غابات المانجروف ثروة اقتصادية ومنظومة بيئية تتعرض لتدمير شامل

 

الثورة / يحيى الربيعي

المانجروف أو الشورى أو القُرم.. كلها تسمي الشجرة الدائمة الخضرة التي تنمو في مناطق ما بين المدِّ والجزر على السواحل البحرية، ويتراوح طولها بين متر إلى خمسة أمتار.. وهي تمثل رحم التوالد الكثير من الكائنات البحرية، حيث تمثل هذه الكائنات بدورها، حلقة من حلقات الدورة الحيوية في الشواطئ، وسلة غذائية متنوعة للأسماك والطيور، ومحمية بيئية ذات أهمية قصوى.
يكون شجر المانجروف حاضناً آخر للأسماك التي تقترب من الشواطئ وتجد رزقها جاهزاً مما فقس ونما من بيوض الروبيان، وما بين المد والجزر تنتقل هذه الكائنات الصغيرة إلى داخل البحر ضمن “الهائمات البحرية” الداخلة في الدورة الغذائية للكائنات المتنوعة. لكن هذا الحاضن لا يبخل على الطيور المهاجرة أيضاً، فهي تحطّ أسراباً في الشواطئ لتتزوّد من مخزون غذائي غني بما لذ وطاب.. ويتكثّف هذا المنتج الغذائي الطبيعي كلما تكثفت الغابات والتصقت بالبحر، وبعض الغابات المانجروفية تمتدّ مسافات طويلة داخل البحر أو داخل البر، وبهذا فإن موقعها يمثل، دائماً وأبداً، أهمية حيوية لا يمكن الغنى عنها لأيّ بيئة بحرية في العالم حيث ينتج عن أيكات المانجروف لساحلية كميات كبيرة من المواد العضوية والمواد الدبالية والتي تتحرك إلى مناطق الماء المفتوح مما يساهم في تغذية العديد من الكائنات البحرية بها.
كما تعتبر الأيكات الساحلية لنباتات المانجروف الوسط المثالي التي تتغذى فيها لأسماك التي تعيش عادة في الماء الضحل والتي تأتي مع موجات المد إلى هذه المناطق وتتغذى على الكائنات البحرية اللافقارية التي تعيش في هذه الأيكات، ويتشكل ما يقرب من ثلث غذاء (الروبيان) النباتية المنشأ في مناطق الأيكات الساحلية للقرم وتمثل الأجزاء المستخدمة من النباتات المكونة لهذه الأيكات حوالي 60% منها.
الإنسان والبيئة:
تعمل أيكات نباتات المانجروف الساحلية في إنتاج الأوكسجين وامتصاص غازات الكربون والغازات السامة وهذا ما يساعد بشكل كبير في تقليص الإحتباس الحراري، كما تعتبر أيكات نباتات المانجروف من أهم النظم البيئية في تخليص الجو من الغبار والمعلقات الضارة في الهواء، حيث تعمل أيكات نباتات المانجروف في المحافظة على درجة الحرارة المناسبة للحياة الشاطئية وخاصة في تقليص الفوارق الحرارية بين النهار والليل.
وتلعب نباتات المانجروف دورا هاما في منع ظاهرتي الانجراف والتعرية للتربة الشاطئية، بالإضافة إلى أنها في تنظيم حركة الرياح والسحب والأمطار وتوزيعها على سطح الأرض، ولها فوائد في تكوين التربة (الطميّة) عن طريق تجميع الرواسب الطينية والعضوية حول الجذور الدعامي والجذور الهوائية التنفسية في المواقع الشاطئية، وتقوم بتنقية ماء الجريان السطحي الأرضي، وكذلك إزالة المعلقات والرواسب العضوية الأرضية، وتنتج كميات كبيرة من المخلفات العضوية والتي سوف تشارك بدورها في تغذية وإنتاجية العديد من الكائنات الحية الشاطئية.
وفي المجال الصناعي تستغل كسور الخشب والأفرع الصغيرة والنشارة لنباتات القرم والناتجة عن استخلاص الدعائم والألواح في صناعة الخشب المضغوط المستخدم في التشييد والتأسيس، كما تستخدم أخشاب نباتات المانجروف في إقامة أسقف المنازل نتيجة لصلابة أخشابها واستقامتها وفي بناء القوارب وإقامة الأسيجة والمنحوتات الخشبية وكوقود خشبي ذي رائحة طيبة.
ويستفاد من الأجزاء غير الخشبية مثل (القلف والأوراق) في إنتاج المستخلصات الكيميائية مثل (التانينات) والمواد الفعالة لصناعة الأصماغ والأصباغ، كم تستعمل نباتات القرم في الفلبين لإنتاج ألياف (الفيسكوز) المستخدمة في صناعة النسيج.
وفي عالم الصناعات الدوائية تعتبر نباتات المانجروف مصدراً لمكونات الهرمونات مثل (التربينات والأستيرويدات) إلى جانب وجود مركب) الكومارين (الذي يعد مصدراً يستخدم في تركيبات العقاقير والأدوية الطبية)، وقديما كان مستخلص بادرات نباتات المانجروف يستخدم قديماً كمقوى، وهذا ما أكده العالم (ابن عباس النباتي عام 1230م) والذي أضاف أيضاً أنه يستخلص منه مواد طبية لعلاج العديد من الأمراض ومنها أمراض اللثة وأمراض الكبد، وأثبتت التحاليل الكيميائية الحديثة والتي أجريت على أجزاء من نبات المانجروف النامية عن احتوائها على مواد تعتبر مصدراً الإنتاج الهرمونات المقوية.
بيئة نمو النبات
تنمو الأيكات القرم الساحلية في متوسط درجة حرارة الأشهر الباردة أعلى من 20°م، ومدى تغير موسمي لا يزيد عن 5°م، وهي توجد على طول شواطئ الدلتا وات عند مصبات الأنهار (وكذلك الأودية الكبيرة) حيث تتكون الرواسب من الطمي والطين، وتكون المادة العضوية متاحة لنمو البادرات، ويوجد النمو الكثيف لهذا النبات على الشواطئ المحمية داخل البرازخ أو خلف الجزر، حيث غالباً ما يؤدى تأثير الأمواج إلى اقتلاع البادرات وإزالة الرواسب الناعمة، ويتطلب التوسع في زراع هذا النوع من النبات وجود مجال مدٌى واسع من التوسع الأفقي في الأرض خاصة أثناء التغيرات المدية، وغياب المواد الملوثة والتي تلحق الضرر الكبير بنباتات القرم.
الوضع والتوصيات
صحيفة الثورة قامت برفقة فريق البحوث والدراسات بمؤسسة بنيان التنموية بزيارة ميدانية إلى مناطق نمو أشجار الشورى / المانجروف في كل من الخوبة وابن عباس وجزيزة كمران بمحافظة الحديدة، وقد وجدنا بالمشاهدة لبيئة هذه النباتات أنها تتعرض إلى التدمير الكامل ولذلك لغرض استغلالها كأراضي استثمارية، مع العلم بان المناطق الرطبة وغابات نيات المانجروف هي عبارة عن محميات طبيعية تصان عالميا باعتبارها من الموارد الاقتصادية الهامة ورافد طبيعي للحفاظ على المخزون السمكي، وهذا ما أكدت عليه الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية في تقرير لها عن الوضع البيئي لمناطق أشجار المانجروف الشريط الساحلي أوصت فيه بالآتي:
-على الجهات الرسمية والمنظمات والهيئات المحافظة على غابات ونباتات المانجروف وأن يمنع عنها كل أذى.
-توفير حماية لمناطق نمو المانجروف وسن قوانين رادعة وصارمة لأي مخالفات ترتكب في مناطق نمو المانجروف (استثمار الردم وإنشاء المنتزهات القريبة منها وتصريف المخلفات فيها) ومنع كافة أشكال التلوث (النفطي والنفايات).
-عدم التدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توقيت وكمية انسياب الماء العذب من الأنهار والوديان إلى مواطن المانجروف.
-عدم التدخل في استمرار عملية الغمر بماء المد أو ماء الجريان السطحي.
-عدم الإخلال بالتركيب الطبيعي والكيميائي والإحيائي للمنظومة البيئية لهذه النباتات أو لمستوى ارتفاع الوسط الترسيبي بالنسبة لمستوى سطح البحر بالمنظومة.
-إعداد خطة متكاملة تؤمن حماية هذه الثروة النباتية وإعادة الدور الحيوي لها. وإعادة النظر في الخطوات والسياسات المتبعة لإنقاذ تلك النباتات من خلال وضع برنامج إكثار نسيجي بواسطة مخابر زراعة الخلايا والأنسجة النباتية لتعويض ما تم فقده من هذه النباتات وإعادة استزراعها في موطنها الأصلي.
-وضع برنامج متكامل لمكافحة الرعي والتحطيب في تلك المناطق.

قد يعجبك ايضا