تنومة .. جرح لا يندمل

حمدي دوبلة

 

من المحاسن القليلة لعدوان النظام السعودي على اليمن، الكشف عن جريمة مذبحة تنومة بحق آلاف الحجاج اليمنيين التي ظلت لمائة عام كاملة في طي الكتمان والتستر وكأن من تم ذبحهم على أيدي سفاحي نظام آل سعود- في ذلك الوادي المشؤوم- لم يكونوا بشرا و ليسوا من بني آدم .
– في مثل هذه الأيام المباركات من العام 1341هجرية الموافق 1923ميلادي، خرج 3500 حاج يمني من الرجال والأطفال والنساء والعلماء والقضاة وكبار السن، قاصدين مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وهم يلبسون ثياب الإحرام ولم يدر في خلد أي منهم بأن سيوف وخناجر الحقد والإجرام السعودي تنتظرهم في منطقة تنومة بعسير، حيث أخذ القتلة من جيش سعود مواقعهم على رؤوس الجبال ليقترفوا واحدة من أبشع أنواع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ البشري، بحق أكثر من ثلاثة آلاف إنسان يمني كان ذنبهم الوحيد أنهم سارعوا إلى تلبية نداء الخالق وشدوا الرحال إلى بيته العتيق.
– قبل العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على بلادنا، لم نكن نعلم شيئا عن هذه الجريمة النكراء، وحتى القليل من الباحثين والمؤرخين والمهتمين كُممت أفواههم وشُدد الخناق عليهم وكان الويل والهلاك مصير كل من ينبس ببنت شفة عن هذا الأمر الذي كان يزعج الشقيقة الكبرى ويجرح مشاعرها المرهفة، حتى تعاقبت الأجيال وكادت أن تندثر وتطوى في مطاوي النسيان مثلها مثل العشرات والمئات من المجازر التي ارتكبها النظام السعودي بحق أبناء هذا الشعب، دون أي ذنب اقترفه .
-عمد النظام السعودي إلى تأسيس مملكته- منذ أيامه الأولى- على دماء اليمنيين وعشرات الآلاف من أبناء نجد والحجاز، قبل أن يشرع في تنفيذ سياسته الخبيثة المتمثلة في شراء الذمم والولاءات للنافذين في الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم اليمن طيلة المائة عام الماضية، وقد نجحت سياسته، هذه إلى حد كبير في التغطية على كثير من جرائمه القديمة والحديثة بحق اليمن وشعبه وفي مقدمتها مجزرة تنومة المروعة التي راح ضحيتها أكثر من 3105 حجاج من أصل 3500 يمني ينتمون إلى مختلف مناطق اليمن، كانوا في طريقهم إلى الأراضي المقدسة قبل أن تنالهم نيران الإرهاب السعودي في تنومة بعسير وتزهق أرواحهم بدم بارد.
-إلى اليوم وبعد مرور قرن من الزمن على تلك المذبحة البشعة لايزال المؤرخون يجهلون الأسباب والدوافع الحقيقية وراء اقتراف ذلك الجرم الشنيع بحق أبرياء عزل، فمنهم من رأى أن أسباب المجزرة عقائدية بحتة انطلاقا من حقيقة أن العقيدة الوهابية التي ارتكز عليها نظام آل سعود تبيح دماء كل من يختلف معها، ومنهم من أضاف إلى ذلك دافعا سياسيا وهو على صلة بخلاف الإمام يحيى حميد الدين آنذاك مع الملك عبدالعزيز، حول منطقة عسير اليمنية، وأراد النظام السعودي أن يرسل من خلال هذه المذبحة الكبرى رسالة تهديد وإجبار للإمام يحيى بقبول الأمر الواقع والتسليم بأن عسير أرض سعودية .. وهناك من الباحثين من ذهب إلى القول بأن الدافع السياسي الإضافي يرتبط ببريطانيا التي كانت ترى في اليمن عقبة أمام مشروعها الاستعماري، مع رفض الإمام يحيى حميد الدين التحالف معهم والمهادنة لهم في ظل احتلال جنوب اليمن، لتدفع امبراطورية الشمس التي لا تغيب بربيبها الوليد في المنطقة، إلى ارتكاب هذه الجريمة فقط من أجل فتح مسار للتصادم شمالا وصرف الأنظار عن ممارساتها الإجرامية في عدن.
– هذه الأسباب مجتمعة ربما خطرت ببال نظام سعود وهو يخطط لجريمته، لكن يبقى دافعها الأبرز، كما تؤكد الأحداث والوقائع الحقد الدفين والكراهية اللامحدودة التي يكنها النظام السعودي على اليمن ولكل من ينتمي اليها وقد تجلى ذلك بوضوح خلال عدوانه المتواصل منذ سبع سنوات ولم يشبع من دماء اليمنيين إلى يومنا، حتى وقد سفك دماء عشرات الالاف منهم ليضيف المزيد إلى قائمة جرائمه الطويلة والمستمرة، والتي يقينا لن تندمل جراحاتها في صدور أبناء اليمن مهما طال الزمن.

قد يعجبك ايضا