الثورة/
اعتبر قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن من أهم الأحداث التي سجلها العام الهجري المنصرم هو انسحاب أمريكا من أفغانستان ، وقال في خطابه بمناسبة رأس السنة الهجرية لهذا العام 1443، هجرية: إن ذلك يعد هزيمة مذلة لأمريكا.
فما هي تفاصيل الهزيمة التي مُنيت بها أمريكا في أفغانستان.
بعد عقدين من أطول حرب خاضتها أمريكا الاستعمارية في تاريخها ، قررت هذا العام سحب قواتها بدون شروط من أفغانستان التي احتلتها في العام 2001 ، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العام نفسه.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: إن الوقت قد حان «لوضع حد لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة» في تاريخها. وقال الرئيس الأمريكي «القوات الأمريكية وكذلك القوات التي ينشرها حلفاؤنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشركاؤنا في العمليات ستكون خارج أفغانستان قبل أن نحيي الذكرى العشرين لهذا الهجوم الشنيع في 11 (أيلول) سبتمبر». ونفس الخطوة أعلنتها الدول الأعضاء في حلف الناتو.
وصرح مسؤول أمريكي بأن الانسحاب سيكون غير مشروط، وقال «الرئيس يعتبر أن مقاربة مشروطة كما كانت الحال عليه في العقدين الماضيين، كانت سببا للبقاء في أفغانستان إلى الأبد».
• خسائر مالية باهظة
قامت أمريكا بغزو أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 ادعت أنها للإطاحة بحركة طالبان، متهمة إياها بإيواء أسامة بن لادن وشخصيات أخرى تزعم أنهم يقودون القاعدة التي تربطها بهجمات 11 سبتمبر/أيلول على أمريكا ، وزاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان مع ضخ مليارات الدولارات التي خسرتها أمريكا ، وقد انخفض هذا العدد إلى 4 آلاف جندي بحلول ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، مع تقلص الأرقام بشكل أكبر هذا العام.
وهناك أيضاً أعداد كبيرة من المتعاقدين الأمنيين الذين يعملون لحسابهم الخاص، والذين يعملون لصالح الولايات المتحدة في أفغانستان، ويشمل ذلك العدد اعتبارا من الربع الأخير من عام 2020 أكثر من 7800 متعاقد يحملون الجنسية الأمريكية، وفقا لبحث أجراه الكونغرس الأمريكي.
وبين عامي 2010 و 2012 ، عندما كان لدى أمريكا أكثر من 100 ألف جندي أمريكي ، ارتفعت تكلفة الحرب إلى ما يقرب من 100 مليار دولار سنويا، وفقا لأرقام الحكومة الأمريكية ، وبحلول عام 2018 بلغ الإنفاق السنوي نحو 45 مليار دولار، بحسب ما قاله مسؤول كبير في البنتاغون للكونغرس الأمريكي في ذلك العام ، ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2019) 778 مليار دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جانب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس إيد) ووكالات حكومية أخرى نحو 44 مليار دولار على مشاريع واستقطابات سياسية ومجتمعية في البلاد.
وبذلك يصل إجمالي التكلفة، استنادا إلى البيانات الرسمية، إلى 822 مليار دولار بين عامي 2001 و 2019، لكن تلك الأرقام لا تشمل أي إنفاق في باكستان التي تستخدمها الولايات المتحدة كقاعدة للعمليات المتعلقة بأفغانستان.
وفي تقرير للكونغرس الأمريكي في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، قدرت هيئة الرقابة المسؤولة عن الإشراف على إعادة الإعمار في أفغانستان أن حوالي 19 مليار دولار قد ضاعت بهذه الطريقة بين مايو/آيار من عام 2009 و 31 ديسمبر/كانون الأول من عام 2019.
• قتلى وجرحى
منذ احتلال أمريكا لأفغانستان في عام 2001، تكبدت القوات الأمريكية أكثر من 2300 قتيل، كما أصيب نحو 20660 جنديا بجراح أثناء القتال ، لكن أرقام القتلى الأمريكيين هي دون المرتزقة والعملاء المحليين والأجانب الذين يزيد عددهم بكثير عن عدد الأمريكيين.
وستنسحب أمريكا بحلول 11 سبتمبر نهائيا من كل الأراضي الأفغانية، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد اتفقت مع حركة طالبان على الانسحاب حتى الأول من مايو/ أيار المقبل، لكن إدارة الرئيس بايدن أجلت الانسحاب أربعة أشهر ، ما أثار غضب حركة طالبان. وكتب الناطق باسمها في قطر محمد نعيم في تغريدة «إلى أن تنسحب كل القوات الأجنبية من بلادنا، لن نشارك في أي مؤتمر قد تتّخذ خلاله قرارات بشأن أفغانستان».
• استسلام وهزيمة
الكاتب عبدالباري عطوان، اعتبر قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب من أفغانستان بمثابة رفع أعلام الاستِسلام البيضاء “المخضبة” بدماء أكثر من 2400 جُندي قتيل، و21 ألف جريح، وسحب جميع قوّات بلاده (3500 جندي) قبل حُلول الذّكرى العِشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) مُعترفًا رسميًّا بالهزيمة.
وقال: إن هذا الإنجاز الذي لا يَقِلّ أهميّةً عن هزيمة أمريكا في فيتنام، ما كان له أن يتحقّق لولا صبر الأفغان ومُقاومتهم المُستمرّة للاحتِلال الأمريكي، ودعم الجِيران، وخاصّةً باكستان لهم، ومدّهم بالسّلاح وبعض المال.
وأضاف: الغطرسة الأمريكيّة التي لا تُمارَس إلا في العالم الإسلامي تلقّت “لكمةً قاتلة” في أفغانستان، أطاحت بها الأرض، تمامًا مِثل لكمات مُماثلة في العِراق وسوريا واليمن، وقريبًا في فِلسطين المُحتلّة، فالزّمن الأمريكي يقترب من نهايته في ظِل التّغيير الكبير في موازين القِوى، وظُهور قوى عالميّة جديدة، ستُطيح بواشنطن ودُولارها من عرش العالم.
وزاد عطوان «دولتان من السّهل على الغُزاة احتِلالهما، أفغانستان واليمن، ولكن من الاستِحالة البقاء فيهما، ولا مناص من الخُروج منهما بهزيمةٍ مُذلّة ليس بسبب طبيعتها الجُغرافيّة الجبليّة الصّعبة، وإنّما أيضًا بسبب صلابة شعبها وإرادة المُقاومة القويّة، والتّمسّك بالكرامة وعزّة النّفس، ونُحيلكم إلى كُتب التّاريخ وهزائم الامبراطوريّات البريطانيّة والعثمانيّة في وديان البَلدين وجبالهما، ولكنّ هُناك للأسف من لا يقرأ دُروس التّاريخ، ولا يستفيد منها».
أمريكا انتصرَت على الرّوس في أفغانستان بتجنيد الإسلام المُتَشدِّد و”المُجاهدين” المُسلمين، وانتقمت من هزيمتها في فيتنام، ودقّت بذلك المِسمار الأضخم في نعش الإمبراطوريّة السّوفييتيّة، وتُحاول تِكرار السّيناريو نفسه في الصّين حاليًّا، ولكنّها لن تنجح، ليس لأنّ العالم تغيّر، وإنّما لأنّ العدوّ تغيّر، وأدواتها القديمة أكلها الصّدأ، وذهب مفعولها، وجفّت ينابيع عوائدها النفطيّة، أو في طريقها إلى الجفاف سريعًا.
نتمنّى أن يتعلّم “بعض” العرب أنّ ثمن المُقاومة أرخص بكثير من ثمن الاستِسلام لأمريكا ومُؤامراتها، الكلام مُوجّه للكثيرين، خاصَّةً في رام الله وغزّة.
ويقول عطوان: زمن الهزائم الأمريكيّة قد بدأ، وها هو بايدن يستجدي الرئيس فلاديمير بوتين للِقائه، ويسحب سُفنه الحربيّة من البحر الأسود، ويَعرِض على إيران تنازلات لم تَحلُم بها في مُفاوضات فيينا، وتَقصِف الصّواريخ حُلفاءه وسُفنهم.. والقادم أعظم.. والأيّام بيننا.