بعد أن تبخرت الإنسانية من قاموس المجتمع الدولي ومن صكوك الأمم المتحدة وصارت المواثيق والعهود الدولية التي تتحدث عن حقوق الإنسان الأساسية مجرد حبر على ورق ويافطات وشعارات ليس إلا؛ لا يسع الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه في كتابه العزيز إلا أن يقيم العزاء على كياناتٍ ومنظماتٍ دولية حملت في مضامينها وأهدافها عناوين إنسانية وحقوقية دون أن يكون لها أثرٌ في الواقع العملي ودون أن يتحقق للشعوب المظلومة والمستضعفة ما تريده وتنشده من أمنٍ وسلام وعيشٍ رغيد.
بل ظلت تلك الكيانات والمنظمات الدولية التي تدّعي الانتصار لحقوق الإنسان شاهد عيان فقط وصامتة على ممارسات طغاة الأرض الإجرامية وعلى انتهاك وظلم الظالم المستكبر.
أضحت تلك الكيانات عديمة الإحساس والضمير وقد تخلّت عن المبادئ والقيم والإنسانية ولم تعد ترى أمامها إلا جمع الأموال الباهظة وامتلاكها لتكون غايتها الأولى والأخيرة.
وفي المقابل فإن الشعوب المستضعفة المظلومة لم تعد ترى سلوكيات وسياسات تلك المنظمات إلا مجرد أصوات خادعة وكاذبة ومضللة تتسول من الأنظمة العالمية ودول العالم باسم الحقوق والحريات والمعونات الإغاثية والمساعدات الإنسانية وكل ذلك على حساب دم الإنسان المسفوك ظلماً وعدواناً وانتهاكا وعلى حساب ضحايا الحروب والجياع واللاجئين.
ورضي الله عن الشاعر الكبير بسام شانع حين وصف صمت وتخاذل الأمم المتحدة وتعاطفها مع تحالف الإجرام وارتهانها لقوى الاستكبار العالمي بقوله:
– أمين الأمم نائب زعيم القراصنة.. وصمام امأن المنطقة ساحة الصراع
– والأحداث تشهد والمساعي مآمنة .. بألا إله إلا المصالح والانتفاع
– ولا وجه في الواقع سوى وجه كاهنة.. ولا ملة إلا ملة الزيف والخداع
– وماشي حقوق إنسان عند الفراعنة.. ولا شيء كرامة ميت في عالم الضباع
وطالما وأن المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية قد التزمت وحملت على عاتقها واجبات ومسؤوليات العمل على حفظ الأمن الدولي والدفاع عن الشعوب المظلومة ودعت إلى حرية الشعوب في تقرير مصيرها وإشاعة السلام والتسامح في كل العالم فتعتبر هي المسؤولة أمام العالم وأمام التاريخ عن الجرائم المروعة والانتهاكات الفظيعة والجسيمة التي ترتكبها دول الاستكبار العالمي بحق الشعوب والمجتمعات المعتدى عليها في سوريا وفلسطين والعراق واليمن.
ويكفي إقامة الحُجة على المجتمع الدولي وعلى مسؤولي ومبعوثي الأمم المتحدة الآلاف من المشاهد والصور والمقاطع الموثقة الشاهدة على الإجرام والطغيان والحصار الذي تسبب في أزماتٍ وكوارث طاحنة كانت نتيجتها النيل من الإنسانية وأصبح الإنسان يعاني ويكابد ويصارع من أجل البقاء ومن أجل الحصول على لقمة العيش.
فالملايين من البشر يعانون الفقر المدقع وانعدام القوت الضروري ومئات الآلاف منهم لاجئون وغيرهم عشرات الآلاف قضوا نتيجة عدوان عسكري مباشر غير مبرر.
ولتعلم الأمم المتحدة وليدرك مجلس الأمن وليفهم المجتمع الدولي أن الإنسان هو الكائن الأسمى والمقدس والمكرّم عند الله في كتبه المنزلة.
وليعلم أولئك المعنيون بحقوق الإنسان أن الله ليس بغافلٍ عن مواقف وسلوكيات من تحمّلوا المسؤوليات والواجبات تجاه المجتمعات والشعوب فقال سبحانه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا.
ولذلك فإن جوارح الإنسان شاهدة على فعله وصمته ومواقفه وحركاته يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
قال تعالى: 46وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ.
والمتأمل لهذه الآية يدرك عدالةُ الله وحكمته في خلق الكائنات والخلائق وأسباب نعمائهٍ وابتلائه للإنسان.
ولذلك ندرك يقيناً أن عدالة الله لا بد وأن تشمل جميع خلقه وأن ثمة ميزانٌ إلهي لا يمكن أن يختل أبداً ولا بد من يومٍ يكون فيه القصاصٍ من الطغاة الظالمين المستكبرين وأن هناك انتقاماً إلهياً وألف ألف اعتبار للإنسان المظلوم المقتول المقهور المستضعف.
فيا من تحملتم المسؤوليات والعهود والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان عليكم أن تدركوا أنّ السّمع والبصَر والفؤادَ كلُ أولئكَ كانَ عنهُ مَسؤولا»
«ومَا اللهُ بغافلٍ عمّا يَعملُ الظّالِمون» ..