تحل علينا ذكرى المولد النبوي، هذه المناسبة العظيمة التي نستذكر فيها السيرة العطرة لنبينا وقائدنا ومعلمنا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم .
قد يظُن بعض محدودي الأفق ممَّن تعودوا على تِكرار اسطوانة بدْعة الاحتفال المشروخة دون الاستناد لأدلة عقلية أو نقلية, أن الاحتفال بهذا اليوم لا زالَ مقصوراً على فئة أو مذهب أو جماعة، وذلك إن دلَّ على شيء فإنما يدُل على ضيق في فهْم مقاصد الاحتفال بهذه المناسبة كمحطَّة نَتزود من خلالها بالدُّروس العظيمة التي نستلهم منها العزَّة والكرامة، وتعزيز الروح الإيمانية الجامعة التي توحد الأمة تحتَ راية نبيِّهم، وتعْميق الثقة بالنفس والإرادة، والارتقاء بالعقْل الإنساني، وإدراك أهمية أن تمتلك الرؤية الواضحة، والاستفادة من كيفية تحويل التهديدات الى فُرص .
نبينا الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم الذي يعتبره كثير من قادة الفكر من ديانات عدة, مرجعية دينية ومصلحاً اجتماعياً وقائداً استطاع أن ينتشل مُجتمع الجزيرة العربية خلال حقبة قصيرة, من براثن التخلُّف والاحتراب إلى أمة قادت العالم نَحْو العلياء، فما الضّير أن نحتفل بمولده مرة كل عام، نجعلُهُ نصْب أعيننا وفي أذهاننا، نُذكِّر ونُغذّي عقولنا بسيرته ونهجهِ وأخلاقه كقدوة لنا على جميع المستويات؟
ولأن الأصل في كل فعْل الإباحة إلا ما حُرِّم بنص أو دليل, أو تنافى مع العقل, أو اقتضت الضَّرورة تحريمه، فأين الدليل أو المنطق أو علَّة تحريم احتفال كهذا، يتذكر فيه الناس سيرة نبيِّهم ويفرحوا أن بعثه اللهُ إليهم هادياً؟
ولا يزالَ البعض يتعلَّل بالنَّففات الخاصة بالزينة والمصابيح, في الوقت الذي يصرف فيه آلافاً مؤلفة على وريقات قات تجلب له الضَّرر بشكل يومي، بينما يستكثرها على هذه المناسبة، فهل يعلم أولئك أن هذه المصابيح وتلك القطع القماشية التي تزين شوارعنا اليوم هي ذاتها الزينة التي تُستخدم كل عام، وأنَّنا نحتفظ بها عقب كل احتفال للعام الذي يليه؟
أشفق على من لايزال كالببغاء يُردد نغمة تحريم الاحتفال بالمولد دون أن يُدرك معنى ما يقول سوى أنه سمعَ عن فلان وعلان، ما إن تُواجههُ بنقاش عقلاني مَبني على الحُجّة والمنطق، إذ به يسقط في أوله دون جواب مُقنع، ثم يتهرَّب إلى جوانب أخرى لا علاقة لها بجوهر النقاش, وهو ذاته الشخص الذي لا يجِد حرجاً من المُشاركة في الاحتفال بعيد ميلاد ابنه أو حفل تخرج بنته, أو عيد العمال أو العيد الوطني أو حتى عيد الحب، لكنَّه فجأةً يَتحول إلى عالم (ربّاني) يُفتي دون علم أو دليل على حُرمة وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي !!
أتذكَّر في أعوام سابقة أن هذه المُناسبة كانت تَمر مرور الكرام دون أن يتنبَّه لها أحد, إلا عند مشاهدته لفيلم (الرسالة) الذي كان يُبث آخر المساء عبر القناة الفضائية، حتى أن بعض أبنائنا من ذوي الأجيال الحديثة وللأسف وصل إلى مرحلة أنه لا يعلم عن نبيه سوى اسمه وبعض المعلومات السَّطحية عنه، لكننا اليوم نحمد الله أننا نُصلي ونُسلم عليه عندما تقع أعيُننا على اسمه الكريم في كل شارع وعلى كل جبل وجدار وسيّارة، وهذه نعمة عظيمة في وقت كادَ ذكره ينحصر على كُتُب التربية الإسلامية وفي المساجد وكأننا نعيش في بلد لا علاقة له بالنبي أو الإسلام !!
ولِمَن يغتاظون من فرحتنا بالرَّحمة المُهداة والسِّراج المنير نقول لهم هذا شأنكم، انشغلوا بما يفيدكم أثابكمُ الله، ودعونا نُحتفل ونُفرح تجسيداً لقوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَا لِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) صدق الله العلي العظيم سورة يونس (58)