"الزكاة" تهديهم مركز تدريب مهني

أطفال التوحد.. نوابغ إبداع خلف حجاب الطيف والإهمال

الباحثة شجاع الدين: لا توجد أسباب واضحة للإصابة باضطراب طيف التوحد
أم أحمد: 50 % من معاناتي مع توحد طفلي توجت بالنجاح بفضل العلاج السلوكي والتدريب المهاراتي
د. المتوكل:80 % من علاج التوحد يعتمد على تعاون محيط الطفل الأسري والاجتماعي
م. المداني:نسعى إلى مساعدة أطفال التوحد للتدرب على مختلف المهارات
م. البروي: التوعية المجتمعية بطرق التعامل مع أطفال التوحد أمر مهم
الباحث الخياط:إشراك الطفل التوحدي في أنشطة مجتمعية يساعد على اكتسابه مهارة التفاعل مع الآخرين

«كلما مرت الأيام من عمر أحمد تزداد معاناتي معه، حتى صار كثير الحركة بلا هدف، كثير الانطواء، كثير السهر، دائم النظر إلى سقف الغرفة.. معه يزداد قلقي وتعظم حيرتي.. كلما شكوت حالته على أحد ينصحني: «اصبري»، فجأة، وبينما كنت أشاهد شاشة التلفاز إذا بإحدى القنوات تعرض فيلم «لغز التوحد».. الفيلم جذب انتباهي، بدأت أركز مع الفيلم، بطله كان طفلا توحديا، فإذا بي أشاهد أحمد في سلوكيات ذلك الطفل.. رفرفته، نظراته، عدم نطقه، مشيته، قلت هذا هو ابني؟ طبعا، لم تصدمني حقيقة أن حماده طفل توحدي، أكثر ما صدمت به حقا هو عدم وجود دواء محدد يمكن أن يصفه الطبيب للشفاء»..
هكذا روت أم الطفل التوحدي أحمد آلامها لـ «الثورة» التي تواجدت في قلب الحدث أثناء زيارتنا لمركز «ابني التوحدي» بأمانة العاصمة، فمع التفاصيل:

الثورة /يحيى الربيعي

نظمت مؤسسة بنيان التنموية بالتنسيق مع الهيئة العامة للزكاة زيارة إلى مركز ابني للتوحد، وقد باركها هاتفيا وزير الصحة الدكتور طه المتوكل، الذي أوضح أن أطفال التوحد ليسوا مرضى، وإنما هم مبدعون يطمرهم الإهمال الأسري وغياب الوعي المجتمعي، مؤكداً حاجتهم الماسة إلى تغيير نظرة المجتمع إليهم بهدف تسهيل مهمة إعادة تمكينهم من الاندماج المجتمعي، وذلك من خلال التدريب السلوكي، وكذا تنمية مهاراتهم والعمل من أجل تفعيل برامج التدريب المهني لإشراكهم في سوق العمل خاصة أن هناك فئة من الأطفال التوحديين يعدون من النوابغ شديدي الذكاء، لافتا إلى أن ما يعانيه الطفل التوحدي هو مجرد عارض طارئ يزول بالانتباه المبكر لحالة الطفل التوحدي وسرعة تشخيصه ومباشرة العلاج السلوكي والتمارين التنشيطية للأعضاء والذهن، مشيرا إلى أن تعاون المحيط الأسري والاجتماعي مع جهود مراكز التأهيل في إنجاح العلاج السلوكي يمثل 20% (ثم ذكر نسبة 80% من دور الأسرة إذا أخذ المركز 20% من دوره في العلاج).. مؤكدا أن وزارة الصحة لن تتدخر جهدا في تزويد المركز بما يساعده على أداء مهمته الإنسانية تجاه هذه الفئة من الأطفال والشباب فيما يخص الجانب الصحي والدوائي.
من جانبه أشاد المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية المهندس محمد حسن المداني باللفتة المسؤولة لوزير الصحة الدكتور طه المتوكل والهيئة العامة للزكاة، داعيا رجال الأعمال إلى المساهمة في دعم نشاطات المركز الإنسانية والذي سيعمل على تأهيل وتدريب الأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد وإعادة إدماجهم في المجتمع وفي خطوط الإنتاج وسوق العمل.

معهد مهني
كما أشار المهندس المداني إلى أن الهيئة العامة للزكاة بالتنسيق مع مؤسسة بنيان التنموية ساهمت في تجهيزات مركز ابني للتوحد، وأن ذلك يأتي في إطار ما تسعى الهيئة إلى تحقيقه من الإنجازات في المجال الإنساني والتحفيز المهاراتي للمواطن اليمني وثمرة من ثمار ثورة 21 سبتمبر الخالدة في إطار المسؤولية الملقاة على عاتق هيئة الزكاة والمتمثلة في صرف الأموال الزكوية وفقاً للمصارف الشرعية الثمانية التي حددها القرآن الكريم، موضحا أن إنشاء مركز التدريب المهني في مركز ابني للتوحد على نفقة الهيئة يأتي ضمن مشاريع التمكين الاقتصادي التي تتبناها الهيئة، خاصة أن المركز يهدف إلى مساعدة أطفال التوحد على التدريب والتأهيل المهني لمختلف المهارات المهنية والالكترونية والأشغال اليدوية والخياطة والتطريز…إلخ، في خطوة عملية نحو الاندماج في سوق العمل.
وقال المداني: نشد على أيدي إدارة المركز والعاملات في المركز ونبارك خطواتهم الإنسانية الجبارة، ونقدر الروح الإنسانية التي يتعاملون بها مع أطفال التوحد، مثمنا ما يبذل من جهود طوعية من قبل العاملات في فصول العلاج السلوكي بالمركز، مشيرا إلى أن العمل الطوعي يكتسب قدسية في التطبيق والعمل، وقداسة في القيم والمبادئ والتصورات.
وعن دور بنيان تجاه المركز أوضح المداني أن مؤسسة بنيان التنموية اتخذت من قصة ذي القرنين مسارا للعمل الطوعي في اليمن وحددت لذلك استراتيجية تدريبية وتأهيلية استهدفت كادرا كبيرا من المتطوعين الذين وجدوا في المؤسسة ملاذاً لأحلامهم وميداناً لطموحاتهم، وفضاءً واسعاً لمدارات مواهبهم وتحقيق ذواتهم، موضحا أنه ولكي يتحقق النهوض وتدار عجلة التنمية بخطوات مدروسة وثابتة تعمل مؤسسة بنيان التنموية على رفع مستوى وعي القائمين على المشاريع بما يدفع المبدعين نحو الابتكار والتجديد من أجل تغيير واقع الممارسة بشكل ممنهج ومدروس وبما يعود بالنفع والفائدة المستدامة على المجتمع، موضحا أن بنيان تقوم بمتابعة خطوات التمكين والاستفادة من الإمكانات المتاحة لأي مشروع تتولى الإشراف عليه منذ أن يبدأ كفكرة، ثم خطة عمل إلى أن يتحول من مجرد مشروع إلى تعداد مشاريع تنموية مستدامة قصيرة المدى وبعيدة المدى تأخذ طريقها في النمو والتطوير وتحقيق أهدافها بشكل مستقل، مستدركا أن بنيان، هنا، ستعمل في الإشراف على خطوات المركز إلى أن تكتمل ثم تبدأ بالانسحاب التدريجي، ولن تعاود نشاطها الإشرافي إلا فيما إذا حدث للمشروع أي انتكاسة، هذه سياسة تنتهجها بنيان ولها إنجازات مشهودة لقيت رواجا وحققت نجاحات كبيرة في نماذج وتشكلات متعددة بتنوع مجالات اشتغالها، كالمجال الزراعي والصناعي والتنموي والسمكي والاجتماعي.

اضطراب طيف التوحد
مدير مركز ابني للتوحد المهندس سمير محمد البروي أوضح أن هذه الاستضافة التعريفية تهدف إلى لفت انتباه الإعلاميين إلى دورهم في تأهيل وتطوير قدرات أولياء الأمور والمجتمع للتعامل الجيد والعلمي مع أطفال التوحد.
كما عرَّف البروي للفريق الإعلامي التوحد بأنه أحد الاضطرابات التابعة لمجموعة من اضطرابات التطور المسماة باللغة الطبية «اضطرابات طيف التوحد»، وتظهر في سن الرضاعة، قبل بلوغ الطفل سن الثالثة من عمره، على الأغلب، وبالرغم من اختلاف خطورة وأعراض اضطراب التوحد من حالة إلى أخرى، إلا أن جميع اضطرابات الطيف التوحدي تؤثر على قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم، منوها بأن المركز يعمل على تطوير قدرات الأطفال الذهنية وجعلهم قادرين على اكتساب مهارات تمكنهم من التعامل مع أفراد المجتمع بسهولة ويسر.

معايير تشخيصية
وعن أسباب الإصابة بالتوحد لدى الأطفال قالت الباحثة لمياء أحمد شجاع الدين-ماجستير في التوحد: ليس هناك أسباب واضحة أو يمكن تعميمها حول سبب الإصابة باضطراب طيف التوحد، فقد تبدو فحوصات الدماغ عادة سليمة، ولا يظهر عليها أي إشارة بوجود مشكلة، ولكن بالتأكيد هناك فرضيات كثيرة لأعراض التوحد، فقد يكون لدى الطفل حساسية من الحليب ومشتقاته، وهناك فرضية «الأم الباردة» وهي التي لا تتفاعل مع طفلها، فيكون ذلك سببا في الإصابة بالتوحد، (وقد ثبت نفي هذه الفرضية)، وهناك فرضية الإفراط في استخدام الأدوية للأم أثناء فترة الحمل أو التعرض للمواد الكيميائية أو السموم، كما أن هناك فرضية احتمال وجود مشاكل أثناء الحمل أو الولادة، وفرضية التلوث البيئي والبكتيري والفطريات، وأخيرا فرضية الاضطراب الأيضي أو ما تسمى بنفاذية الأمعاء والذي يمكن التعرف عليه من خلال إجراء فحص البيبتيدات لبول الطفل وللتأكد من وجود مشاكل تسبب تأثيراً على النواقل العصبية عند الطفل، والتي تسبب تأثيرا يشبه تأثير المواد المخدرة، فتظهر لدى الطفل سلوكيات التوحد على أنها ناتجة عن مشاكل لها علاقة بالجانب الهضمي وضعف المناعة واضطراب امتصاص المواد الغذائية، وفي هذا الحالة ينصح بإعطاء الطفل التوحدي مكملات غذائية تحت إشراف الطبيب المختص وتناول المواد الغذائية المساعدة على رفع مناعة الطفل، بالإضافة إلى العوامل الجينية.
وفي الجانب التشخيصي أشارت الباحثة إلى أهمية اجتماع المعايير التشخيصية والتي تندرج تحت كل منها مجموعة من الأعراض أو السمات والخصائص التي تميز الطفل التوحدي عن غيره من الأطفال المصابين بالإعاقات أو المشكلات، بالإضافة إلى ان هناك زيادة ملحوظة في نسبة انتشار التوحد، وتأتي هذه الزيادة نتيجة وعي وإدراك البعض حول هذا الاضطراب أو توجههم إلى بعض الأطباء ممن لديهم معرفة بالاضطراب وبالتالي توجههم إلى المراكز المختصة، إلا إنه لازال هناك الكثير من أفراد المجتمع بحاجة إلى توعية شاملة حول الاضطراب لتدارك المرحلة العمرية المبكرة من عمر الطفل وحصوله على التشخيص والتأهيل المناسب في الوقت المناسب.
ومن سمات طفل التوحد أنه يتجنب التواصل بعينيه مع الآخرين، لا يجيب عندما يناديه أحدهم ويبدو وكأنه لا يسمع، لا يسمي الأشياء المحيطة حوله، لا يظهر اهتمامه بوجود الآخرين من حوله ولا يتفاعل معهم، لا يتحدث أو أنه يردد كل ما يقال له بطريقة ببغاوية، لا يلعب مع الأطفال أو يلعب ولا يفهم آلية اللعب وخطواته وما المطلوب منه، لا يلعب الألعاب التي تحتاج إلى التخيل أو اللعب التمثيلي، بالإضافة إلى مجموعة من السمات التي قد تختلف حدتها من طفل إلى آخر.

الأسرة والمجتمع
أما الباحث نجيب عبدالكريم الخياط -ماجستير توحد- فقد ركز في طرحه على النظرة الاجتماعية للطفل التوحدي فقال: «يعانى طفل التوحد من نظرة المجتمع حيث ينظر إليه على أنه متخلف عقليا، وقد تتكون لدى البعض نظرة شفقة وعطف عليه وعلى أهله، ولا يعرف المجتمع أن عليه معاملته كإنسان عادي قبل كل شيء، بل قد لا يتقبل المجتمع تصرفات الطفل التوحدي بسبب ظهور بعض السلوكيات التي قد لا تكون مقبولة مثل (الحركة المفرطة أو العدوانية تجاه الآخرين)، فسرعان ما يلقي المجتمع اللوم على تربية الأسرة، والسبب في ذلك أن المجتمع لم يأخذ جرعة توعية كافية عن التوحد وأعراضه حتى يعرف أن الطفل التوحدي يتمتع بدرجة ذكاء طبيعية أو قد تكون لديه درجة عالية من الذكاء وأنه يفتقد لاهتمام محيطه به، وتفاعله معه، فإن هذا يجعل تصرفات الطفل التوحدي تتحسن تدريجيا ويبدأ في التواصل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين وتزيد قدرته على الإبداع والابتكار».
ويواصل الباحث نجيب متجها بحديثه صوب الأسرة، مشددا على أنه يجب على ذوي الطفل التوحدي معاملته على أنه إنسان عادي فلا يقومون بعزله عن بقية الناس بل يهتمون به ويدعمونه ولا يخجلوا من الخروج معه، كما لا بد من أن يشركوا الطفل التوحدي في أنشطة مجتمعية لكي يشعر بالراحة والأمن والطمأنينة أثناء تفاعله مع الآخرين.
وأهاب الباحث الخياط بالمجتمع والأسرة أن يتثقفوا وأن يقرأوا كثيرا عن التوحد وكيفية التعامل مع أطفال التوحد ويحضروا دورات تدريبية يٌلقيها أخصائيون في التوحد وأن يتبادلوا الخبرات والتجارب مع مجموعات الدعم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، مشيرا إلى وجوب أن تستشعر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مسؤوليتها تجاه هذه الفئة من الأطفال فتقوم ببث وإذاعة ونشر وتوزيع ملصقات ومنشورات تعريفية عن التوحد وعن وجوب لفت انتباه الجميع إلى ضرورة توفير أخصائيين لمساعدتهم على تجاوز تعثرهم من خلال إنشاء معاهد تدريب وتأهيل وأندية رياضية وترفيهية، وأن تتوفر لأطفال التوحد فرص عمل، كي يشعر أطفال التوحد بأنهم كبقية الأطفال، وأن لهم نفس الحقوق والواجبات، فيجب، أن نحافظ على مشاعرهم ولا نٌسيء إليهم، وأن نساعدهم ونسعدهم ونسعد بهم، بل إن المجتمع معني بتفهم أن إشكالية التوحد مجرد عارض طارئ يتعرض له الطفل التوحدي وأن يمتنع الجميع عن معاملة الطفل التوحدي على أنه مريض نفسياً أو مختل عقلياً أو كما يقول البعض إنه مصاب بعين الحاسد …إلخ، من التصنيفات التي قد تعود بنتائج عكسية على مراحل تجاوز الطفل إشكالية التوحد.
ثم طفنا بأقسام المركز والتي احتوت مجموعة من غرف التأهيل والتدريب السلوكي والتواصل، وغرفة تحليل السلوك التطبيقي، وغرفة الأساليب التربوية، وغرفة للتدرب الفردي على النطق، وغرف العلاج الوظيفي، وغرف المهارات الاجتماعية، وصالة ركوب الخيل العلاجي، وغرف نظام التواصل عن طريق تبادل الصور، واطلعنا على شروح تفصيلية من الأخصائيات العاملات في كل قسم على حدة، ثم انتقل الفريق إلى معهد التدريب المهني الذي انشئت أقسامه بتمويل من الهيئة العامة للزكاة ضمن مشروع التمكين الاقتصادي، وهناك قدم مدير المركز شرحا عن الآفاق المتوخاة من تفعيل هذا المعهد وما سيحققه من تأهيل وتدريب مهني للنوابغ من أطفال التوحد.

لغز التوحد
أم «أحمد» تسرد لـ(الثورة) مراحل رحلتها مع طفلها التوحدي فنقول : ظللت أتابع مراحل نمو ابني البكر «أحمد»، وعند كل محطة انتظار. أتوقف عسى أن أسعد بحركة لـ»حمادة» أو مناااااغة أو ابتسامة أو حتى بكاء، لكن شيئا من ذلك لم يكن يحدث.. تحولت حياتي إلى تساؤلات كثيرة بلا إجابة؛ كلها حول أحمد: متى يتحرك؟ متى يمشي؟ متى يتكلم؟ متى يعبّر عن شعور، عن إحساس، عن فرح، عن زعل، حتى وإن برمش عين؟ طيب، أقلها: متى سيطلب مني حاجته أو يشير إلى شيء يضايقه أو يخيفه أو يسعده.
مرت سنة من عمر حمادة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، حتى «مناغه» مفيش، وهو في عمر سنتين كان يأخذ بيدي ويجرني خلفه إلى الحاجة التي يشتيها، لكنه يطلبها «لا»، يشير إليها مستحيل.
كلما مرت الأيام من عمر أحمد.. تزداد معاناتي معه، حتى صار كثير الحركة بلا هدف، كثير الانطواء، كثير السهر، دائم النظر إلى سقف الغرفة.. معه يزداد قلقي وتعظم حيرتي.. وهكذا، كلما شكوت حالته على أحد ينصحني: «اصبري»؛ أبوه، جداته، عماته، خالاته، الجيران، كلهم يقولون لي: «اصبري» بعض الأطفال يتأخروا في مراحل نموهم.. وكنت أصبر، وأنتظر.. حتى بلغ أحمد سن الرابعة، وبلغ به الحال أنه يظل صاحياً إلى أوقات متأخرة من الليل تصل أحيانا إلى الفجر وهو كما هو على ذات الحالة من اللا شعور في تصرفاته، لا توجد استجابة منه لأي سلوك أدربه أو أعلمه.. إلى سن الرابعة، وأنا من يؤكله، وأشربه، لا يطلب شيئاً، ولا يقول: أريد الحمام؟ أنا من يقدم له طعامه، وشرابه، أنا من يدرك أنه يريد الحمام، فأقوده إليه، وأنتظره حتى ينتهي، فأنظفه.. علمته برنامج الحمام كسلوك تكراري.
طفح الكيل؛ أربع سنوات، وأنا منتظرة أن يتغير ابني، ينمو كما ينمو الأطفال، ويتكلم مثلهم، ويلعب مثلهم، ويشتهي، ويكره، ويحب، يسرح ويمرح كبقية أطفال عباد الله! لا فايدة من الانتظار؛ ولا في الصبر، فقررت عرضه على طبيب.. وهناك أجريت له فحوصات شاملة، وطلع كله سليم 100%، الطبيب تعرف على المشكلة، فأخذ بيدي إلى العلاج، لكنه لم يفصح عن حالة ابني، وعن حقيقة ما يعاني؟ تقريبا، الطبيب لم يرد أن يفجعني بالحقيقة أن حمادة «طفل توحدي».. فقط، اكتفى بإرشادي إلى برنامج العلاج السلوكي؛ حماده يحتاج إلى برنامج تعويد مكثف وتكراري على التصرفات.. يحتاج إلى التدريب على النطق، على المشي، امنحيه قدرا كبيرا من الحنان، اقتربي منه كثيرا، وذلك ما باشرت في تفعيله مع حماده.
فجأة، وبينما كنت أشاهد شاشة التلفاز إذا بإحدى القنوات تعرض فيلم «لغز التوحد».. الفيلم جذب انتباهي، بدأت أركز مع الفيلم، بطله كان طفلا توحديا، فإذا بي أشاهد أحمد في سلوكيات ذلك الطفل.. رفرفته، نظراته، عدم نطقه، مشيته، قلت هذا هو ابني؟ طبعا، لم تصدمني حقيقة أن حماده طفل توحدي، أكثر ما صدمت به حقا هو عدم وجود دواء محدد يمكن أن يصفه الطبيب للشفاء.
لم يكن أمامي سوى طريق واحد، وهو العلاج السلوكي، فبدأت الرحلة مع العلاج، ومنذ سن الرابعة حتى بلغ «أحمد» سن الـ 11، وأنا متفرغة للبرنامج؛ جلسات متكررة.. نطق، حركة، شعور، تركيز، مهارات.. الحمد لله، الآن، أحمد يتكلم، ينظر، يأكل، يشرب، يلبس، برنامج نومه جيد.. وسعيدة جداً بأن أحمد الآن يحفظ القرآن.. 50% من معاناتي مع توحد أحمد توجت بالنجاح.
أم أحمد في ختام حديثها؛ تنصح كل أم؛ أنها بمجرد أن تلاحظ طفلها أكمل السنة الأولى وهو لم ينطق بعد، لا يركز، لا ينااااغي، لا بكاء ولا ضحك.. عليها أن تسارع لعرض طفلها على أقرب مركز تشخيص، لأن التشخيص المبكر يعني شفاء مبكراً، ومعاناة أقل.

قد يعجبك ايضا