وضعية البشرية قبل البعثة النبوية وخطورة الجاهلية المعاصرة

 

يقول الشهيد القائد “رضوان الله عليه” (كان رسول الله شخصاً هاماً جداً حكيماً وقديراً ذكياً فاهماً قائداً على أعلى مستوى للقيادة فعلاً، حتى أن الغربيين عندما حللوا شخصيته ومواقفه وجدوا أنه أعظم قائد في التاريخ كما يحكى أنهم فعلاً اعتبروه أنجح وأعظم قائد في التاريخ (محمد صلوات الله عليه وعلى آله) لقد كان الرسول الأكرم في كماله وأخلاقه بحجم الرسالة.

وضعية العالم
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله بعثه الله وكان العالم آنذاك في واقع مظلم في جاهليته الأولى، التي تتشابه إلى حد كبير مع جاهلية اليوم تلك الجاهلية التي كان عليها الواقع على مستوى من القيم الإنسانية والأخلاقية، باتت حالة الضلال والتيه التي يعيشها الإنسان في شتى أرجاء المعمورة آنذاك هي المسيطرة بات الإنسان يفتقر كل الافتقار إلى ما يحقق إنسانيته كإنسان، إلى ما يستنقذه من حالة التيه والانحطاط بات مفتقراً ومتعطشاً إلى القيم الفطرية التي بها كرامته كإنسان، وتميزه كإنسان وسعادته كإنسان في هذا الوجود، واقع عالمي أشبه ما يكون بواقع الغابة، كل اهتمامات الناس منصبّة إلى أن يأكل بعضهم بعضا وأن يقتل بعضهم بعضا، وأن ينهب بعضهم بعضا، وأن يضطهد القوي الضعيف وهكذا.

وضعية العرب
كان الواقع العربي أولاً كما قال الله سبحانه وتعالى (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ذلك الضلال المبين الذي يتمثل فيما كان عليه العرب من الاعتماد على الخرافة، وعلى الجهل وعلى الشرك وعلى الكفر وعلى الوثنية وعلى التوحش مظاهر ذلك الضلال كانت في أن الواقع الذي كان يعيشه العرب كله واقع ضياع لا كيان يجمعهم، لا هدف، لا مشروع، لا رسالة، لا قضية سوى أمة متفرقة متبعثرة متناحرة، ليس لها أي مشروع مهم في هذه الحياة، تعيش في واقعها العداء الشديد والنهب والسلب والتخلف والجهل بكل أشكاله.

التناحر والصراع المستمر
كانت العرب في الجاهلية تثور بعضها على بعض ويتناحرون فيما بينهم يغزو بعضهم بعضا على أشياء بسيطة وتافهة على عقال بعير وقليل من الغنم أو مرعى أو قطعة من الأرض وكانت تستمر الحروب فيما بينهم عشرات السنين ليس لهم هدف في الحياة ولا مشروع في الحياة، كل واقعهم عبارة عن ضياع بكل ما تعنيه الكلمة، ينتشر بينهم الظلم وتسفك الدماء ويأكل القوي الضعيف، تفتك بهم العصبيات والفتن والمآسي ويأكلون الميتة ويتعاملون بالربا.. الخ.

الجاهلية المعاصرة
ولىّ زمن الجاهلية بعد أن أكرمنا الله برسول وكتاب نقلنا من جاهلية بدائية متخلفة إلى أمة أصبحت أرقى الأمم في زمن قياسي لكن الأمة للأسف تركت مصدر قوّتها وتحضّرها المتمثل في نبيها وكتابها فعادت إليها الجاهلية ودخلتها من أوسع أبوابها فأصبح لها أكثر من صنم تُعبد في محاريبهم، جاهلية هذا العصر من نوع آخر تتغلف بغلاف العصرنة والتحضر والانفتاح، جاهليتنا تتمييز في تطويع اللغة وحتى الدين، فتختار المسميات ما يجعلها تبدو للمضحوك عليهم تطوراً ورفعة فانخدع الكثير من شباب الأمة وصارت حياتهم وموتهم في سبيل الشيطان وأولياء الشيطان.

الصنمية المعاصرة
خلال الجاهلية الأولى كان الصنم الذي يكرّس المتعبد حياته له من الحجارة والأخشاب ولكن صنم الجاهلية المعاصرة تطور بشكل كبير وتعلم كيف يجعل نفسه مغرياً وشهياً يخفي نفسه تحت عناوين براقة وماركات عالمية يسوّقها اليهود فأصبحنا سوقاً مفتوحة لهم اقتصادياً وثقافياً وعسكرياً حتى استطاعوا تجييش بعضنا ضد بعض كما يحدث في اليمن وسوريا والعراق، أصبحت الوهابية التكفيرية تعمل مثلما كانت الجاهلية الأولى توظيف الدين لخدمة الطاغوت.
في هذه الجاهلية المعاصرة برز الكثير من الأشخاص بعناوين دينية ووظفت لهم الكثير من الإمكانيات وكل ذلك في سبيل تدجين الشعوب وتسويقها لخدمة الطغيان والتسلط السلطوي الديكتاتوري بكل قسوته وجبروته وعملوا على “فصل الأمة عن كل عوامل ومنابع الهداية والصلاح والاستقامة والعزة والخير، عن الأخيار، والهداة، والصالحين، عن المفاهيم العظيمة الهادية، عن القيم والأخلاق والمبادئ الحقة”.

التوحش
هذه الجاهلية فيما يمتلكه قادتها وفيما يمتلكه رجالها، وفيما تمتلكه جيوشها وفيما يمتلكه أربابها وأصحابها، هم أسوأ وأكثر خطورة وضرراً وشراً على البشرية مما كان في الجاهلية الأولى.
الجاهلية الأولى لم يكن الجاهليون فيما يمتلكون من الإمكانات العسكرية والإعلامية وغيرها مثلما هو قائم في واقعنا اليوم، اليوم المسألة بشكل كبير جداً خطيرة ووصل سؤها إلى حدٍ فضيع، ومعاناة البشرية من ويلاتها وكوارثها ومآسيها على نحوٍ لا يخفى على أحد.
إذا كان العربي في الماضي بسيفه أو بخنجره يقتل، فإن جاهلي اليوم يستخدم الطائرات، يستخدم القنابل المحرمة دولياً، يستخدم أفتك أنواع الأسلحة، ليقتل الآلاف من الأطفال والنساء بطريقة وحشية بشعة، لا تستطيع إلا أن تقول إن الذي يفعل ذلك قد تجرّد من كل الشعور الإنساني، يعيش تماماً الحالة الغريزية التي يعيشها أي وحش.

قد يعجبك ايضا