه التنمية والاقتصاد وليس السياسة والأحزاب.
اختلالات
احتلت اليمن مرتبة متدنية في مؤشر مخاطر الموارد البشرية باحتلالها المرتبة 130 في مؤشر عالمي صدر مؤخرا.
وطبقاٍ لتقرير دولي صادر عن مؤسسة “أيون هيويت” العالمية فإن اليمن تعاني مخاطر كبيرة في سوق العمل والوضع الوظيفي الأسوأ في المنطقة من ناحية اختيار الموظفين والتوظيف وتغيير موقع العمل, حسب ما خلصت إليه نتائج مؤشر مخاطر الموارد البشرية للعام الماضي.
ويقيس مؤشر مخاطر الموارد البشرية الصادر عن أيون هيويت المخاطر التي تواجهها المؤسسات في 132 مدينةٍ حول العالم لناحية اختيار الموظفين والتوظيف وتغيير موقع العمل من خلال تحليل 30 عاملاٍ كمياٍ ونوعياٍ موزعاٍ بين المجالات الخمسة المتمثلة بالتركيبة السكانية والتعليم والدعم الحكومي وتطوير المواهب وممارسات التوظيف.
وفي هذا الخصوص يقول الباحث الاقتصادي ياسين العطاب إن عدد المتقدمين إلى وزارة الخدمة المدنية في العام الماضي 250 ألف متقدم في كافة التخصصات بينما الدرجات المرصودة لا تتجاوز 15000 وظيفة فقط حسب تصريحات المسئولين بالوزارة ومعظمها في مجال التدريس وعندما يتم توزيع الدرجات -بحسب الدكتور العطاب- تكون من نصيب 15000 من المتقدمين أما الباقي 235 ألف متقدم يحرمون من التوظيف ويظلون ينتظرون السنة القادمة ويضافون إلى قائمة العاطلين عن العمل.
ويؤكد أن مشكلة التوظيف في اليمن ينتج عنها تكدس الجهاز الإداري للدولة بأعداد لا حصر لها في كافة المرافق والقطاعات ليس لهم أي مهمة سوى استلام الراتب نهاية كل شهر.
ويكشف الدكتور ياسين عن قضية غاية في الأهمية تتمثل في الأعداد الغفيرة التي تمت إضافتهم إلى كشوفات الموظفين الحكوميين بأعداد غفيرة العامين الماضيين مؤكدا أن ذلك يتم لأسباب سياسية لا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بحاجه الدولة وستكون هذه الأعداد الهائلة عبارة عن بطالة مقنعة.
ويرى أن ذلك لا يحل مشكلة البطالة بل يضاعفها لأن كل سنة سوف يضاف مئات الألوف من الأيدي العاملة إلى سوق العمل وبالتالي لا بد من إيجاد حلول استراتيجية لهذه المشكلة وليس حلولاٍ آنية ومسكنة فقط لبعض الوقت.
ثقافة خاطئة
يقول عماد الهاملي -مدرب تنمية بشرية- إن معايير الكفاءة تتلاشى وهناك توسع لافت للمحسوبية التي أصبحت ترتبط بالحزبية نتيجة للفرز السياسي والحزبي الذي أضر أيضا بالتوظيف.
ويضيف: هذه الثقافة التي نتأثر بها سريعا هي أزمة ومعضلة نلاقي صعوبة في التخلص منها ولهذا كما يقول تجد من يوظفك لأنك من حزبه أو مذهبه والنتيجة أعمال متردية وإنتاجية منعدمة وإدارة مترهلة.
ويلفت إلى أن هذا الأمر جاء نتيجة للأوضاع السياسية التي مرت بها بلادنا والتقسيم الذي حصل على مستوى القيادات الإدارية العليا على مستوى الوزارات والإدارات الحكومية.
وبحسب عماد فإن مشكلتنا الرئيسية تتمثل في عدم وجود دراسة لمتطلبات سوق العمل وعدم ملاءمة المخرجات التعليمية لمتطلبات السوق إلى جانب المشاكل والاختلالات الأخرى ولهذا يجب دراسة سوق العمل ليتم معرفة متطلباته.
ولكي يتم تحسين البرامج التعليمية يشير عماد إلى أهمية دراسة وضعية سوق العمل وانفتاح الجامعات على كل الجهات لتشارك في وضع وتصميم المناهج ووضع برنامج جديد تشارك فيه كل هذه الجهات بمن فيهم الطلاب داعيا إلى إنشاء هيئة تعنى بالمناهج في الجامعات وإجراءات لضمان جودتها.
ويرى ضرورة قيام قطاعات الأعمال والاستثمار والشركات العاملة بالاستثمار الإداري في البحث عن المواهب الملائمة أو تأهيل المواهب المتاحة أمامها.
ويؤكد أنه لا يمكن إحداث تغيير في إدارة مترهلة بشكل جذري وبوقت وجيز ولهذا يجب أن تكون هناك دراسة علمية حديثة وخطط موضوعية تستند لتجارب الآخرين وتبدأ بالإدارات الأنجح وتعممها على الإدارات الأخرى للاستفادة منها.
إشكاليات
يرى خبراء أن بلادنا تعاني من إشكالية كبيرة جدا في الإدارة في عموم مؤسسات الدولة بقطاعها العام والخاص لأننا نفتقد لأفضل الممارسات الإدارية حيث لا يوجد تخطيط سليم وتقييم دقيق ثم تصحيح سليم وهذه دائرة يجب أن تمشي بشكل صحيح ودائم ومترابط ومع الأسف الدائرة لدينا غير مكتملة بالإضافة إلى وجود إشكالية في التخطيط وعملية التقييم التي لا تستند للمعايير المطلوبة وعملية التصحيح غير موجودة.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور داوود عثمان أن هناك تضخماٍ كبيراٍ في الجهاز الإداري للدولة حيث تذهب أغلب الموارد لتغطية بند الأجور والمرتبات.
ويؤكد الدكتور داوود وجود مشكلة في التوظيف المستمر وبصورة عشوائية وغير مدروسة وأيضا غير علمية ساهمت في توسيع هوة الاختلالات الإدارية في اليمن.
ويسرد تقرير رسمي في هذا الجانب مجموعة من العوامل التي ساهمت في توسع هوة هذه المعضلات من أهمها القصور في البناء المؤسسي والذي يرجع بشكل رئيسي إلى ضعف السياسات الخاصة بإدارة الموارد البشرية بما في ذلك أنظمة التوظيف والتدريب والحوافز وعدم تفعيل إجراءات الضبط والرقابة الداخلية بالإضافة إلى عدم قدرة الإدارة في معظم الوحدات على مواكبة التطوير ورفع كفاءة الأداء وعدم تطبيق سياسات وأنظمة إدارية تحقق القدر المطلوب من الكفاءة التشغيلية وما يصاحب هذا القصور من سوء تخطيط وعدم الدراسة والتقييم أولا بأول للانحرافات السلبية في الأداء ومعالجتها وقت حدوثها.

قد يعجبك ايضا