مفتي الديار اليمنية العلامة شمس الدين شرف الدين: الجهاد من سائر الأعمال الصالحة والرسول الأكرم حض على اغتنام هذه الأيام المباركة
(فضل الجهاد في الأيام العشر)
افتونا جزاكم الله خيراً في الحديث المروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منها -أي من أيام العشر- قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» هل هو صحيح، وهل يتنافى مع فضل الجهاد؟
الجواب وبالله التوفيق :
يتسرع البعض من الناس في رد حديث «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منها -أي من أيام العشر- قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» ظناً منهم أن هذا الحديث يتعارض مع الجهاد في سبيل الله ويقلل من شأنه ويدعو إلى تثبيط الناس عن الجهاد، وهذا غلط، فإن الجهاد لا يعدله شيء كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ حسين سئل هل يعدل الجهاد شيء؟ قال: «لا» وضرب مثلاً لذلك وقال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله لا يفتر من ذكر الله حتى يعود المجاهد في سبيل الله» وقوله: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» ومن جاهد في سبيل الله أو رابط فواق ناقة وجبت له الجنة، وما جاء في الخبر المروي عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ حين سأله عن شيء يقربه من الجنة ويباعده من النار فقال: «تعبد الله لا تشرك به شيئاً» وساق في الحديث إلى أن قال: «والجهاد في سبيل الله فإنه ذروة سنام الإسلام» وفوق هذا وذاك فإن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ [الصف: 10 – 12].
ويقول ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[النساء:95] ويقول: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾[التوبة:111] وغيرها كثير من الآيات والأحاديث في تفضيل الجهاد في سبيل الله، وأنه أعلا مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والحديث المذكور هو أحد الأدلة على تفضيل الجهاد في سبيل الله وتعظيمه على غيره، فإن المتأمل للحديث يجد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ يحض الناس على اغتنام هذه الأيام المباركة التي أقسم الله تعالى بها في سورة الفجر بقوله: ﴿ وَالْفَجْر * وَلَيَالٍ عَشْر﴾[الفجر: 1، 2]، (ولا يقسم الله إلا بما هو عظيم، ويحثهم على الأعمال الصالحة فيها، فإن الصلاة فيها أكثر أجراً من الصلاة في غيرها، إلا ما خصه الدليل كليلة القدر مثلاً، وشهر رمضان، والصيام فيه، أجر كبير أكبر من غيرها من سائر الأيام إلا رمضان كما هو معلوم.
وكذلك الصدقة والذكر، وكذلك الجهاد فيها فهو أفضل من الجهاد في غيرها لأن الجهاد من سائر الأعمال، والصحابة إنما تعجبوا او استفهموا لماذا لم يكن الجهاد مستوياً في الفضل إذا كان في هذه الأيام مع غيرها من الأيام، ولذلك قالوا: «ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله» بمعنى أن الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله في غيرها من الأيام، ثم استثنى بقوله: «إلا رجلاً خرج بنفسه وماله في سبيل الله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» بمعنى أنه بذل نفسه وماله في سبيل الله واستشهد وقد أنفق ماله في سبيل الله فلم يعد إلى الدنيا بل أقبل على الله بنفسه وماله فهذا الرجل وهذا العمل أفضل من ذلك كله؛ من سائر الأعمال في هذه الأيام أو في غيرها من الأيام، وهذا نص صريح في تعظيم وتفضيل الجهاد في سبيل الله غير أن فهم البعض كان قاصراً حتى سارع إلى نفي الحديث واستبعاد أن يكون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ قد قاله، كما أن البعض الآخر أيضاً جافى الحقيقة وذهب بعيداً حين ظن أن الصيام أو الصلاة النافلة هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله، وهذا غلط لا شك فيه، ويرده الآيات والأحاديث السابقة الذكر وغيرها الكثير من الأدلة العقلية والنقلية .
نسأل الله أن يرزقنا حسن الفهم وصالح العمل والإخلاص في توحيده والبصيرة في دينه والجهاد في سبيله وحسن الخاتمة وأن يجعلنا ممن استحق الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.