التحكيم ليس لجنة حكام فقط!!

د. محمد النظاري

 

 

التحكيم هو إحدى الركائز المهمة للعبة كرة القدم، بل قد يكون من أهمها… وهو بحد ذاته منظومة متكاملة تبدأ من الحكم المستجد ثم الارتقاء بمختلف الدرجات وصولا للدولية، هذا على المستوى التطبيقي، يرافق ذلك مستوى فني يتضمن مدرب اللياقة البدنية والمقيِّم الفني والمحاضر للدورات، أما على المستوى الإداري فهناك اللجنة العليا للحكام وفروعها في المحافظات.
تلك هي منظومة التحكيم المتكاملة، والتي إن اختل أحدها، اختلت المنظومة بأكملها، ويؤدي ذلك الخلل إلى وجود فجوات تنعكس سلبا على الحكم في المقام الرئيس.
الحكم منطقيا هو الحلقة الأهم والأقوى، ولكن للأسف الشديد أصبح الحلقة الأضعف، مما ترتب على ذلك ضياع كثير من الحقوق.
الحكم أصبحت عليه واجبات فقط، وعليه تنفيذها، وإلا فالعقوبات بانتظاره، أما حقوقه، فهناك ألف مبرر، لعل من أبسطها القول له : احمد ربك انك تحكم.
أصبح الاشتراك في التحكيم منة وفضلاً على الحكم، مع أن الحكم يبذل من وقته وماله، ويصرف مصروف أسرته على استعداداته.
الدوري كان طيلة الأشهر الماضية الشغل الشاغل، ومع ذلك وضع التحكيم في آخر الاهتمامات، فرؤساء اللجان الأخرى ليس كل واحد سعى بقوة للحصول على كل ما تحتاجه لجنته.
قال لي بعض الحكام : نحن أصبحنا مثل عمال الحجارة والطين، متى ما تم الاحتياج لنا يتم الاتصال بنا ولو آخر الليل، وكأننا نعمل بالأجر اليومي، ومفروض علينا التواجد والسفر الطويل، قبل الحصول على المستحقات.
الأندية رفضت المشاركة في الدوري إلا بعد رفع مستحقاتها إلى أضعاف ما كانت عليه سابقا، بينما الحكام سافروا وتنقلوا ودخلوا اختبارات بدنية وجيبوبهم فارغة.
لنا أن نتصور ذلك الحكم المشترك في الاختبار البدني والمهدد بالعودة لمنطقته إن هو أخفق ، مع تحمله النفقات… أي جبل يحمله على كتفيه وهو يؤدي الاختبار البدني.
الحالة النفسية للحكام في أدنى مستوياتها، كيف لا ورب الأسرة يحرص على توفير كسوة العيد قبل العيد لمن هو مسؤول عنهم… فما بالنا بحكام يدخلون الملعب وكل واحد بلون قميص مختلف وجوارب مختلفة وحذاء مختلف… هذا المظهر غير اللائق بسببه يسمع الحكام السخرية منهم آتية من المدرجات… وهنا نثمن تفاعل الاتحاد بتوفير لبس موحد بعد الكم الكبير من الانتقاد.
نبرة التعالي على الحكم، بحجة أن من فوقه هو أعلى منه درجة وأنه يتمتع بالسمعة والشهرة… هذا يحز في النفس… مع إقرارنا بتقدير الحكام الكبار نظير ما قدموه للتحكيم.
لو تم تطبيق حكم الفيديو، فبكل تأكيد أن الكثير من الحكام سيواجهون صعوبات، كونهم يفتقدون للتأهيل الملائم، وكل تدريباتهم تتم وفق مصروف الذاتي.
لجنة الحكام في أي بلد ينبغي أن تكون لديها خطة معدة قبل أية بطولة، وألا يقتصر دورها على توزيع جدول المباريات، فهذه عملية من ضمن عمليات كثيرة.
عندما يحس الحكم أن اللجنة لا تهتم إلا بأدائه كون ذلك يعفيها من انتقادات الإعلام والفرق، بينما أبسط احتياجاته لا تعرف عنها شيئاً.
لجان الحكام في كل العالم تشهد تجديد دماء، ونحن كما نحن الأشخاص هم، وإن جرى تغيير فيكون تبديلاً في المواقع.
نعلم أن الضغوط أيضا مسلطة على لجان التحكيم، ولكن إن هي فرضت شخصيتها ومطالبها، ستجد الحكام في صفها ولن تبدأ أية مسابقة إلا وقد لبيت كل مطالب الحكام… ومن المستحيل المجيء بحكام جاهزين إن توحدت اللجنة مع الحكام.
كلما كان أعضاء اللجنة بعيدين عن منظومة العمل داخل الاتحاد، كلما كانت مساحة الحرية أكبر لديهم… لكون هناك تداخلات بين موظف في الاتحاد ورئيس أو عضو أي لجنة، لأنه موظف يستلم راتبه من الاتحاد، وهذا يؤثر على قراراته وخياراته.
ليس كل حكم ناجحا في التحكيم ولو وصل لأعلى درجاته، يستطيع تحقيق النجاح نفسه في العمل الإداري، مثله في ذلك مثل اللاعب النجم، الذي لا يستطيع قيادة ناد بعد اعتزاله اللعب.
للأسف الشديد تتم الاستهانة بعمل المراقب الفني، وعادي لو مراقب أو اثنين لتجمع كامل… هذا خطأ كبير، فالحكم أيضا يتأثر بشخصية وقرارات المراقبين، وهناك حكام يدخلون المباريات ولم تعد في تفكيرهم المباراة، بل ماذا سيكتب المراقب، خاصة بعد أن رفع نفس المراقب تقريراً سلبياً عن ذات الحكم في مباراة سابقة… لهذا من الواجب تعدد المراقبين، لأن فيها تعدد الثقافات والنفسيات الشخصيات.
من المعيب جدا أن حكاما افنوا أكثر من 20 سنة في التحكيم واتجهوا للمراقبة الفنية، يتم تهميشهم ويقال لكل منهم إذا أردت أن تأتي بدون مستحقات فمرحبا بك.
أي لجنة ستذهب بدون مستحقات؟ أي لجنة ستذهب دون أن تعرف ما لها وما عليها؟ أي لجنة سيترك رئيسها وأعضاؤها أفراد أسرهم بدون مصاريف ويذهبون لتأدية عملهم؟ بكل تأكيد لا توجد… لأنه كما يقول المثل : ما مصلي إلا طالب مغفرة.
نبارك لكل الحكام أداءهم الجيد مقارنة بمستويات الفرق المشاركة، كما نبارك للجنة العليا للحكام وجود هذه الكوكبة من الحكام، الذين يؤدون واجباتهم في ظل ما يعيشونه من ظروف صعبة.

قد يعجبك ايضا