د. إسماعيل النجار

القدس معركة وَعي واستنهاض شعوب أكثر منها معركة عسكرية

 

 

ليست كل المعارك التي تدور والحروب التي تشتعل حول العالم باختلاف أهدافها في بداياتها ووسطها وعند انتهائها تُقاس نتائجها بعدد الضحايا وحجم الأضرار وإنما بما فَرَضت على العدو من معادلات وما حقَّقَت من إنجازات سياسية وأهداف يتم تجيِيرها لمصلحتها وتستفيد منها على طاولة المفاوضات.
عملية “سيف القدس” التي انطلقت منذ أيام لَم يَكُن الهدف منها تدمير مبنىَ في المستوطنات الصهيونية أو قتل جندي أو تدمير دبابة، بقدر ما أن الهدف منها هو خلق معادلة جديدة ورسم خطوط حمراء وتكريسها مع هذا العدو المغرور المتغطرس الذي وصلت الأمور معه إلى السقف الذي لا يُحتَمَل وأكدَ بما لا شك فيه أن المفاوضات معه هيَ مضيَعة للوقت وخسارة للشعب والقضية الفلسطينية، وأن الحل الوحيد النافع لهذه القضية والضار لهذا الكيان هوَ البندقية لأنها الوحيدة التي ستجبره على الركوع وتخفيض نبرة الصوت تجاه الفلسطينيين.
إسرائيل التي تمادت كثيراً وبشكل مبالغ فيه في إجراءاتها ضد الفلسطينيين داخل أراضي ٤٨ والضفة الغربية وقطاع غزة، استفادت وعلى مدىَ ٧٣ عاماً من الدعم الأمريكي الأوروبي الغربي لها، وتواطؤ وخذلان وضعف الأنظمَة العربية، وتجاوب قيادة منظمة التحرير مع الوساطات العربية نتيجة الحصار والضغط السياسي والعسكري التي عانت منه هذه المنظمة طيلة فترة الكفاح الفلسطيني وصولاً إلى إعلان قيام السلطة في أريحا.
التَحَوُل الكبير في حياة الكيان الصهيوني بدأ مع بروز نجم المقاومة الإسلامية في لبنان، وضياع هيبتها بدءاً من أول مواجهة عسكرية بينهما من الرصاص المسكوب، وعناقيد الغضب، وتصفية الحساب، وغيرها من الجولات العسكرية التي حصلت وأجبرت هذا الكيان على الاندحار من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠م من دون مفاوضات أو شروط مسبقَة، وحرب تموز عام ٢٠٠٦م كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الصهيوني السعودي الأمريكي.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة استفادت من التجارب الكبيرة للمقاومة اللبنانية ومن الدعم العسكري واللوجستي والتقني والمادي الذي قدمته لهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله، وراكمت القوة وأصبحت تمتلك الخبرات والقدرات لإدارة نفسها بنفسها آخذةً في الحسبان الاستعداد جيداً لنشوب أي حرب مع الكيان الصهيوني تكون شرسة وطويلة الأمد يكون فيها القطاع محاصَراً من الأشقاء العرب والصهاينة على حدٍ سواء.
وبالفعل حصَلَت جولات عسكرية عِدَة لَم تكُن غزة في تمام العدة لكنها انتصرت.
الأسبوعان الماضيان وبعد محاولة العدو الصهيوني إخلاء منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جَرَّاح بالقوة، كانت للمقاومة الفلسطينية الكلمة الفصل وسط صمت وتواطؤ عربي تجاه قضية القدس، وتحديداً دولة الإمارات التي تعمل ليلاً ونهاراً من أجل تهويد المدينة وطرد الفلسطينيين منها.
أعلنت قيادة العمليات الفلسطينية المشتركة في غزة عن إطلاق عملية (سيف القدس) وكان الهدف منها خلق معادلات وتوازنات جديدة، ورسم خطوط حمراء أمام كيان الاحتلال في القدس الشرقية، وبالفعل هذا ما حصل…
توقف إخلاء المنازل من قاطنيها بالقوَة وتم تأجيل العملية وسط إطلاق المقاومة رشقات صاروخية مدروسة في العنوان والنوع والعدد، حَوَّلت المستوطنين الصهاينة من نمور إلى مجموعات من الجزذان الخائفة المرعوبة المذعورة يصرخون ويركضون نحو الغُرَف المحصَنة والملاجئ العميقة.
ماذا حققت عملية “سيف القدس” المباركة؟
الإنجاز الأوَّل: وقف عملية إخلاء المنازل التي كانَ مقرراً إخلاؤها.
ثانياً: فرض معادلة البرج مقابل البرج.
ثالثاِ: فرض معادلة محاولة إخلاء كل منزل سيقابله حرب.
رابعاً: توحيد الشعب الفلسطيني بكل أطيافه والتفافه حول المقاومة.
خامساً: إعادة تذكير العالم بحل الدولتين الذي كانت إسرائيل تضرب به عرض الحائط وتزيد من الاستيطان.
سادساً: كشف كَذِب وادعاء حكومات الكيان في موضوع التفوق والسيطرَة على غزة وعدم زوال الكيان حيث تكَوَّنَت في هذه المعركة لدى المستوطنين قناعة بأن كيانهم يتعرض لخطر الزوال بعد السيناريو المُصَغَّر الذي يجري الآن والذي هو صورة طبق الأصل عن الحرب الكبرى القادمة مع دول المحور قاطبةً.
سابعاً: خلق قناعة لدى المستوطنين الصهاينة بضرورة حَل الدولتين، أو البحث عن مكان آمن للعيش فيه ومغادرة الكيان الكرتوني المعرَّض للانهيار.
ثامناً: استفادة المقاومة من الأخطاء وكشف نقاط ضعف جيش العدو وضرب سمعة منظومات القبة الحديدية وغيرها التي يكذب ويتباهى بها هذا الكيان أمام شعبه.
♦ أما على المستوَى الدولي والخارجي فقد حققت المقاومة الفلسطينية عدة أهداف من حملتها العسكرية (سيف القدس) أهمها:
فرض إعادة الملف الفلسطيني إلى ظهر الطاولة ليحتل مقدمَة كل الملفات الأخرى في الشرق الأوسط كافة واهتمامات العالم بالملفات الدولية الأخرىَ.
ثانياً: تَيَقُن جميع مَن يدعمون الكيان الغاصب أن الصمت الفلسطيني انتهى والقدس أصبحت خطاً أحمر فاقع اللون.
ثالثاً: إبعاد شبح الحرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الخط الفاصل بين لبنان وفلسطين لسنوات طويلة.
رابعاً: ابتعاد الشعوب العربية عن أنظمتها بعدما كادت أن تصبح قضية فلسطين خبراً عابراً لا يهتم له أي مواطن عربي.
عملية “سيف القدس” كانت بَتَّارَة إلى حَد قطع اليد الإسرائيلية نهائياً في القدس وإن شاء الله ستكون عملية تحرير فلسطين القادمة هي الأخيرَة والحاسمة بقطع رأس الثعبان الصهيوني وقطع ذيله العربي العبري المُطَبِّع والمُتَطَبِّع وعلى رأسه دويلَات الصهاينة الإماراتية البحرينية السعودية بإذن الله.

قد يعجبك ايضا