أحد عشر يوماً خاضتها المقاومة الفلسطينية في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، غسلت ما تراكم من النكسات والهزائم العربية التي تراكمت طيلة سبعة عقود.
أحد عشر يوماً كشفت الكثير من الحقائق وأسقطت المزيد من الأقنعة وفضحت زيف الكثير من الادعاءات.
خلال سبعة عقود من المواجهات مع الكيان الإسرائيلي الغاصب ساهمت الأنظمة العربية – الثورية منها والرجعية – في إظهار الكيان الإسرائيلي كبُعبُع لا سبيل لهزيمته أو كبح جماحه ابتداء من حرب 1948م، أو ما تسمى بحرب النكبة التي شاركت فيها جيوش نظامية من مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان والسعودية ومتطوعين من عدد من الدول العربية والإسلامية، ومُنِيَتْ تلك الجيوش بهزيمة نكراء من قبل العصابات الصهيونية، حينها كان عمر دولة الكيان الإسرائيلي لا يتجاوز شهراً واحداً، ومع ذلك تمكنت عصابات الصهاينة من إلحاق الهزيمة بجيوش ست دول عربية وحافظت على نصيبها في خارطة التقسيم الأممية وأضافت إليه 50 % من الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم، لا يمكن تفسير تلك الهزيمة إلى قوة العصابات الصهيونية بل إلى سوء إدارة المعركة من قبل الأنظمة العربية وهو سوء يتجاوز التقصير وسوء التقدير إلى التواطؤ والخيانة.
ومن نكبة 48 إلى نكسة 67 التي شاركت فيها مصر وسوريا والعراق والأردن وتمكن الكيان الإسرائيلي من احتلال سيناء المصرية التي تبلغ مساحتها ما يقارب ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية بالإضافة إلى الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة في خلال ستة أيام.
والمفارقة المثيرة أن الجيش المصري الذي أرسله عبدالناصر إلى اليمن في الستينيات لدعم الجمهورية استخدم حتى الأسلحة الكيميائية في مواجهته مع القبائل الملكية، وفي سيناء المصرية بدأ الجيش المصري وكأنه أعزل لا حول له ولا قوة.
ولا زال المواطن العربي يدفع ثمن تلك الهزيمة التي رسّخت صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وفي عام 1973م كان الانتصار المصري السوري محدوداً أو مشروطاً ولم ينل من صورة الجيش الإسرائيلي الذي رسمته النكبات والنكسات السابقة.
عام 1982م كان العرب على موعد مع نكسة أخرى حين اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان وصولاً إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وتمكن من فرض شروطه بإجلاء الفصائل الفلسطينية عن لبنان، ولم يكن بوسع العرب سوى القبول باستضافة عناصر تلك الفصائل كلاجئين توزعوا على عدد من الدول العربية.
أمام تلك النكسات والهزائم المذلة وجدت الكثير من الأنظمة العربية الذرائع للتطبيع مع العدو الصهيوني، كيف لا، وهو صاحب الجيش الذي لا يقهر وفقاً لمبدأ ” اليد اللي ما تقدر تكسرها بوسها”.
وفي الحقيقة، لم تكن اليد الإسرائيلية عصية على الكسر، هذا ما أثبته حزب الله في لبنان أكثر من مرة، الحزب الذي أثمرت مقاومته لجيش الاحتلال انتصارات ساحقة على جيش العدو آخرها كان في العام 2006م، ولأن تلك الانتصارات أحرجت الأنظمة العربية وفضحت زيف ادعاءاتها لم تتردد تلك الأنظمة في التعامل مع الحزب كعدو يجري محاصرته والتحريض عليه وتشويهه.
على خطى حزب الله، سارت المقاومة الفلسطينية في غزة وخاضت مواجهات متعددة مع جيش الاحتلال ” 2008 ، 2009، 2012، 2014″ ثم معركة سيف القدس التي كسرت الذراع الإسرائيلية في أحد عشر يوماً، وهي المعركة التي أسقطت ما تبقى من أقنعة ومحت تماماً أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأسست لمرحلة جديدة من المواجهة مع الكيان الغاصب بعيداً عن مسلسل النكبات والهزائم والنكسات.
معركة سيف القدس أثمرت انتصاراً مزدوجاً، انتصاراً على جيش الاحتلال وانتصاراً على أنظمة الخيانة والخذلان.