في رحلته العلمية إلى اليمن..الدكتور فخري يستكشف حضارة وتاريخ اليمن

 

عرض/ خليل المعلمي

كان اليمن وسيظل مقصد علماء الآثار من مختلف الجنسيات منذ قرون وحتى الوقت الحاضر، وقد زار اليمن الكثير من العلماء منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي حين زارها المكتشف كارستين تيبور في السنوات من 1761م إلى 1762م، وتلاه العديد من علماء الآثار الآخرين والذين قدموا دراسات أثرية هامة.
وفي بداية القرن العشرين زار اليمن عدد من الرحالة العرب أمثال الثعالبي والدكتور أحمد فخري وهو عالم الآثار المصري المعروف، وبالتحديد خلال الفترة من مارس إلى نهاية مايو من العام 1947م، وكان حصيلة رحلته الأثرية هو كتاب “رحلة أثرية إلى اليمن”
وهذا الكتاب، هو جزء من كتاب يقع في ثلاثة أجـزاء للدكتور أحمد فخري رحمه الله، ألفه ونشره باللغة الانجليزية في مطلع الخمسينات من هذا القرن، بالإضافة إلى محاضرات ألقاها على طلاب أقسام الآثار في بعض الجامعات العربية والأوربية، وكـذا دراسات شـارك بها في الندوات والمؤتمرات التي انعقدت لمناقشة قضايـا الآثار.
وقد رأت لجنة الكتاب بوازرة الاعلام والثقافة في العام 1988م ترجمة هذا الجزء، وهو الخاص بوصف الرحلة الأثرية، وأوكلت مـوضـوع تـرجمتـه إلى عضو اللجنـة الاستاذ الدكتور يوسف محمد عبدالله، وخولت له أن يستعين بمن يـراه من المتخصصين في الدراسات الأثرية، وتمت إعادة طباعته في العام 2004م ضمن فعاليات “صنعاء عاصمة الثقافة العربية”، ويحتوي على مقدمة وثمانية فصول وعدد من النقوش اليمنية القديمة، بالإضافة إلى مـوجز عن تاريخ اليمن .

من السويس إلى صنعاء
تناول المؤلف في الفصل الأول وصف الدكتور أحمد فخري رحلته منذ تـوجهه من السويس على متن باخرة في 18 مارس إلى أن عاد إلى القاهرة على الطائرة من صنعاء في 31 مايو 1947م.
واستعرض رحلته من عدن حتى وصوله إلى صنعاء، وقد أخذنا من خلال الوصف من مدينة إلى أخرى مستعرضاً العديد من المواقع الأثرية والقديمة في مدينة تعز وإب وذمار، أبرزها جامع معاذ بن جبل، وقلعة الدملؤة وجبل التعكر، ويؤكد أن الظروف قد سمحت له أن يستمع من الناس الذين وصفوا له مختلف المواقع القديمة المجاورة، ودلوه أيضاً على كثير من الأحجار المنقوشة في كثير من الأماكن البعيدة أو تلك التي أعيد استعمالها في المنازل الحديثة.
وأثناء وصوله إلى صنعاء استقر في ضيافة الدولة، وأشار إلى وجود الكثير من المخطوطات العربية في جميع أرجاء اليمن وعلى الأخص في صنعاء، بعضها في مكتبات خاصة، وبعضها الآخر في المكتبات الملحقة بالمساجد، وأهمها مكتبة الجامع الكبير، التي تحوي الآلاف من أهم المخطوطات، بالإضافة لمكتبات زبيد وبيت الفقيه والتي تعتبر بمثابة كنور علمية للدارسين في العالم.

رحلة شاقة
قدم لنا المؤلف نبذة عن رحلته من صنعاء إلى مأرب والفريق الذي رافقه في تلك الرحلة والعوائق التي واجهتهم، وتحدث عن القرى والمناطق التي مروا بها وحديثه مع الناس في هذه المناطق بل ومع النساء القرويات، وحرص على تسجيل مشاهداته بصدق وأمانة، وعبر عن دهشته عندما شاهد النساء يعملن في الحقول ويتحملن العبء الكبير في سير أعمال الزراعة، وهو بهذا ينقل لنا صورة عن الحياة الريفية في تلك الفترة من الزمن، وهي نموذج للحياة الريفية في كل المناطق اليمنية، وقد مر على مختلف المناطق منها بني حشيش، ووادي السر والقرى المحيطة به، ووادي حريب القراميش، حتى وصلوا إلى صرواح.
وفي صرواح يقول المؤلف: تعتبر آثار صرواح من بين الآثار الباقية في حالة جيدة حيث توجد معابد مختلفة، وبقايا أعمال ري قديم كانت تخزن الماء لري الوادي الخصيب الفسيح وما زال الأهالي يحصلون على الماء من بئرين قديمتين، وقد أمضى المؤلف في صرواح ثلاث ليال في الهواء الطلق، ثم غادرها إلى سد مارب.

سد مارب
وبعد عدة أيام من السفر الشاق والمرور بالجبال والسهول وصل المؤلف إلى سد مأرب في وقت الصباح، وهناك ظل طوال اليوم وحتى المساء يشتغل في نسخ النقوش وعلى الأخص لوحتي أبرهة وشرحبئيل، واستمر في الدراسة للآثار حتى عصر اليوم الثاني وبعدها اتجه إلى مدينة مارب.
يقول المؤلف عن السد: لقد تهدم سد مارب الشهير مرات عديدة ولكنه رمم وكان آخر ترميم قام به أبرهة في القرن السادس الميلادي بقاياه مازالت قائمة والمياه التي كانت تأتي إلى السد من وديان كثيرة نتيجة تجمع مياه الأمطار التي تسقط على جزء كبير من الجبال الشرقية لليمن تضيع ولا تستخدم الآن، ويعيش قليل من البدو بالقرب من السد وعلى أطلال مدينة مارب التي كانت في يوم ما عظيمة شامخة.

مدينة مارب
لقد وجد المؤلف وقته من الراحة في مدينة مارب حيث أعد له جزءاً من دار الضيافة، فبدأ العمل فوراً مبتدئا بنقل النقوش على الأحجار التي وجدها في فناء المسكن، وأمضى أربعة أيام في زيارة أماكن مختلفة، ونقل النقوش التي وجدها إما على المعابد أو متناثرة بين الانقاض، أو كان قد أعيد استخدامها في المباني الحكومية.
ويقول: كثير من هذه الأحجار المنقوشة أو المزخرفة من الآثار قد أعيد استخدامها لبناء مبان تابعة للحكومة، ومارب التي كانت عاصمة مملكة عظيمة أصبحت الآن قرية صغيرة، وبدلاً من أن تمر من خلال أبوابها قوافل اللبان والبخور في طريقها إلى أسواق العالم الرئيسية، نرى الآن من وقت لآخر جمالاً قليلة يمتلكها البدو تحمل الملح لكي يباع في أسواق صنعاء.
كما قدم المؤلف نبذة عن الحياة الاجتماعية لدى سكان وقبائل مارب، وتولد لديه انطباع عن تخوف القبائل من الغرباء، لكنه استطاع ان يكسب ثقتهم ويبدد خوفهم.

بين مارب والجوف
شد المؤلف رحاله من مدينة مارب إلى الجوف واستعرض المؤلف خط سير رحلته ومروره عبر الصحراء الواقعة بين مارب والجوف، ومروره بمنطقة رغوان وقرية “حربة سعود” ومقابلته لبدو الصحراء من قبيلة “دهم”، ووصوله إلى مدينة براقش تفحص نقوشها ومعالمها، والتقط بعض الصور الفوتوغرافية هناك.
بعد وصول المؤلف إلى حزم الجوف جعله مركزاً لدراساته وتمكن من زيارة كل الأماكن الهامة حول الحزم مثل “خربة آل علي، ومدينة هرم، ومعين” واصفاً تلك المناطق، معجباً بأحجار الحزم ومعين الجرانيتية المزخرفة وحاول التقاط صور لها وعمل تخطيط سريع لمناظرها، وبعد زيارته لمنطقة حزم الجوف وما حولها، عاد إلى صنعاء بصحبة ثمانية جنود يعرفون الطريق ماراً بعدة مناطق منها وادي هران ومرهبة وذيبين وعمران.

الزيارات الأولى
في الفصل الثاني استعرض المؤلف أسماء الرحالة والزوار السابقين لمناطق مارب والجوف، وأشار إلى أن أول رحلة علمية لليمن قام بها المكتشف كارستين تيبور في السنوات من 1761م إلى 1762م، ورغم أنه لم يزر مناطق مارب والجوف، إلا أن المؤلف قد أشاد به وذلك لقيامه بلفت انتباه العالم لتلك البلاد، وتعتبر معلوماته بالإضافة إلى مادته الأثرية الغزيرة المتضمنة في كتابه أولى الخطوات نحو اكتشاف آثار اليمن.
ويقول المؤلف: وهناك رحالة آخرون وصلـوا اليمن وتركوا لنا تقارير عن رحلاتهم، ولكن أغلبهم اهتموا بحياة الناس أكثر من اهتمامهم بالآثار، ومن ضمن هؤلاء من اهتم بالنقوش القديمة ولكن لم يتمكن أحد منهم من الوصول إلى مارب قبل الصيدلي الفرنسي “جوريف آرنو” الذي ذهب إلى هناك في عام 1843م، وهاليقي في عام 1870م، وجلازر في عام 1888م.
وتطرق إلى إنجازات ارنو ومغامراته أثناء رحلته إلى مارب وقيامه بعمل تخطيط لأطلال سد مارب ونسخ بعض النقوش التي رآها، ومعاناته اثناء تنقلاته، وقد تم نشر النقوش السبئية الستة والخمسين التي نقلها في صنعاء وصرواح ومارب بالإضافة إلى مذكراته عن الرحلة ورسوماته للسد ومدينة مارب، فقد نشرها “فرزنل” القنصل الفرنسي بجدة بعد ذلك بسنتين أي في عام 1845م.

صرواح
يأتي الفصل الثالث من الكتاب بمعلومات قيمة عن صرواح المدينة الأثرية القديمة ووصف جغرافي للمنطقة ويقول المؤلف: يمكن تحديد آثار صرواح القديمة في ثلاثة مواقع “البنا والقصر والخريبة”، وإن كانت هناك أحجار منقوشة في كل مكان ولربما تكشف التنقيبات الأثرية في المستقبل عن موقع الجبانة القديمة، وإذا ما قورنت آثار صرواح بآثار مناطق أخرى فإنها تعتبر نسبيا في حالة جيدة من الحفظ وأطلالها كثيرة ويمكن اعتبارها بوجه عام أكبر المناطق الأثرية في اليمن بعد مارب.
وتقع المواقع الثلاثة “الخربية واقصر والبنا” على خط واحد في وسط الوادي المستدير حيث تقع الخريبة في الوسط بينما يقع البنا وبقايا خزان للمياه وسد على بعد 900متر إلى الشمال منها، أما القصر وهي قرية حديثة شيدت داخل قلعة من العصور الوسطى فتقع على مسافة 800 متر إلى الجنوب منها، ومن أهم المواقع الأثرية في صرواح “معبد المقه” وقد وصفه المؤلف وصفاً تاما، وقدم لنا شرحاً وافياً عن النقوش وترجمتها.
وتناول المؤلف في الفصل الرابع والخامس والسادس، المواقع والمعابد الأثرية في مارب مثل سد مارب والمعابد الموجودة فيها، وتطرق إلى النقوش المجهولة في مارب.
واستعرض في الفصل السابع حجارة مزخرفة ولقي أثرى أخرى، فيما تناول في الفصل الثامن المواقع الأثرية في الجوف وهي براقش ومعين.

قد يعجبك ايضا