مع تعاظم تحديات الفساد وتزايد مخاطره، الذي أضحى يشكل عائقاً بالغ الخطورة أمام جهود التنمية بأبعادها المختلفة في مختلف دول العالم، أصبح المجتمع الدولي يدرك أنه مطالب أكثر من ذي قبل بمضاعفة الجهود لتعزيز أنظمة النزاهة الوطنية والاستراتيجيات التي تعمل على مكافحة الفساد بمختلف أشكاله وأن التعاون في مجال الوقاية منه ومكافحته من قبل جميع الأطراف يعد أمراً جوهرياً وضرورياً للقضاء على هذه الظاهرة التي أضحت المصدر الرئيسي لإخفاق جهود التنمية وتكريس الفقر وتعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ففي ظل وجود هذه الظاهرة تتضاءل قدرة الدول والحكومات على تحقيق خططها وبرامجها وأهدافها التنموية كونه يهدر القسم الأعظم من الموارد المخصصة لتمويل وتنفيذ تلك البرامج والخطط وبالتالي يعيق عملية التنمية المستدامة برمتها.
وبالتالي فان انعقاد الورشة الأولى لإعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد حول تحليل الوضع الراهن لأطراف المنظومة الوطنية للنزاهة وتحت شعار (معاً نحو بيانات موضوعية تحاكي الوضع الراهن للمنظومة الوطنية للنزاهة وفي هذه المرحلة الفارقة من تاريخ اليمن وفي ظل عدوان وحصار للعام السابع على التوالي وبرعاية كريمة من فخامة الرئيس / مهدي محمد المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى يمثل تجسيداً حقيقياً لتوفر الإرادة السياسية الجادة للقيادتين الثورية والسياسية في الجهود الرامية لمكافحة الفساد واجتثاث آفته وتجفيف منابعه , وترجمة واضحة لمضامين الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة , وإسناداً داعماً للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في تفعيل دورها وممارسة مهامها واختصاصاتها المنصوص عليها قانونا، وانطلاقة حقيقية ووثابة في لأطراف المنظومة الوطنية للنزاهة في مواجهة هذه الظاهرة وتحدياتها .
ان أي استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد لكي تكون فعَّالة ويكتب لها النجاح لا بد من أن تستند إلى تقييم وتشخيص دقيق للمشاكل والتحدِّيات التي يواجهها البلد المعني فيما يتعلق بمكافحة الفساد. وهو ما يطلق عليه أحياناً عبارة ” تحليل الأوضاع الراهنة ” .
وفي هذا السياق يؤكِّد الدليل التقني لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إنَّ الخطوة الأولى في صياغة استراتيجية وطنية فعَّالة لمكافحة الفساد هي جمع وتحليل معلومات بشأن نطاق مشكلة الفساد التي تواجهها البلد وطبيعتها . تلي ذلك عملية صياغة الاستراتيجية التي تبدأ أولى خطواتها في وضع الأهداف السياساتية الفعلية والسبل العملية لتحقيقها .
وبالتالي تكمن أهمية هذه الفعالية من عدة جوانب: أولها موضوع الورشة الحيوي الذي يمثل حدثاً وطنياً والتزاماً دولياً على اليمن حيث مر على انتهاء الاستراتيجية السابقة اكثر من ست سنوات ثانيها :ـ أهمية ومستوى المشاركين فيها من مختلف اطراف منظومة النزاهة والمعنيين بمكافحة الفساد من الأجهزة الرقابية ومجلسي النواب والشورى والقضاء ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص حيث تدرك الهيئة جيداً أنه وإن كانت هي المخولة قانوناً بإعداد الاستراتيجية إلا أن تنفيذ مكوناتها وبرامجها تظل مسؤولية مشتركة بينها وبين عناصر تلك المنظومة، ثالثها ما سيتمخض عن هذه الورشة من مداخلات ونقاشات وتوصيات ستسهم بشكل فعلي في تشخيص وتقييم الوضع الراهن لأطراف منظومة النزاهة تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية المتمثلة في عملية صياغة الاستراتيجية ووضع أهدافها ومكوناتها .
ولذا فإن المضي في اعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد , يأتي في اطار حرصنا وعزمنا على مواصلة المسيرة التي اختطيناها في اطار الوحدة التنسيقية المشتركة للأجهزة الرقابية والنيابة العامة وتذليل كافة الصعوبات والتحديات التي تقف حجر عثرة أمام جسر الشراكة الذي نتوق دوماً لإرساء دعائمه واستكمالاً لمشوار وأدوار قطعتها مؤسساتنا المعنية بمكافحة الفساد في توحيد جهودها واصرار دؤوب للارتقاء بتطوير مسارات العمل المشترك في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وبما يكفل التغلب على التحديات الراهنة التي يواجهها وطننا جراء هذه الظاهرة منذ سنوات طويلة . وعزمنا على بلوغ المرتبة (100) في مؤشرات ومدركات الشفافية الدولية .
أخيرا فان انعقاد هذه الورشة وغيرها من ورش العمل التي ستعقبها سيمثل بلا شك فرصة متميزة لمد جسور الشراكات وتكامل الأدوار ووضع التصورات اللازمة , وتبادل الآراء والخبرات ورسم السياسات المقترحة والاستفادة من كل القدرات والطاقات التي تزخر بها اطراف المنظومة , وإجراء وقفة جادة للتقييم الموضوعي لأطراف المنظومة والمؤسسات العامة.
عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد
رئيس لجنة الوقاية والمنع
Prev Post