خطر استنزاف الموارد المائية في اليمن:ديننا الإسلامي يحث على ترشيد استخدام المياه ويعتبر الإسراف تهوراً وعدم تبصر

 

إعداد/ فيصل صالح السعيدي
يعتبر الإسراف سبباً من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها، وإن كان متعدد الصور والأساليب إلا أنه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة هي إهلاك الحرث والنسل وتدمير التوازن البيئي، ذلك التوازن الذي يعتبر أحد النواميس التي سنها المولى عز وجل لاستمرار الوجود واستمرار الحياة، وللإسراف صور متعددة فهو لا يقتصر على تجاوز الحد في الإفراط في استهلاك الماء بل يشمل تجاوز الحد في كل شيء حولنا في البيئة.. ومن صور الإسراف نذكر مثالاً واحداً وهو:
الإفراط في استهلاك المياه
فقد خلق الله الماء وجعله سبباً لحياة قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ونظراً لأهمية الماء فقد وقفت الشريعة الإسلامية السمحاء ضد الإسراف في استهلاكه سواءً في أغراض الشرب أو في الزراعة أو الصناعة أو حتى في مجال العبادة.
وقد قال الحق – عز وجل (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقد دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المحافظة على الماء وعدم الإسراف في استهلاكه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة)) رواه النسائي وابن ماجه.
وتتبين الحكمة من موقف الإسلام الداعي إلى عدم الإسراف في استهلاك المياه إذا ذكرنا الأضرار البيئية الناجمة عن هذا الإسراف.
ولو أخذنا الإنسان كأحد عناصر البيئة فإن العلم يخبرنا بأن الجسم البشري لا يستفيد بكل ما يلقى فيه من مياه الشرب وإنما يأخذ مجرد كفايته ثم تبذل الكلى بعد ذلك مجهوداً كبيراً للتخلص مما زاد عن حده.
وإذا أخذنا الإسراف بمعناه اللغوي الذي ينص على انه وضع الشيء في غير موضعه الطبيعي فإن دخول الماء إلى غير موضعه الطبيعي في جسم الإنسان يكون سبباً للموت غرقاً، كما هو الحال في وصوله إلى الرئتين، كما يسبب الماء مشاكل في الهضم إذا تناوله الإنسان بكمية كبيرة في أثناء تناوله الطعام حيث يؤدي إلى تخفيف تركيز العصارات المعدية الهاضمة.
وإذا انتقلنا إلى التربة الزراعية فسوف نجد ان الإسراف في ريها بالماء يؤدي إلى إحلال المياه محل الهواء الموجود فيها، ما ينتج عنه عجز الجذور النباتية عن التنفس فضلاً عن عفنها وتحللها بسبب تأثير المياه التي تشبعت بها حبيبات التربة، كما يؤدي سوء استخدام مياه الري إلى إصابة مسطحات كبيرة من الأراضي الزراعية بخطر التملح والتغدق water logging بما يقلل من قدرتها الإنتاجية في مرحلة وإصابتها بالعقم الإنتاجي في مرحلة أخرى .
ويقدر أن العالم ومنه اليمن يفقد سنوياً ما بين نصف مليون ومليون فدان نتيجة تملح التربة أو تغدقها كما هو الحاصل في زراعة القات وما ينتج عنها في عملية الاغتسال والشرب وحتى المضمضة.
وفي مجال الصناعة فإن الإفراط في تصريف مياه التبريد أو الغسيل أو المخلفات السائلة إلى المسطحات المائية يؤدي إلى تلوثها واستنزاف الأكسجين الذائب فيها وهو أمر يؤدي إلى هلاك الكائنات البحرية.
موقف الإسلام من الإسراف
وإذا تحدثنا عن موقف الشريعة الإسلامية فيما يخص الإفراط في استهلاك المياه فإننا سنجد أنه من مميزات الشريعة الإسلامية سلوك الطريق الوسط في التكليف ومن بين التكاليف التي سارت في هذا الاتجاه تلك التكاليف الخاصة بالمحافظة على ثروات البيئة ومواردها ومكوناتها من الفساد الناجم عن البغي أو الإسراف أو الجهل بالسنن والنواميس الكونية، والإسراف في نظر الإسلام نوع من التهور والتسرع وعدم التبصر بعواقب الأمور وهو دليل على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسؤولية وقد توعد الله تعالى في القرآن الكريم المسرفين بالهلاك حيث قال تعالى (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) الانبياء9.
وقال عز من قائل (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
ويرى بعض الفقهاء أن الإسراف كما يكون في الشر يكون في الخير كمن تصدق بجميع ماله واستدل لذلك بقولة تعالى (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ)الانعام/141.
وروي أن ثابت بن قيس بن شداد أنفق جذاذ خمسمائة نخله ولم يترك لأهله شيئاً فنزلت الآية السابقة.
ومن الأحاديث الشريفة في هذا الاتجاه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (الاقتصاد نصف العيش وحسن الخلق نصف الدين)، وقد ابرز العواقب الوخيمة للإسراف عدد من إعلام المفكرين المسلمين -مشارقة ومغاربة- فيقول عبداللطيف البغدادي(إن السرف في كل شيء يضر بالجسد ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف، ويضر بالنفس إذا كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال).
حكم الشريعة في الاستهلاك
أما إذا تحدثنا عن الحكم الشرعي للإسراف في استخدام الماء في مجال الحياة، فقد نهى الإسلام عن الإسراف في استهلاك المياه حتى لو كان الغرض من ذلك هو الوضوء أو الغسل، فقد أخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر ان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مر بسعد (بن ابي وقاص)وهو يتوضأ فقال : (ما هذا السرف)؟ فقال : أفي الوضوء إسراف؟ قال : (نعم وإن كنت على نهر جار).
واخرج مسلم من حديث انس رضي الله عنه أنه (كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع الى خمسة أمداد ).
والإسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية، كأن يزيد في الغسل على الثلاث، ففي حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله عنهم – قال : إن رجلا أتاه صلى الله عليه وآله وسلم – فقال : يا رسول الله كيف الطهور؟ (فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً ، ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السبابتين في أذنه ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه ثم غسل رجليه ثلاثاً ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقَّص فقد أساء وظلم ) رواه أبو داوود.
وقد استدل الفقهاء من الحديث السابق على أنه حتى إذا كان الماء مملوكاً أو مباحاً فإن الزيادة في غسل الأعضاء للوضوء على الثلاث الموجبة مكروه، أما الماء الموقوف على من يتطهر به ومنه ماء المدارس فإن الزيادة فيه على الثلاث حرام عند جميع المذاهب لكونها غير مأذون بها لأنه إنما يوقف الماء في هذه الحالة لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحة الماء لغير ذلك.
وقيَّد الشافعية وبعض الحنفية افضلية الوضوء على الوضوء بألا يكون في مجلس واحد أو أن يكون المرء قد صلى بالوضوء الأول صلاة وإلا يكره التكرار ويعتبر إسرافا، واتفق الفقهاء على أن الإسراف في استعمال الماء للوضوء مكروه، ومعيار الإسراف عند الحنفية هو أن يستعمل الماء فوق الحاجة الشرعية، أي زيادة على الإسباغٍ، وعلى هذا يكون الإسراف في استعمال الماء في الوضوء مكروهاً تحريما كما صرح به (صاحب الدر لكن رجح ابن عابدين كونه مكروها تنزيها) .

قد يعجبك ايضا