تحلّ اليوم على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ذكرى عظيمة لا تنتهي عِبَرُها ودروسها أبداً في تاريخ الدين الإسلامي ومسيرة مواجهته المستمرة مع جحافل الشرور والطغيان والظلام.
إنها غزوة بدر الكبرى التي أسماها الله في القرآن الكريم ”يوم الفرقان“؛ كونها كانت محطة فارقة بين عهدين ومرحلتين فاصلتين ما بين الحق والباطل .
فهذه الذكرى العظيمة بما حملته من دروس مهمه هي ذكرى يستلهم منها المؤمنون في عصرنا الحاضر قوة الإيمان والصبر عند المواجهة للأعداء والمجرمين من قوى الاستكبار العالمي، ذكرى يتجدد معها الإيمان في القلوب، وتنبعث معها الهمم وتستقوي بها العزائم في نفوس المجاهدين.
ومثلت غزوة بدر الكبرى في 17 من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة، علامة فارقة بين الإسلام والكفر ومعركة الحق ضد الباطل وانتصار الخير على الشر.
ورغم أن المسلمين بقيادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وما يمتلكونه من قوة لا تقارن بقوة قوى الشرك والضلال، إلا أن غزوة بدر الكبرى مثلت ملحمة من ملاحم البطولة والفداء، وكانت بداية للنصر الذي وعد الله به المسلمين لرفع منارة الإسلام وإذلال الشرك والمشركين.
حدث مهم في تاريخ الأمة
قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي اعتبر في إحدى محاضراته الرمضانية غزوة بدر الكبرى حدثاً مهما
وتاريخياً واستثنائياً ومفصليا في تاريخ الأمة الإسلامية .. لافتاً إلى أنه قبل غزوة بدر الكبرى عاش المسلمون منذ بداية البعثة بالرسالة وبداية تكوّن الأمة الإسلامية من القليل من أبناء المجتمع في مكة، ثم منذ الدخول في الإسلام ليشمل مناطق متعددة، لكن على نحو محدود، وفي حالة من الاستضعاف والتكذيب والصد وبأشكال متنوعة من الحرب الإعلامية والاقتصادية والتعذيب والاضطهاد.
وربط قائد الثورة ما كان عليه واقع الأمة في زمن غزوة بدر الكبرى، بما هو واقع اليوم .. وقال ” إن ذلك زمنٌ كان فيه أعداء ألِدَّاء يعارضون الإسلام ومبادئه وقيمه ولا يسمحون للأمة أن تنشأ مستقلة تتحرك في واقع حياتها على أساس تعاليم الدين العظيم”.
وأًضاف” أمَّا هذا الزمن فأصبحنا في ظروف مختلفة وأمام واقع لا نواجه فيه التحديات، ولا الأعداء الخطيرين والكل من حولنا يفتحون لنا المجال أن ننشأ أمةً مستقلةً تبني مسيرة حياتها على أساس هذا الدين؟! لو قلنا أنهم يفكِّرون هذا التفكير فهذا مضحك؛ لأننا نعلم أنَّ المخاطر في هذا الزمن والتحديات كبيرة جدًّا، والواقع يشهد أن الأعداء يسعون بكل جهدهم للسيطرة على الأمة والتحكم بها في كل شؤونها على المستويين السياسي والاقتصادي”.
تأييد الهي
وتوقف السيد عبدالملك الحوثي عند واقع المسلمين في هذا الزمن .. مبيناً أن هذا الواقعٌ أصبح معروفاُ .. وقال” هناك أمريكا، وإسرائيل تسعيان بكل جهديهما لضرب واستهداف الأمة وهناك الكثير ممن يتحالفون معهما ويناصروهما”.
وأضاف” عندما انطلق الرسول عليه الصلاة والسلام وتحرك لم يكن يعتمد اعتماداً رئيسياً وكلياً على الإمكانات المادية، ولا على العدد، والعدة، وإنما انطلق من ظروف صعبة وإمكانات بسيطة، ولكنه كان يتوكل ويعتمد على الله سبحانه وتعالى، إضافةً إلى وجود الشواهد في زمننا هذا لقوى تحركت معتمدةً على الله وحققت انتصارات، منَّ الله عليها بالتأييد الإلهي”.
وأكد قائد الثورة أن الجهاد في سبيل الله ليس عبئا في هذه الحياة كما يروج له البعض ومشكلةً إضافية وخطراً، بل هو حل وضرورة وحاجة ملحة وهذه النظرة التي هي غائبة عن الكثير من الناس نتيجة بُعدهم عن الاهتداء بالقرآن الكريم، والتأمل في الواقع.
وشدد السيد عبدالملك الحوثي على أهمية العودة إلى التاريخ وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاستلهام الدروس والعبر لضمان الفوز والفلاح.
وقال “من هنا نتطلع إلى يوم الفرقان، على أنه يومٌ فارقٌ في التاريخ، أسس لمرحلةٍ جديدة، لم يكن نهاية المعركة مع الأعداء، بل كان بدايتها وأسس لمرحلة ونقلة جديدة؛ لأن الانتصار في هذا اليوم طمأن الكثير من الناس وعزز الثقة بالله وأعطى الأمل لكثيرٍ من اليائسين، غيَّر النظرة التي كانت ترى بأنه من المستحيل أن ينتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجنوده، وهم في ذلك المستوى من الإمكانات المتواضعة والبسيطة مقابل ما يمتلكه الأعداء من قوة وإمكانات “.
وأكد قائد الثورة بأن هذا النصر أسهم في تغيير نظرة الناس وطمأنتهم، وتعزيز الأمل والثقة، وغيَّر الموازين والمعادلات التي كانت قائمة في الساحة، وصنع معادلات جديدة في الصراع وفي نفس الوقت وجَّه ضربةً مؤلمةً جدًّا للأعداء، وبالذات لقريش، الذين كانوا هم أول فئة في الساحة تتصدر مواجهة الإسلام والنبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”.
استلهام الدروس
فيما اعتبر عدد من العلماء والمشائخ غزوة بدر الكبرى التي عرفت بالفرقان علامة فارقة فرقت بين الحق والباطل خاضها الرسول وأصحابه في 17من رمضان السنة الثانية للهجرة، ومثلت البداية العملية لتأسيس كيان الدولة الإسلامية، والانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين..مؤكدين على أهمية ذكرى يوم الفرقان لاستلهام الدروس من الصبر والثبات على الحق عند أزمة المواقف، ودروس الجهاد في البذل بالنفس والنفيس لإحقاق الحق وإبطال الباطل، واستلهام الدروس في التوكل على الله والاعتماد عليه مع الأخذ بأسباب النصر.
ويقول الشيخ صالح الهزمي :إن غزوة بدر التي انتصر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون تُعد أول معركة يخوضها المسلمون مع الأعداء من كفار قريش وأول لقاء مع أقوى عدو لهم في الجزيرة العربية آنذاك إذ كان عدد المشركين حينها ثلاثة أضعاف المسلمون .. منوها بأن النصر كان حليف المسلمين إذ نزل الوحي على رسول الله مطمئنا إياه بقوله تعالى ” وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” .
مشيرا إلى أن الاستعداد النفسي عند المسلمين للجهاد في سبيل الله والعمل على نشر الدعوة الإسلامية لم يكن عائقا في تطبيق ما افترضه الله عليهم من صلاة وصيام، بل على العكس من ذلك كانوا مدعاة اصرار وتحد على إظهار مدى قدرتهم على الصبر والتحمل لتحقيق الأهداف العليا للدولة
الإسلامية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ويضيف الشيخ الهزمي بأن هذه المناسبة الدينية العظيمة تأتي والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بحاجة ماسة اليوم لاستلهام الدروس والعبر عنها وإعادة النظر في إعداد العدة لمواجهة أعداء الإسلام والتصدي للغزو الفكري الذي يصدره الأعداء لأمة الإسلام .
التصديق بوعود الله
من جانبه يقول الشيخ محمد يحي عطف الله باحث في التاريخ الإسلامي: كانت غزوة بدر الكبرى فرقانًا بين الحق والباطل وبين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء والقيم والأوضاع والشرائع والقوانين والتقاليد والعادات – وبين الرجوع إلى لله الواحد الذي لا إله غيره، ولا متسلط سواه، ولا حاكم من دونه، ولا مشرع إلا إياه.
مشيرا إلى أهمية إحياء هذه الذكرى العظيمة لتتجدد في قلوب المسلمين الشعور بالمسؤولية وقوة التحمل في مواجهة الأخطار والتحديات التي يصنعها أعداء الله ورسوله ، والانتصار للدين والمستضعفين ورفع راية الحق وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.ويضيف: لقد كان رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، يجمع المسلمين في مجالس الذكر والعلم ويحثهم
على الجهاد والقيام بمسؤولياتهم في مواجهة الباطل والانتصار للحق.
ويؤكد الشيخ عطف الله بأن غزوة بدر الكبرى تبقى الذكرى الخالدة في تاريخ الإسلام باعتبارها مدرسة كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الملهم والمعلم والمربي والقائد العسكري والميداني فيها، فهو من قام بكافة المهام العسكرية والقتالية على كل المستويات، من حيث التخطيط والتنظيم والزحف على الأعداء رغم قلة العدد والعدة إلا أن التجاءهم إلى الله والتصديق بوعد الله، جاءتهم المعونات الربانية، والإمداد الإلهي، وكان النصر فيها حليف رسول الله والمؤمنين، والهزيمة النكراء للمشركين والكافرين.
ويضيف قائلا: لقد تعلمنا من غزوة بدر الكبرى أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كان قائدا عسكريا ورجلا سياسيا محنكا ،عظمة القيادة الموحدة، قوة الإيمان بالله والإرادة الصلبة في مواجهة الظالمين والمجرمين، الارتباط بالله والذكر والدعاء في وقت الشدائد، والتصديق بوعود الله في نصره للمؤمنين مهما كانت كثرة العدو ومهما بلغت قوته فقوة الله هي من تغلب كل قوة على هذه الأرض، فالهدف الحقيقي هو كان البحث عن الخلاص الجماعي للأمة وتحقيق الحق وإقامة العدل، واسترجاع
الحقوق المسلوبة للمستضعفين من أرض وحرية وكرامة والإنصاف للمظلومين والتمكين لدين الله سبحانه وتعالى ورفع راية الحق فوق هذه الأرض.
الدرس الأكبر
وحسب كتب السيرة النبوية فإن غزوة بدر سميت بهذا الاسم لارتباطها بالمكان التي دارت عليها المعركة “أرض بدر “وبدر اسم واد يقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وهو أحد أسواق العرب ومركز تجمعهم للتبادل التجاري وكان العرب يقصدونه كل عام.
وقد تحدث القرآن الكريم عن غزوة بدر الكبرى بآيات بينات في عدد من السور لتبقى معلما عريقًا ودستورا منيرًا للإسلام في معركته مع الباطل ،وستظل هذه المعركة الدرس الأكبر في انتصار الخير على الشر والحق على الباطل.