عظات وعبر من التاريخ

عبد الرحمن مراد

 

لا يمكن الحديث عن دولة وطنية في اليمن قبل جلاء الأتراك من اليمن عام 1918م، فقد فرض العثمانيون سيطرتهم على اليمن منذ عام 1872م واستمر وجودهم في اليمن حتى عام 1918م.
وكان اليمنيون قد انتزعوا حكما ذاتيا بعد نضال طويل توج بصلح “دعان ” عام 1911م .
تسلم الإمام يحيى حميد الدين مقاليد السلطة بعد خروج الأتراك من اليمن عام 1918م وبعد عام من استلامه للسلطة اضطرب المجتمع الذي لم يكن مستقرا في الأصل، فقد كان التنازع والتنافر في نسيجه الاجتماعي يمتد إلى جذور تاريخية بالغة التعقيد من خلال تغذية الصراع بين عشاق السلطة وأربابها .
لم تكن في اليمن ملامح دولة وطنية حديثة قبل ذلك التاريخ, ولكنها بدأت بالتشكل مع استلام الإمام يحيى لمقاليد السلطة حيث تم تحديد اسم المملكة المتوكلية اليمنية كاسم دال على الجغرافيا التي نعرفها اليوم وتم تحديد شعار وعلم .
لم تكن اليمن موحدة بعد خروج الأتراك بل كانت تعاني التشظي والتجزئة ولذلك سارع الإمام يحيى إلى استعادة الجغرافيا وبسط نفوذ الدولة عليها ليشمل كامل اليمن, وقضى الإمام عامه الأول من خروج الأتراك في استعادة الجغرافيا اليمنية إذ اتجه جنوبا عام 1919م أملا في استعادة عدن فتعذر عليه ذلك , فقفل راجعا بعد أن شهدت بعض المناطق اضطرابا وخروجا كحركة حاشد بقيادة الشيخ ناصر مبخوت التي حاولت تنمية حركة الانقسامات وتعطيل الإمام من القيام ببعض موجبات التأسيس بدعم من الأدارسة الذين وقعوا اتفاقا مع الإنجليز لقتال الأتراك وغضبوا من تحرك الإمام إلى عدن وكانوا على توافق مع الإنجليز .
صاحب تأسيس الدولة اليمنية حركة مضادة , وصعوبات نوجزها في التالي :
– لم يعترف الإمام يحيى بالمعاهدة التي وقعها العثمانيون مع الإنجليز عام 1914م والتي تنص على تقسيم الحدود بين اليمن شمالا وجنوبا .
– عام 1919م توجه الإمام إلى الجنوب وتوغل إلى عدن على بعد 50 كيلو منها فقصفه الإنجليز بالقنابل فقفل راجعا .
– في ذات العام تحرك ناصر مبخوت شيخ حاشد إلى حجة واحتلها تحت ما يسمى بانتفاضة يحيى شيبان، حيث تمت مبايعة يحيى شيبان وتم التحرك تحت رايته وتم الاستيلاء على حجة.
– تحرك الإنجليز في ذات العام إلى مدينة الحديدة واحتلالها ومن ثم قاموا بتسليمها لحليفهم الإدريسي عام 1920م .
– في عام 1921م وقعت حركة تمرد المقاطرة في تعز.
– خلال هذه الفترة (1918- 1926م) خاض الإمام حرباً مفتوحة مع الأدارسة حتى اقتحمت قواته جيزان ونجران وحاصر الإدريسي من صبيا عام 1926م.
– عام 1926م عرض الإدريسي الاتحاد على الإمام وإنهاء النزاع مشترطا اعتراف الإمام به وبأسرته حكاما على عسير الجنوبية (صبيا)، فرفض الإمام العرض وأصر على خروجه من اليمن .
– تحرك الإمام جنوبا للمرة الثانية ما بين ( -1926 1928م) فردت بريطانيا بقصف تعز وإب وذمار وقد ألحق القصف خسائر فادحة بجيش الإمام وفي الممتلكات .
– عام 1930م عين ابن سعود حاكما على عسير وفقد الأدارسة مفردات سيطرتهم على عسير بعد أن رأت بريطانيا في ابن سعود بديلا فاعلا أفضل منهم , ورمت المعاهدة المبرمة مع الأدارسة عام 1915م بعد أن فقدوا ميناء الحديدة الذي أهدته بريطانيا لهم لصرف نظر الإمام عن الجنوب بإشغاله بها .
– عام 1932م نقض الأدارسة معاهدتهم وخاضوا حربا ضد آل سعود وتحالفوا مع الإمام , وفي هذا العام اقتحم جيش المملكة المتوكلية جيزان ونجران .
– وفي عام 1934م ما بين مارس ومايو من العام نفسه، اندلعت الحرب اليمنية السعودية وتوجه جيش آل سعود إلى تهامة حتى وصل الحديدة بدعم من بريطانيا .
– عام 1934م تم توقيع اتفاقية الطائف .
– بعد اتفاقية الطائف حاول عبد العزيز آل سعود كسب ولاءات بعض مشايخ قبائل اليمن، كناصر مبخوت الأحمر في المناطق الجبلية وعبدالله عاموه في تهامة والحديدة ومن خلالهم كان يحدث زعزعة استقرار سلطة الإمام كلما دعت الحاجة إلى ذلك وكان ذلك بإيعاز من بريطانيا .
وها هو التاريخ اليوم يتكرر، فالسعودية التي كانت صنيعة بريطانية تفصح عن هذا الانتماء, فيدها إلى جانب يد بريطانيا في المهرة , فلا أحد ينكر التواجد البريطاني في المهرة اليوم , كما أنه من الغباء نكران الدور الذي تلعبه بريطانيا في ملف القضية اليمنية في ظل ما نشهده من عدوان غاشم , فهي قد تسلمت الملف اليمني منذ جاء غريفيث كمندوب للأمم المتحدة وظل يتلاعب بالقضية اليمنية، وفق ما تمليه مصالح دول العدوان ومصالح بريطانيا .
ومنذ وضعت بريطانيا يدها على الجزيرة والخليج إلى يومنا المشهود ما يكاد نجمها يغرب حتى يبزغ من جديد، فهي لم تغادر السعودية ولا الخليج إلا ظاهرا أما باطنا فهي ما تزال تحكم قبضتها على معظم المسارات , وتتحكم بمقاليد الحاضر والمستقبل وفق استراتيجيات طويلة المدى وقصيرة المدى , ويمكن قياس الحال على ربيبتها إسرائيل التي اتخذت من دبي مركزا اقتصاديا تدير من خلاله مصالح المنطقة والعالم .
إسرائيل عمليا اليوم وبفضل أعراب الخليج أضحت دولة مركزية إقليمية، فبعد حرصها على التفوق العسكري والاقتصادي ها هي تريد أن تتفوق سياسيا لكن المعيق الوحيد لها هو حركة الممانعة أو المقاومة الإسلامية ولعل معركة سيف القدس قد فرضت واقعا جديدا رفضته إسرائيل ورفضت نتائجه بدليل معاودة قصف غزة خلال الأيام الماضية .
نحن نخوض معركة وجودية اليوم ولابد لنا من اليقظة والصناعة ونبذ الغرور وراء ظهورنا، فهو من مهالك الأمم ومن استبد برأيه هلك , فالصناعة تتطلب وعيا بطبيعة المراحل ووعيا بالمقدمات والنتائج وهي رؤى استراتيجية غفلنا عنها زمنا ولابد من الاشتغال عليها اليوم .

قد يعجبك ايضا