التراحم والتعاطف من القيم والفضائل التي أمرنا الله عز وجل بالقيام بها ، ودعانا الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لإعمالها وتطبيقها في حياتنا، وحثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف ، لما لها من أثر في استقرار المجتمعات والحد من نسبة الفقر، فإذا ما تراحمنا وتعاطفنا فيما بيننا؛ تحقق التكافل الاجتماعي وتحول أفراد المجتمع إلى أسرة واحدة ، يتقاسمون حلو الحياة ومرها، ويتشاركون الأفراح والأتراح فلا تجد معوزاً ولا محتاجا ولا فقيرا في إطار الحي الواحد، لأن الكل يستشعرون المسؤولية المناطة بهم في تفقد أوضاع جيرانهم ، وتلمس أوضاع المحتاجين وخصوصا في ظل الظروف التي يعيشها الوطن والشعب جراء العدوان والحصار .
لسنا في غابة مليئة بالوحوش المفترسة ، القوي يفتك بالضعيف، ويسعى للحياة على حساب موت الضعيف ، نحن كرَّمنا الله بالآدمية وفضَّلنا على بقية الكائنات الحيَّة في هذا الكون الفسيح ، ولكن حياتنا بدون التراحم والتعاطف فيما بيننا تتحول إلى غابة موحشة وهذا ما لا يتناسب مع الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها، لقد سمَّى الله نفسه بالرحمن الرحيم ، ومن اسمه الأعظم اشتق اسم الرحمة ، وحري بنا اليوم ونحن ندلف في رحاب الثلث الثاني من شهر رمضان المبارك، ثلث المغفرة ، الذي يمتد لعشرة أيام كاملة، جعلها الله عز وجل موسما للغارقين في وحل الذنوب والمعاصي، لكل من قصروا في ثلث الرحمة، ولم يؤدوا الصيام خلاله على الوجه الأمثل، ووقعوا في مستنقع الذنوب والمعاصي والآثام، ليشمروا عن سواعدهم ويصلحوا أوضاعهم ويصححوا مسارهم ، ويعملوا على اغتنام أيام وليالي المغفرة لطلب المغفرة من الغفور الرحيم .
ومن مكفرات الذنوب والقربات التي يقدمها العبد لوجه الله طمعا في رحمته ومغفرته الإحسان والعطف على الفقراء والمحتاجين والمعسرين وتفريج الكرب عن المكروبين وإعلان التوبة والرجوع إلى الله ، وإذا ما أردنا أن تتنزل علينا رحمات ربنا وتحيط بنا ألطافه وتحفنا عنايته ، فعلينا أن نتراحم فيما بيننا ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ظروف الناس صعبة ، متطلبات رمضان كثيرة، وبعد فترة وجيزة يحل العيد وهو ما يحتم علينا جميعا العمل الجاد والمثمر من أجل تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، كل فرد منا مسؤول عن ذلك، بحسب الاستطاعة وبما هو متوفر لديه ، المهم لا ينبغي التفرج والقعود في المنازل وعدم الاكتراث لمعاناة الناس، على الأقل كل حي يتكفل بالعناية بالفقراء والمساكين والمحتاجين في إطار الحي، ولا بأس بالتنسيق في ذلك مع فروع الهيئة العامة للزكاة في المحافظات والمديريات لمواجهة الحالات التي تستحق تدخل الهيئة، كالحالات المرضية وكسوة العيد وغيرها من الحالات التي تفوق إمكانيات وقدرات سكان وأهالي الحي .
بالمختصر المفيد، في شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، يجب أن نكون رحماء فيما بيننا ، يجب أن نكون أكثر قربا من جيراننا ومن يعيشون معنا في إطار الحي أو الشارع أو القرية أو المدينة، هكذا يريدنا الله ورسوله في شهر رمضان، ومن أجل ذلك سُمِّي رمضان بشهر الرحمة، وعلى من لا أثر للرحمة في حياته أن يراجع نفسه ويتدارك نفسه في الأيام المتبقية من رمضان، وهنيئا لما أنفق وجاد من حر ماله في هذه الأيام ، هنيئا لمن فرَّج كربة مكروب ، ويسَّر على معسر، وأعان المحتاج على قضاء حوائجه، وساعد الفقير على تجاوز فقره وعوزه، ورسم الابتسامة في محيا الأيتام والأرامل، هنيئا لمن أعطى مما أعطاه الله في سبيل الله ودعم المرابطين ورعاية أسر الشهداء والأسرى والمفقودين والعناية بالجرحى، فهذا هو ميدان السباق الذي يرضي الله ورسوله، وهذا هو الرصيد الحقيقي الذي سيرافقه في قبره، وسيكون الزاد الذي يكفل له التوفيق بين يدي الله يوم القيامة .
صوما مقبولا، وذنبا مغفورا، وعملا متقبلا، وإفطارا شهيا، وعاشق النبي يصلي عليه وآله .