تعالت الصرخات وتسارعت الهتافات وسقطت تحصينات العدو حين سماع دويها، وكأنها تلك الحرب النفسية العالمية التي جمدت العدو في مكانه، فتارة يتراجع للخلف، وتارة تنتابه نوبات التشنج حين يسمع صرخات المجاهدين، ومن مران إلى جيزان إلى الحدود الفلسطينية، هتف الأحرار بـالموت لأمريكا ـ والموت لإسرائيل، فسقطت العظمة الكرتونية تحت النعال، وكان الفشل حليفا لكل من مضى في سبيل الإرجاف والتخاذل، فقد قال تعالى: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) (َبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)، فـ الزمان يعيد نفسه من جديد وذلك حال لسان المنافقين.
لم يكن شعار البراءة كلمات عابرة تحدث عما جال في خاطر الشهيد القائد رضوان الله عليه، بل أن لها دلالات إلهية عظيمة، ويمكننا الإجادة بقوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ولسنا هنا في صدد الحديث عن مقام النبوة فقط، (فـ لكل قوم هاد)، وهذا ما بينه القرآن الكريم، ولم تأت الهداية ولم يشع نور البصيرة ولم تدق ساعات النصر إلا حين صرخ الصادقون (بشعار البراءة) والواقع يشهد على ذلك.
كانت تلك الصرخة آية واضحة في سورة (التوبة) حين تبرأ الله من الكافرين والمشركين يوم الحج الأكبر، وكانت تلك الثقافة هي من حفظت للحج مكانته ووجهته وهدفه الرئيسي نحو توحد الأمة والتمسك بتشريعات الله والتنكر لأعداء الله، وقد تحولت الآيات القرآنية من جديد إلى آيات تتلى واقعا على أرض مواجهة الأعداء ليس فقط يوم الحج الأكبر، بل جهادا واسعا في سبيل الله ونصرة المستضعفين في الأرض، وكانت مشكاة نور احتوت كل من بحث عن الحرية ودار في فلك الولاية للإمام علي عليه السلام.
لقد ولد شعار البراءة من رحم الثقافة القرآنية التي تميز بها الشهيد القائد، فـأحيا بها أمة، وربى مجتمعاً، وأيقض الشعوب من سبات طال أمده تحت الوصاية الصهيونية، وكانت حبل نجاة لا يقل شأنها عن سفينة نوح التي أنجت من صعد على ضهرها من الغرق، فمن ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، فقد هوى الإصلاح وهوت معهم المكونات الأخرى، ممن اختاروا لأنفسهم طريق العمالة والانبطاح، وتوسم بها الشعب اليمني الصامد نصرا مبينا حين حقق المستحيلات بتوكله على الله.. وحين تثقف بثقافة القرآن وتأصل بهويته الإيمانية اليمنية الأصيلة.
فمن جهل عظمة الشعار، فلينظر في كل ما يحدث للعدو من خزي وعار في الجبهات، وليتفكر في أثرها التي وصلت حقيقة إلى صرخة تخص الشعب اليمني وتعبر عن مواقفه التاريخية، فـ الشهيد القائد تحدث بكل ثقة أن الصرخة لن تقف في ذلك المجلس المتواضع ولن تقف عند حد معين، بل ستتحول إلى صرخة عالمية يهتف بها الأحرار داخل الوطن العربي، وفي أرجاء العالم، فتلك التوقعات قد تحولت إلى واقع ملموس، وما تبقى هو أن نتفكر في سبب نزول سورة النصر، ومن بعدها فلتلهج ألسنتنا بالتسبيح والاستغفار، وعسى ربنا أن يوفقنا لنكون من عباده المؤمنين، والعاقبة للمتقين.