بالزراعة نبني اقتصاداً عظيماً ودولة يمنية عظمى

أحمد علي المالكي

 

 

تعتبر اليمن بما تمتلك من مميزات جغرافية ومناخية وبيئية وزراعية في مقدمة البلدان التي لديها أيضاً إمكانات طبيعية وقدرات بشرية وإرث حضاري ضخم في تطويع الأرض للإنتاج المثمر عن طريق تقننة وميكنة الزراعة وهندسة السدود وقنوات الري بأدوات بدائية استخدمها المزارع بشهادات ابتكار تعود ملكيتها الحصرية للإنسان اليمني عبر التاريخ القديم والحديث، وهو ما جعل اليمن تسمى عبر الأزمان الغابرة بـ (أرض اليمن السعيد)أو (اليمن السعيدة) وذلك لما تميزت به من تقدم وغنىً في المجالات الزراعية والإنتاجية حتى أن منتجات اليمن المتميزة والمتنوعة والمتعددة ملأت أسواق المعمورة في آسيا وأفريقيا وأوروبا فأسهمت في نقل الدين الإسلامي الحنيف إلى مختلف تلك البلدان عبر الممرات التجارية المشهورة كطريق الحرير التجاري وباب المندب بماركة يمنية إسلامية وعربية فريدة وثرية .
طريق الحرير القديم الذي كان يربط اليمن والعالم ، عزز الازدهار التجاري بين القارات وأثَّر على مسيرة الحضارة العالمية تأثيرا كبيرا بمغزاه العميق ومفهومه الواسع، ومنذ القدم امتد الطريق البحري القديم من شرق وجنوب شرق وجنوب وغرب آسيا إلى شرق إفريقيا وعبر المحيطين إلى البحر الأحمر ثم إلى أوروبا، وربط الموانئ المنتشرة على هذا الطريق، وعمل التجار القدامى من قوميات مختلفة على فتح طرق تجارية بحرية من خلال النقل المباشر أو الترانزيت، وبسبب نقل الخزف والحرير والشاي والبهارات والبن واللبان عبر هذا الطريق سمي بطريق الخزف أو طريق البهارات أو طريق الشاي أو طريق الفضة.
وقد تحكَّم اليمن بهذا الطريق التجاري العالمي لفترة طويلة استمرت 300 سنة وسمي بطريق اللبان، وهناك مساران لهذا الطريق ،هما المسار التجاري البحري والمسار التجاري البري، حيث كانت نقطة انطلاق المسار البري ميناء قنا الذي يقع على ساحل البحر العربي وكان من أفضل موانئ الجزيرة العربية إذ تلجأ إليه السفن لحمايتها من الرياح الموسمية الجنوبية الغربية والذي كان يقع في” اليمن قديما”. والمسار البحري الذي انطلق من جنوب الجزيرة العربية ومر عبر البحر الأحمر إلى مصر ومناطق أخرى ، وكان التجار العرب يتحكمون كليا بهذين المسارين كما كان من اللازم أن يمر طريق اللبان عبر أراضي مملكة معين ومملكة سبأ اليمنيتين. وسجلت التجارة البحرية لليمن صفحة زاهرة في التاريخ.
وبذلك لعب التجار اليمنيون دور الوسيط المهم في التبادل التجاري والثقافي بين الصين و الدول الغربية والعالم أجمع.
اليمن العظيم صاحب التاريخ والحضارات الجبارة الذي كان يتسيّد الأمم ويتحكم في الممرات والطرق البحرية والبرية الاستراتيجية لم يعد كما كان نتيجة الوهن والسياسات الاستعمارية التي رسخها الاستعمار البريطاني والهيمنة الأمريكية التي صارت تتحكم في توجيه القرار اليمني عبر أنظمة هشة وتابعة ومنبطحة إلى درجة مخزية لعقود طويلة جعلت الأمريكي والغربي والصهيوني يوجهها لشرعنة قوانين أو التوقيع على اتفاقيات تحول دون زراعة القمح والحبوب محلياً وتشجيع استيراد المنتجات الزراعية وعلى رأسها محصول القمح الاستراتيجي حتى بلغت فاتورة الاستيراد من الخارج أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، مع أن تلك المنتجات يمكن زراعتها وإنتاجها محلياً وبنسبة تصل إلى أكثر من 90% من نسبة الواردات الغذائية في الناتج الإجمالي المحلي وعلى رأسها القمح الذي تمتلك اليمن منه عشرات الأصناف التي أوشكت على الاندثار كما هو الحال ببقية أصناف الحبوب والخضار والنباتات اليمنية الأصيلة التي يُحتفظ ببعضٍ منها في بنك الأصول الزراعية للحبوب والنباتات في كلية الزراعة بـ جامعة صنعاء ،والتي تُعرض كأصناف” مُتحفيَّة “دون الاستفادة منها وإعادة زراعتها من جديد وذلك بفعل إدخال البديل عنها أو ما يسمى بالأصناف أو البذور المحسنة التي ظلت تدخل عبر المنظمات الدولية كمنح من البنك الدولي والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وغيرها بهدف تدمير القطاع الزراعي وإضعاف الإنتاج المحلي.
لست هنا بصدد استعراض الأرقام والنسب الصادمة والمهولة التي جعلت اليمن بلداً مستورداً وسوقاً استهلاكية للغث والسمين من السلع والمنتجات الأجنبية التي تتكدس بها أسواقنا اليمنية في مختلف محافظات الجمهورية والتي يمكن الاستغناء عنها محليا بدلا من الذهاب إلى الصين وغيرها لإبرام عقود مع مزارعين صينيين وغيرهم لزراعة الثوم واستيراد البن والزبيب وغير ذلك، ففي هذا الملحق الكثير من الإشارة والتوضيح.
ولذلك فقد استشعر الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه خطورة الوضع الذي فرضته أمريكا وإسرائيل على اليمن وشعوب الأمة وأكد على توافر المقومات الأساسية في اليمن والتي تمكنه من تحقيق التنمية الزراعية لا سيما وأنه يمتلك كامل المؤهلات الطبيعية للإنتاج الزراعي ما يؤهله لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ومردُّ ذلك الأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة والتي بمقدورها إنتاج كل ما نحتاج من غذاء ،حيث يقول”في اليمن نفسه كم من الأراضي تصلح للزراعة ونحن نستورد حتى العدس وحتى الفاصوليا والقمح والذرة من استراليا ومن الصين وغيرها? واليمن يكفي لو “زرع” لليمن ولغير اليمن””(محاضرة يوم القدس العالمي 1422 هجرية).
وفي محاضرته الرمضانية الـ 24 -1442هجرية أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله على أنه من الخطأ الستراتيجي حتى لدى دول من غير المسلمين أن يعتمد الإنسان على استيراد احتياجاته الأساسية فقال” عندنا في البلد لو نأتي إلى قائمة الاستيراد تجد أنهم يستوردون كل شيء الحبوب بكل أنواعها والفواكه بكل أنواعها الخضروات حتى البصل والبطاط وغير ذلك يستوردونه من الخارج، الزنجبيل كل التفاصيل هذه تستورد من الخارج” واصفاً ذلك بالخطأ الفادح وأننا إذا قمنا بإنتاجها محلياً فسنعيش بكرامة وسنحقق لأنفسنا الاستقلال وسنفقد العدو ورقة ضغط علينا عندما نوفر قوتنا وطعامنا واحتياجاتنا الأساسية وسنتخلص من مسألة الاعتماد على الدولار في توفير البطاط والثوم والبصل الذي يوفر بالدولار وهي خدمة كبيرة تقدم للأمريكيين وتمنحهم الهيمنة على الشعوب والسيطرة عليها باعتماد الناس على عملتهم بشكل رئيسي.. !! كما شدد السيد القائد في نفس المحاضرة على ضرورة الاهتمام بتطوير القطاع الزراعي سواء في الوسائل أو عملية الإنتاج واستثمار التكامل الموجود في كل العناصر اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية في هذا القطاع كرؤوس الأموال والأراضي والمياه مع الاستقامة والرجوع إلى الله ليفتح البركات ،كما حذر من الفتور والكسل والعجز.
وجاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر التي نحن على مقربة من الاحتفال بالذكرى السابعة لقيامها في ظل العدوان والحصار الاقتصادي الشامل لترفع شعار الحرية والتخلص من الهيمنة الأمريكية والصهيونية والغربية وأذنابهم السعودية والإمارات على القرار اليمني الاقتصادي والسياسي والزراعي والتعليمي إلخ…. والتي حولت اليمن سابقاً إلى حديقة خلفية للأنظمة الرجعية الصهيونية العميلة في الجزيرة العربية إلى سوق استهلاكية ضخمة لمنتجاتها المستوردة ووطنت الثقافات الاستهلاكية والإنتاجية المغلوطة كالتخلي عن الزراعة والإنتاج المحلي بكل أشكاله وأصنافه.
وقد سمعنا مؤخراً رئيس ما يسمى بمجلس نواب المرتزقة سلطان البركاني يلوح بهذه النظرية أو الفرضية في تصريح مباشر وصريح عبر قناة تابعة للسعودية دون خجل أو حياء.
ولقد استطاع ثوار 21 سبتمبر 2014م طرد مئات العملاء والخونة كـ البركاني من السياسيين وغيره من النافذين والتجار والمشائخ والقادة العسكريين الذين كانوا يلهون في حديقة السعودية الخلفية ويعبثون بثروات اليمن ومقدراته الاقتصادية الزراعية والنفطية والبحرية والطبيعية والاستراتيجية وما يزالون، وهم من استدعى العدوان ويشرعنون للغازي والمحتل ،وهم من وضع اليمن تحت البند السابع ويتم توجيههم بالريمونت من غرف السيطرة والتحكم الأمريكية المشتركة في أجنحة وفنادق الرياض وأبوظبي واسطنبول والقاهرة وغيرها كأبواق وبيادق مزعجة وهابطة تطبّل وتزمّر لقوى العدوان وتشرعن لاحتلال اليمن ونهب ثرواته ومقدراته الوطنية والاقتصادية كنموذج العاهة “البَرَكَانيَّة”. ولأن خيار ثوار وثورة 21 من سبتمبر المجيدة هو خيار المواجهة لتحقيق الحرية واستقلال قرار اليمن الحر المستقل البعيد عن هيمنة أمريكا وإسرائيل وأذنابها المتمثلة بنظام آل سعود وعيال زايد وغيرهم من أنظمة وأعراب الفنادق جاء العدوان والحرب العسكرية والاقتصادية بالحصار الشامل واستهداف القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة ومدخلاتها وبناها التحتية بشكل أساسي ومركز ناهيك عن استهداف كل القطاعات والبنى التحتية لليمن إلي شملت المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والأسواق والثروة الحيوانية والسمكية وكل شيئ يمس حياة الشعب اليمني المعيشية والاقتصادية.
وكان من ضمن خيارات المواجهة ما أعلنه الرئيس الشهيد صالح بن علي الصماد أحد أبرز قادة ثورة 21 من سبتمبر في 26 مارس 2018 م عن بدء مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة تحت شعار” يد تحمي ويد تبني” وليأتي خلفه الرئيس المشاط مؤكداً السير على نهج سلفه التحرري الثوري الصمادي والثبات على ترسيخ هذا الشعار والمبدأ الثوري المستقل في البناء والتنمية ويعلن بشكل رسمي البدء في بتنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
وكانت الثورة الزراعية والتوجه الرسمي للقيادة الثورية والسياسية أحد الخيارات الاستراتيجية للتحرك في هذا المسار من أجل تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي عن طريق استنهاض قدرات الشعب المتوفرة بالعودة إلى زراعة الأرض اليمنية وتشجيع المنتج الزراعي المحلي وشكلت اللجنة الزراعية العليا بدعم جهود وزارة الزراعة ورسم السياسات وتقديم الاستشارات بمختلف الطرق والأساليب والصعد الزراعية الفنية والمهنية والميدانية التي لا يتسع المجال لسردها هنا بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التنموية الوطنية الفاعلة كمؤسسة بنيان وغيرها وشكلت قنوات وأطر وجمعيات ومؤسسات شعبية ومبادرات مجتمعية للانطلاق بثورة زراعية تنهض باليمن إلى مصاف الدول المكتفية ذاتياً ، وإن كانت أسواقنا اليمنية ما زالت تعج بالمنتجات الزراعية المستوردة مع الأسف الشديد..
ومع ذلك لا يمكن تجاوز أن هناك توجهاً وتحركاً صادقاً رسمياً وشعبياً في هذا المجال لتشجيع المزارع والمنتج المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد وهناك انجازات ومنجزات لا يمكن إغفالها أو تجاوزها في ظل عدوان وحصار إقليمي ودولي وأممي طيلة سبع سنوات متواصلة وهذا في حد ذاته يعد انتصاراً وتحدياً كبيراً وعظمة يمانية تجلت في ثبات المؤسسات الحكومية والاقتصاد الوطني وعدم الانهيار والسقوط الكامل الذي راهن عليه العدو ليعود من جديد للهيمنة على اليمن الأرض والإنسان ناهيك عن الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي والحياة الكريمة بمواجهة سياسات العدو الأمريكي والصهيوني الاقتصادية التي يتخذها أوراق ضغط ضد شعبنا وقيادته لثنيه عن المواجهة ونيل الحرية واستقلال كل اليمن في شماله وجنوبه عن طريق تشديد إجراءات الحصار وقطع المرتبات وتجويع الشعب اليمني، ويمكن الاستشهاد في هذه الجزئية بالأوضاع المعيشية المتردية في المحافظات المحتلة التي تشهد موجة من غلاء الأسعار والمعيشة الصعبة بالتزامن مع هبوط قيمة الريال مقابل الدولار جراء سياسات المرتزقة الاقتصادية والمالية العقيمة غير الوطنية والتي تخدم توجهات السفير الأمريكي التي أفصح عنها أمام وفدنا الوطني في مسقط بسلطنة عمان بالتزامن مع المفاوضات التي أجريت في الكويت حينها، وبالمقارنة مع الأوضاع المعيشية المستقرة نسبياً في صنعاء والمحافظات الحرة تحت سلطة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني برغم انقطاع المرتبات وتشديد الإجراءات والحصار ومنع وصول الواردات إلى ميناء الحديدة بسبب انتهاج المنهجية الوطنية الحرة في رسم السياسات الاقتصادية والتي حافظت على ثبات الاقتصاد الوطني والحفاظ عليه من الانهيار.
وعلى نفس الصعيد تم مؤخرا الإعلان عن تدشين المرحلة الثانية من الثورة الزراعية بمشاركة سبعة آلاف متطوع ومتطوعة في المجالات: التقنية، البحثية، الإدارية، الإرشادية، والإنتاجية من قبل المؤسسات الرسمية الحكومية والخاصة والمجتمعية التي تتوج صمود وانتصار الشعب اليمني، والنجاحات والإنجازات التي تحققت في المرحلة الأولى منها وبإسناد من المؤسسات الحكومية والمجتمعية، وبمشاركة سبعة آلاف متطوع ومتطوعة، تم تدريبهم وتأهيلهم خلال الفترة الماضية ، لقيادة عملية البناء والتنمية لينهضوا بمجتمعاتهم في مختلف المجالات، وفقا للقائمين على الحملة أو المرحلة.
في الأخير نتمنى أن تحقق المرحلة الثانية من الثورة الزراعية الأهداف والطموح المنشود الذي يصبو إليه شعبنا وقيادته الثورية والمضي لنيل
الاستقلال والتحرر من الهيمنة الأمريكية وتحويل اليمن إلى حديقة يمنية داخلية للزراعة والإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي كي تكون الأرض الطيبة وبلد الإيمان والحكمة كما كانت عبر التاريخ والعصور سلة غذائية للوطن العربي وللعالم أجمع.. جيش عظيم اقتصاد عظيم دولة يمنية عظمى .

قد يعجبك ايضا