في أجواء من الحزن والأسى خيمت على الوطن، تم بعد صلاة يوم الجمعة الماضي 23 أبريل، الموافق 11 من شهر رمضان المبارك، توديع هامة وطنية وجهادية عظيمة ونموذج من النماذج الإيمانية للمسيرة القرآنية، ذلك هو فقيد الوطن اللواء المجاهد زكريا يحيى محمد الشامي- وزير النقل في حكومة الإنقاذ- إلى مثواه الأخير بمقبرة جامع إسحاق بأمانة العاصمة .
لقد كان الفقيد الشامي واحداً من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه والذين قضوا نحبهم، بعد حياة حافلة بالجهاد والعطاء والتضحية، عاشها رافضا لظلم وطغيان النظام السابق من لحظة تخرجه من الكلية الحربية الدفعة 30 عام 1993م صادعاً بالحق في وجهه ومتحلياً بالإخلاص والنزاهة والولاء لله ولرسوله ولأعلام دينه وللوطن خلال مسيرة حياته الحافلة بالمواقف الصادقة مع الله ومع الحق ومع الوطن والتي برزت في كل المناصب التي تقلدها في عهد النظام السابق بدءاً من تعيينه قائد فصيلة في العمالقة بعد تخرجه من الكلية الحربية في 14 /10 /1993م الدفعة30 وحتى تعيينه قائداً للفرقة الأولى مدرع بالمنطقة الشمالية الغربية في عام 2008م، وخلال هذه الفترة الطويلة لم يغوه إغراء لتغيير مواقفه عن فساد النظام السابق وعبثه في المؤسسة العسكرية ولم يخفه ترهيب ولا ثناه تهديد وكان رضوان الله عليه مصدر قلق للمسؤولين في كل الوحدات التي عمل بها خلال تلك الفترة ولو خضنا في سرد أبرز مواقفه في الوحدات العسكرية التي عُيِّن بها لتجاوزنا مجلداً كاملاً، ويكفي القارئ أن يعلم أن حياته العملية والجهادية اتسمت بثباته على مواقف الحق ورفضه للظلم والطغيان في عهد النظام السابق وبعد زواله، وعلى الرغم من الحرب الباردة التي مارسها النظام السابق ضده بسبب مواقفه الإيمانية إلا أنه نال بتلك المواقف الكثير من الأوسمة الرفيعة والأنواط الوطنية والشهادات التقديرية، كما أن مواقفه الشجاعة كانت سبباً في عدم استمراره بوحدة عسكرية كما يفترض وفقاً لتخصصه العسكري ومؤهلاته التي حصل عليها بل تنقل وعُيِّن في عدد من الوحدات العسكرية المختلفة بسبب مواقفه على الحق وثباته عليها، والتي لا يسعنا المجال إلى مجرد الإشارة إليها، إذ يكفي القارئ أن يعرف موقفاً واحداً هو أبرز مواقف الفقيد زكريا الشامي والمتمثل بموقفه الرافض لحروب صعدة من أول طلقة فيها باعتبار أن هذا الموقف العظيم سبب له الكثير من المتاعب والمشاكل والاستهداف وحول حرب النظام عليه من الحرب الباردة إلى حرب مواجهة ظاهرة ومباشرة لدرجة أن النظام الإجرامي السابق اعتبره واحداً من أبرز المطلوبين له فيما بعد، كما سيتبين لكم .
لقد كان أول ضابط عسكري يعلن رفضه القاطع لتلك الحروب في وضح النهار ودون أن يخاف من سطوة النظام الإجرامي السابق وكان أول المطالبين بوقفها من أول لحظة من لحظاتها وبحلها سلمياً وبالحوار وبوقف إراقة دماء إخواننا الأبرياء من أبناء محافظة صعدة، وتجنيب الجيش حروباً عبثية لا هدف لها غير الجريمة في حق الوطن والخدمة لأعداء الأمة والوطن.
عَين النظام السابق والده اللواء يحيى محمد الشامي رئيسَّاً للجنة الوساطة عام 2005م، فكان هو الوسيط بين والده والسيد عبدالملك وقيادة النظام في صنعاء، عرفه السيد عبدالملك من أول وهلة رجلا صادقا قويا شجاعا وثابتا على الحق ومما زاده إصرارا وعزما وثباتا على مواقفه أنه تأثر كثيرا بملازم الشهيد القائد وكذلك بشخصية السيد عبدالملك بعد أول لقاء له معه، فتضاعف إيمانه بمظلومية صعدة وزاد يقينا بالحق الذي هم عليه وأدرك منذ تلك اللحظة أن موقعه الجديد هو مجاهد مع الحق ومن أجل نصرته وأن أول ما يجب عليه هو بذل أقصى جهده لوقف تلك الحرب خصوصاً وقد شجعه السيد القائد على المضي نحو تحقيق هذا الهدف فكانت حركته صادقة ومركزة لتحقيق ذلك ، وخلال ذلك العام أوشكت تلك الجهود الصادقة أن تثمر سلاماً دائماً على محافظة صعدة أكثر من مرة إلا أن المجرم علي محسن الذي كان اليد الطولى في المحافظة للنظام الإجرامي السابق كان ينسف تلك الجهود متعمداً إفشال جهود لجنة الوساطة بإثارة الفتن والاعتداءات المتكررة وإعادة الوضع إلى مربع العنف والمواجهات، اضطر النظام السابق في مطلع العام 2006م وبالتحديد في 11 فبراير منه تعيين والد الفقيد اللواء يحيى الشامي محافظاً لمحافظة صعدة.
وكان للنظام هدفان من هذا القرار: هدف ظاهري معلن، هو وقف الحرب وإحلال السلام في محافظة صعدة، وهدف سري غير معلن، وهو استخدام هذه الشخصية الوطنية الحكيمة كطُعم للإيقاع بأنصار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- -رضوان الله عليه- الذي عجز عنهم وأولهم السيد عبدالملك، وهو الأمر الذي أدركه اللواء المناضل يحيى الشامي لحظة عرض التعيين عليه من قبل المجرم عفاش ولذلك فقد اشترط على المجرم عفاش أن موافقته على القرار مرهونة بعدم تدخل المجرم علي محسن الأحمر بمحافظة صعدة نهائياً لا من قريب ولا من بعيد، ووافق المجرم عفاش على ذلك في الظاهر ليقبل اللواء يحيى الشامي على قرار التعيين معتمدا على أسلوب المكر والخداع الذي اعتاد عليه، إذ سرعان ما عاد المجرم علي محسن إلى مستنقع المكر والإجرام بعد استلامه للعمل.
بعدها مباشرة تم تكليف المقدم زكريا الشامي آنذاك ضمن لجنة الوساطة فانطلق في هذه المهمة يحدوه التفاؤل والأمل بأن الذي لم يتحقق في عام 2005م بسبب المجرم علي محسن سيتحقق في عام 2006م خصوصا بعد قبول عفاش شرط والده وموافقته على وقف تدخلات المجرم علي محسن في محافظة صعدة فقد كان يظن أن عفاش سيفي بشرط والده.
كانت مواقف فقيد الوطن زكريا الشامي في لجنة الوساطة واضحة وصادقة وثابتة مع الحق ليس فيها مداهنة مع النظام ولا فيها ميل عن الحق، فالسيد عبدالملك كان حريصا على إيقاف الحرب، بينما النظام السابق كان حريصا على الوصول للسيد بأي طريقة، وهو ما عجز عنه، ولذلك كان يحرك المجرم علي محسن لإفشال جهود لجنة الوساطة ولاستمرار الحرب، ﻷن هدفه ليس وقف الحرب بل أمور أخرى، فخافوا منه وسعى المجرم علي محسن للتخلص منه فتعمد تعيين المقدم زكريا الشامي قائداً لإحدى الكتائب المشاركة في الحرب، وكان واثقا أن المجاهد زكريا الشامي لن يوافق وهدفه من ذلك أن يثبت لعفاش أن المقدم زكريا الشامي أصبح واحداً من الحوثيين المقربين للسيد، وهو ما نجح فيه فاعتبروه كذلك ووضعوه تحت مراقبة أجهزتهم الأمنية والاستخباراتية، والتي رصدت مكالمة له بلغ فيها أنصار الله أن يأخذوا حذرهم كون اللجنة الأمنية العليا التابعة للنظام بصنعاء أقرت إرسال قوات كبيرة لاستئناف الحرب بصعدة، وفي ثاني يوم تم الاتصال به من قبل علي معوضة “تحويلة الرئاسة” واخبروه أن عليه سرعة الحضور كون الرئيس يريده وأن السبب هو مكالمته فطلب منهم توصيله بعفاش فوصَّلوه به، وقال له بكل شجاعة نعم اتصلت بهم فعلي محسن مراوغ ويسعى إلى إغراق الجيش في حرب عبثية فاتهمه عفاش بأنه يجهز جيش المهدي ويسعى لإعادة الإمامة، فردَّ عليه وأكد أن كل ما يرفعه علي محسن عار عن الصحة وأن السيد متفهم جداً ويريد وقف الحرب وحقن الدماء ووافق على كل شروطك وأعلن استعداده أن يحضر رسالة تطمينية بخط السيد وتوقيعه تثبت حرص السيد على وقف الحرب، فوافق عفاش على ذلك لينهي المكالمة ، ويكتشف الفقيد مكره بعد وقت قصير بجريمة منظمة هدفت إلى اغتيال الفقيد زكريا الشامي باستهداف سيارته بالمدفعية ونجا منها بفضل الله فبدأت بعدها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بمطاردته وترصده للقبض عليه في كل مكان إلى أن تمكنت من ذلك وتم توقيفه لـ23 يوماً وهو رهن التحقيق من قبل مختلف الأجهزة الأمنية، وبعد إطلاق سراحه غادر اليمن إلى ماليزيا لإكمال دراسته وعاد إلى الوطن بداية العام 2011م فكان من أول وأبرز الثائرين والمنطلقين في ثورة فبراير وكانت أول أربع خيم تُنصب في ساحة التغيير على نفقته الخاصة.
واصل مسيرة جهاده وثورته بكل جهده وطاقاته وعلى مختلف المستويات، إلى أن عُيِّن عضواً في مؤتمر الحوار الوطني عام 2013م عن أنصار الله بفريق أسس بناء الجيش والأمن وبعد قيام ثورة 21 من سبتمبر المباركة بشهرين تم تعيينه رئيساً لهيئة الأركان العامة في 28/12/ 2014م وبذل جهودا كبيرة في إعادة بناء وتأسيس الجيش خصوصاً في ظل تنصل وزير الدفاع آنذاك، وانطلق بعد العدوان في مهامه الجهادية من تحشيد ودعم للجبهات ومشاركة فيها إلى أن تم تعيينه وزيرا للنقل في 28/11/2016م بحكومة الإنقاذ، وظل ساعياً بكل جهده وطاقاته في أعماله الجهادية من دعم الجبهات والتحشيد لها ورعاية أسر الشهداء والنهوض بوزارة النقل وبمسؤولياتها، فكان رجلا ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه حتى قضى نحبه ، رحل وترك لنا تاريخا مشرفا من مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والجهاد والتضحية، رحم الله فقيد الوطن وفقيد مسيرة الحق بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.