محمد صالح الصوفي
يحفل اليمن -كغيره من البلدان العربية- بالأدباء من كافة المستويات ،ومن مختلف التخصصات، فهو بلد الثقافة والأدب منذ فجر التاريخ، إلا أن الأدب اليمني يقوى ويضعف بحسب الظروف التي تمر بالبلد ،وأيضا الظروف التي يعيشها أدباء هذا البلد، فعندما تكون هناك أوضاع مشجعة للحركة الثقافية والأدبية فإن الأدب اليمني يقوى ويزدهر وينتشر ويصل الى المستوى العالمي ،أما اذا كانت هناك أوضاع وظروف تحارب أو تهمل الإبداع ،وتقمع أو تتجاهل المبدعين فإن الأدب ينكمش وينحسر ويضعف ويهبط الى المستوى الوضيع، كما حدث للأدب العربي عموما في عصر المماليك والأتراك العثمانيين عندما ضعف الأدب العربي بشكل عام ،وبالتالي ضعفت الصلة باللغة العربية الفصحى ،وتحول الأدباء إلى اللهجات العامية والقيود البديعية ، في الفترة الزمنية الممتدة من نهاية القرن الرابع عشر حتى مجيء القرن العشرين الميلادي دخل الأدب اليمني شعرا ونثرا في نفق مظلم بسبب الصراعات وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية ،وقلة التدوين وبالذات التدوين المحايد ،حيث كان أغلب شعراء وكتَّاب هذه الفترة تحت رايات حزبية أو مذهبية أو قبلية ،ولم يكن هناك أدب يلتزم الموضوعية والحياد إلا في القليل النادر ،ففقدت الكثير من الأعمال الأدبية في أثناء هذه الصراعات ،وضاعت معلومات كثيرة عن أدباء ذلك الزمان الذين لم نعرف عن بعضهم الا أسمائهم فقط أو شيئا يسيرا مما أنتجوه ،وذلك يرجع الى تدهور الأوضاع وسوء الأحوال التي عاشها بلدنا الحبيب في تلك الفترة المظلمة من تاريخه.
من شعراء وحكماء اليمن المنسين الذين عاشوا في تلك المرحلة ،والذين لا نعرف عنهم الكثير ،ولا نعرف حتى تواريخ ميلادهم ووفاتهم ،نذكر منهم الحكيم اليمني والشاعر الشعبي الكبير علي بن زايد الذي تناقل الناس أخباره وأشعاره من جيل الى جيل عن طريق المشافهة، لكننا لا نعرف متى ولد الحكيم ابن زايد ولا نعرف متى مات ،ولا نعرف أيضا في أي منطقة يمنية كان مسقط رأسه ولا نعرف في أي عصر عاش ولا بأي أرض مات، وكل هذه التساؤلات لم نجد لها حتى اليوم الإجابات الشافية الكافية، والسبب معروف وهو عدم التدوين والتوثيق ،فالكتاب الذين عاشوا في عصر الحكيم ابن زايد لم يكتبوا عنه شيئا ولا نعلم ما هي الدوافع التي حملتهم على ذلك ؟وكذلك كتب التاريخ التي دونت في تلك الفترة لم تذكر شيئا عن الشاعر علي بن زايد ،لكن ربما أن هناك من كتب عنه في مخطوطات فقدت في تلك الآونة ، لكن الرأي الصحيح الراجح أن الإنتاج الأدبي للشاعر الحكيم علي بن زايد لم يدون وإنما تناقله الناس من جيل إلى جيل ومن قرن إلى قرن عن طريق المشافهة، وربما نسبت إليه قصائد ليست له ،أو سرق شيئ من أشعاره ونسب إلى غيره ،وهكذا يكون حال الأدب المنقول شفويا والذي يدخله التحريف والتغيير والتبديل، نذكر من شعراء اليمن المنسيين أيضا الشاعر الشعبي /صالح عبدربه الوهبي الذي عاش في إحدى قرى محافظة البيضاء في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريبا ،ولديه قصائد شعرية كثيرة باللهجة العامية الدارجة ،وفيها الكثير من الوصايا والنصائح والحكم والأمثال ،والتي لم تدون في زمانه وإنما تناقلها الناس مشافهة من جيل لآخر ،ونذكر كذلك الشاعر /أحمد بن سنبل المسوري الخولاني الذي كان جنديا في الجيش اليمني أيام الإمام المهدي عبد الله بن أحمد المتوكل وذلك في عشرينات القرن التاسع عشر الميلادي ،وأحمد بن سنبل شاعر مبدع أنتجت قريحته العديد من القصائد الحماسية والغزلية وهي كثيرة ،ونجدها الآن متناثرة في بطون الكتب ،وتحتاج إلى من يجمعها ويرتبها ويجعلها ديوانا واحدا يقع تحت عنوان (ديوان الشاعر أحمد بن سنبل )، فمن سيقوم بهذه المهمة يا ترى ؟ومن سيخرج قصائد هذا الشاعر المنسي إلى الساحة ليعرف الناس تراثهم الجميل؟.. كذلك يوجد شعراء وأدباء دونت منتوجاتهم الأدبية بأيديهم أو بأيدي معاصريهم ،لكنهم فيما بعد دخلوا دائرة النسيان لسبب أو لآخر ،ولم يعد لهم ذكر في الحياة الأدبية المعاصرة ،بالرغم مما قدموا من إبداعات شعرية ونثرية خلدها التاريخ ،نذكر منهم الشاعر الكبير /عبد الرحمن بن يحيى الآنسي ،وهو أحد أصدقاء الإمام الشوكاني وله ديوانه الشعري المعروف(ترجيع الأطيار بمرقص الأشعار )والذي قام بتحقيقه القاضي الرئيس عبد الرحمن الإرياني والأستاذ عبدالله عبدالإله الأغبري ،ويحتوي هذا الديوان على الكثير من القصائد الحماسية والغزلية التي تمت كتابتها على الطريقة الحمينية ، ولحنها وغناها الكثير من أهل الطرب على مدى الأيام ، ومن شعراء اليمن الذين دخلوا دائرة النسيان نذكر أيضا الشاعر المهجري اليمني /يحيى بن عمر اليافعي المتوفى سنة 1725م تقريبا ، والذي عاش أكثر حياته مغتربا في عمان والبحرين والعراق وايران ،وقد كان شاعرا وملحنا ومغنيا مبدعا ،وأجاد اللغة الأوردية وأبدع فيها غاية الأبداع ،وتوفي بأرض الهند ، وقد قام أحد الأدباء في الفترة الأخيرة وهو الأستاذ علي الخلاقي بتأليف كتاب عن هذا الشاعر سماه (أشعار يحيى عمر وسيرة حياته)، كما توجد شاعرات يمنيات دخلن في دائرة النسيان وكن يوما من الأيام أشهر من نار على علم ،نذكر منهن الشاعرة الكبيرة /غزال المقدشية ،التي تنتمي إلى قبيلة المقادشة الساكنة في منطقة عنس بمحافظة ذمار، فهذه الشاعرة تناقل الناس أشعارها جيلا بعد جيل عن طريق المشافهة، وبلادنا اليمنية في كل زمن ،وفي كل منطقة من مناطقها زاخرة ببحر خضم من المبدعين والمبدعات والذي غالبا ما يتم تجاهلهم واهمال إنتاجهم ،وخصوصا في الأزمنة التي يخيم عليها الجهل والتخلف والأمية، ان اليمن منذ أقدم عصور التاريخ بلد ثقافي بامتياز ،برز فيه الأدباء السبئيين فكتبوا أبلغ القصائد والنصوص الأدبية بخط المسند الجميل ،مثل (ترنيمة الشمس )وغيرها ،وظهرت في العصر العباسي (القصيدة الحميرية )للعلامة الأديب نشوان بن سعيد الحميري الذي سطر في هذه القصيدة الملاحم البطولية الكبرى للشعب اليمني ،وقد تناول النقاد هذه القصيدة بالكثير من الشرح والدراسة والتحليل.
وفي القرن التاسع عشر ظهر ديوان الشعر الحميني (ترجيع الأطيار بمرقص الأشعار) للعلامة الأديب عبد الرحمن الانسي الصنعاني ،وفي القرن العشرين ظهر الكثير والكثير من فنون الأدب اليمني وضروبه فمن مؤلفات الحسين بن أحمد العرشي والعلامة زبارة إلى أشعار الزبيري والبردوني الى خطب زيد الموشكي ومحمد أبوطالب إلى أبحاث عبد العزيز المقالح ،والكثير الكثير ، ان الحركة الثقافية والأدبية اليمنية وخصوصا في الوقت الراهن بحاجة الى نهضة قوية ودعم ومساندة ومساعدة للمبدعين والمبدعات الذين يزخر بهم بحر الثقافة اليمني في عرض البلاد وطولها، وعلى المؤسسات الثقافية أن تعمل بكل ما أوتيت من قوة على الرفع من شأن الأدباء والمثقفين ،وتسلط الأضواء على إبداعاتهم حتى لا يتم اهمالهم ويدخلوا في دائرة النسيان .