لا يمكن لأي متابع للوضع الإقليمي والدوليا- حتى ولو كان بعيدا إلى حد ما عن الموضوعية وعن الواقعية- أن يتجاوز موقع ومكانة حركة أنصار الله اليمنية، وأن لا يعترف بقدراتها وبما تملكه من ثبات وقوة ومن جرأة، فاقت ما امتلكته جيوش متطورة ومنظمات وأحزاب قادرة ومدعومة، وهذا الموضوع فرض نفسه بالفعل وليس بالقول، وقد يكون كافيا لإثبات ذلك، فقط عندما تتم مقاربة الحرب على اليمن والتي استمرت أكثر من ست سنوات حتى الآن، والتي خاضتها “الحركة”، وكطرف رئيسي مع الجيش اليمني واللجان الشعبية، وصمدت وانتصرت بمواجهة كوكبة من الدول الاقليمية، من الأكثر تسليحا وتمويلا، والتي استفادت من دعم غربي غير محدود، عسكريا وإعلاميا وسياسيا وديبلوماسيا، ولنجد هذه الدول المعتدية اليوم، وبفضل الدور الأساسي الذي لعبته حركة أنصار الله، تتخبط في مستنقع الفشل والهزيمة، فاقدة أي مبادرة أو إمكانية للخروج من هذه الورطة، وتخسر يوما بعد يوم من رصيدها السياسي والمالي والاقتصادي والاقليمي.
انطلاقا من ذلك، يمكن القول اليوم، أن حركة أنصار الله اليمنية، أصبحت رقما صعبا في المعادلة اليمنية (وهذا تحصيل حاصل) وأيضا ، وهذا هو الأهم، رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، والمرتبطة بشكل أو بآخر، بالمعادلة الدولية، فكيف يمكن مقاربة هذا الموقع للحركة ، وأين تظهر قدراتها التي جعلت منها رقما صعبا بما للكلمة من معانٍ، عسكريا ووطنيا واقليميا ؟؟
عسكرياً
نتكلم في هذا الجانب عن مسار المعركة “التاريخية ” التي خاضتها أنصار الله ـ كطرف أساسي من أطراف المقاومة اليمنية إلى جانب الجيش الوطني واللجان الشعبية الوطنية- وكيف استطاعت الصمود بداية العدوان بإمكانيات شبه معدومة، لتنتقل بفترة قصيرة إلى استيعاب الأمر بعد أن خاضت قتالا من أصعب ما يمكن أن تواجهه جيوش وأحزاب وحركات مقاومة مسلحة، أشبه بالقتال باللحم الحي بمواجهة آلة حرب ضخمة، فيها كل أنواع الأسلحة المتطورة عالميا، من قاذفات وطوافات ودبابات ومدافع ميدان آلية الحركة، ولتنتقل بعد فترة بسيطة إلى الهجوم واستعادة المناطق المحتلة من العدوان، بالتواكب مع مسار غير طبيعي من تطوير القدرات والأسلحة النوعية، من صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ومنظومات دفاع جوي، استطاعت بفضلها، اكتساب الميدان داخل اليمن، وتطوير معركتها الردعية إلى خارج الحدود، ففرضت نفسها أيضا في عمق دول العدوان وخاصة في عمق السعودية، لتنتقل معركة الأخيرة من الهجوم المُرَكَّز داخل اليمن، إلى الدفاع المتردد والضائع عن منشآتها ومواقعها الحيوية الأساسية، ولتفقد المبادرة التي كانت تملكها عند بداية عدوانها على اليمن.
اليوم، تحاول دول العدوان جاهدة، وبدعم غربي غير محدود، ايقاف زحف الجيش واللجان وأنصار الله باتجاه مارب، المدينة والمديريات، كنقطة أخيرة ما زالت تتمسك بها هذه الدول بشراسة غير طبيعية، حيث بخسارتها، يخسر هذا التحالف آخر فرصة ميدانية وسياسية ممكن أن تبقي عدوانه ومعركته على قيد الحياة، وإلا، مع تحرير مارب من قبل أنصار الله والجيش اليمني، ستكون الضربة القاضية لهذا العدوان.
وطنيا
لقد قاتلت حركة أنصار الله بمواجهة هذا العدوان عن كل محافظات اليمن، بمعزل عن هوية أي مكون يمني، ودفعت في سبيل ذلك آلاف الشهداء والمصابين، من مقاتلين أو مدنيين، وكانت دائما أسس وأهداف جميع معاركها، تتمحور حول تحرير كافة المناطق اليمنية ، ففازت عبر ذلك بقلوب اغلب أبناء اليمن، جنوبا وشمالا وشرقا وغربا، ومؤشر ذلك بسيط جدا ويمكن استنتاجه بسهولة من خلال الانتصار الواضح والثابت الذي حققته الحركة المذكورة بمواجهة العدوان الضخم، حيث التفاف العدد الأكبر من أبناء اليمن، شكّل معبرا أساسيا لتحقيق هذا الانتصار، ومن دونه لم يكن هذا الصمود التاريخي ممكنا بتاتا، وأساسا هذه هي سُنَّةُ الحروب والمعارك عبر التاريخ ، حيث البيئة الحاضنة لأية مقاومة تدافع عن الأرض، تشكل السلاح الأكثر تأثيرا في معركة الدفاع عن الوطن.
وبمعزل عن الميدان، حيث قاتلت الحركة ببسالة في سبيل كل الوطن، هي اليوم أيضاً، تخوض معركة سياسية شرسة، وتقاتل ببسالة في كل مناسبات وفرص المفاوضات، أيضاً في سبيل حقوق كل أبناء اليمن، وفي سبيل وحدة اليمن، وهذا الموضوع أيضاً ثابت ويفرض نفسه، من خلال المطالب الوطنية التي تشدد عليها الحركة في كل عمليات التفاوض والتواصل السياسي ، حيث لا تحصر مطالبها بمصالحها الخاصة، مناطقيا او مذهبيا، وبالنسبة لها، تقاتل لأن تعود حقوق اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة العدوان، في عدن وسواحلها وفي المخا وفي حضرموت وفي المهرة وفي جزر سقطرة وميون وغيرها، تماما كما تقاتل في سبيل حقوق صعدة وعمران وصنعاء وميدي وحرض وحجة والبيضاء والجوف ومارب وغيرها من المناطق اليمنية المحررة.
إقليميا ودوليا
لقد أصبحت حركة أنصار الله الشغل الشاغل للقوى الإقليمية والدولية، حيث تضع الأخيرة نصب أعينها هدف انهاء وجود الحركة، أو على الأقل تقييد قدرتها وتاثيراتها في اليمن والمحيط، حتى انها أصبحت تشغل حيزا غير بسيط من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حيث لحركة انصار الله في نظر الإدارة الأمريكية، دور أساسي لم يعد ممكنا تجاوزه او تخطيه، وبالإضافة لاعتراف هذه الإدارة أخيرا بموقع الحركة على صعيد اليمن، فهي (الإدارة الأميركية) لا تترك مناسبة إلا وتحاول، أما استمالة الحركة من خلال رفعها عن “جداول ترامب الإرهابية”، وحفظ موقعها في التركيبة اليمنية، اما الضغط عليها والتعامل معها من الند للند، كما تتعامل هذه الإدارة مع جيوش ودول تعارضها في سياستها واستراتيجيتها.
وأخيراً، وربما قد يكون هذا هو الأهم في ما فرضته حركة أنصار الله على الصعيد الاقليمي والدولي، هو في المواجهة ضد العدو الصهيوني من ضمن معركة محور المقاومة كاملا، فقد أصبحت حركة أنصار الله اليوم، أولاً من خلال ما امتلكته من قدرات نوعية استراتيجية، أثبتت إمكانياتها ومميزاتها، وعلى مسافات تجاوزت باشواط المسافة التي تفصل اليمن عن فلسطين المحتلة، وثانيا من خلال موقفها الثابت والتزامها الواضح، عقائديا وسياسيا، بمواجهة الكيان المحتل، أصبحت تشكل حاجزا عنيدا وعقبة جد مؤثرة، أمام “اسرائيل” وأمام مخططاتها العدوانية، وأمام إمكانية استمرار احتلالها ووجودها في المنطقة كيانا غاصبا.